عبد السلام أيت باخة مشرف مكتبة الطالب
عدد المساهمات : 280 نقاط : 61008 تاريخ التسجيل : 31/03/2008 العمر : 38
| موضوع: المقامة الشمرارية الأحد ديسمبر 06, 2009 6:31 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم هذه مقامة متواضعة زبرها يراعي المكلول، في عجالة مشغول ذهني فيها ومعلول، مقتديا فيها بدهاقنة هذا الفن، كبديع الزمان والحريري، وإن كنت أحسب ـ جازما ـ أني لن أبلغ شأوهم ولا حذوهم، وحسبي أن أتمثل بقول القائل في أمثالهم: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح أصور فيها بداية مشوار التدريس، بثانوية ابن بطوطة الإعدادية، في منطقة إشمرارن التابعة لقيادة امتوكة بإقليم شيشاوة، بلاد الجود والكرم والطلاوة، سائلا الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، ويتجاوز عني ما فيها من هنات الفهم السقيم.وهي هدية مني إلى مدير هذه المؤسسة المفضال، وإلى السادة الأساتذة الكرام على جهودهم المشكورة في تعليم الناشئة وتربيتهم التربية الصالحة، وإلى تلاميذنا الأعزاء جزاء صبرهم على عوائق الطلب، وشغفهم بالعلم والتحصيل مهما كانت الظروف. المقامة الشمرارية بقلم: ذ. عبد السلام أيت باخة
حدثنا عبد السلام العلزمي قال: لما كنت ببلاد ادويران، أدرس في مدرستي مع الأقران، حبب إلي الأدب مع الأشعار، فكنت أكتب بلا أسوار، طالقا قلمي لمنادمة الأسحار...
ولما وصلت إلى الإعدادية والثانوية، تاق يراعي لمنادمة الشاعرية، فنسجت شعرا بمقدمات طللية، على عادة شعراء الإسلام والجاهلية...
ثم أتت مرحلة الجامعة، مرحلة الجد والبحوث الماتعة، ومرتع الإبداعات والجهود اليافعة، فتَخِذْتُ بها صَحباً اتخذوا الأدبَ دِثارا، والمَرَحَ حِواراً، وزُبَدَ الفوائد مَزارا، فكنا نقضي الأيام والليالي، في ذكر الأحاديث والأمالي، همنا النقاش والمذاكرة، في كل فن مع المسامرة، ثم مرت تلكم الأيام، كأنها طيف من الأحلام...
وشاء الله أن ألج وظيفة التدريس، فجاء دور البناء والتأسيس، فرحلت إلى أسفي للتكوين، حاملا معي هاجس التعيين، كغيري من الأساتذة الخريجين.
وبعد ظهور نتائج الامتحان، كنت الأول بين الأقران، فحمدت الله الكريم المنان، ثم عينت في "شيشاوة" الشهيرة الشان.... حتى أدتني خاتمة المطاف، وهدتني فاتحة الألطاف، إلى مؤسسة بدوية نائية، جديدة العهد في تلك الناحية، تدعى ثانوية ابن بطوطة الإعدادية.
رحلت إليها وكلي أمل وهمة، أن أجد مستوى في غاية القمة، لأصل السالف بالحاضر، وأتمتع باستحضار ذكريات الماضي الغابر...تمنيت أن أجد تلاميذ ذوي بَلاغَةٍ رائِعَةٍ، وبَديهةٍ مُطاوعةٍ، وآدابٍ بارِعةٍ، وقدَمٍ لأعْلامِ العُلومِ فارِعةٍ، حتى إذا تكلمت بلغتي، فهم عني الآخذون بغيتي، فتمتعت بما آنسه من طريقتي. سيما وأنا المحب للإشارات، مستغنيا بها عن واضح التقريعات...
غير أني كنت في معتقدي كمثل قس بين العجم، وعلمت يقينا أن الجهل قد عم القوم وطم، فما أن وصلت إلى ذلكم المكان، حتى سمعت كلاما من بعض الصبيان، يقول لأقرانه من الخلان، لعله معلم التربية الإسلامية يا إخوان...
كذا قال والكلام حرفي، فافهم فلست في الضبط كالصحفي... فعقبت تلميذة أخرى، بكلام جعل المصيبة أعرى، حين قالت من سذاجتها، وتفوهت متعجبة بسجيتها: معلم يلبس الجلابة؟؟ هذه غرابة في غرابة؟؟ فقلت لنفسي: يا لَلعجبِ ويا لَضَيْعَةِ الأدبِ لقد استَسْمَنْتَ يا هذا ذا ورَم، ونَفَختَ في غيرِ ضرَم، وتوجّسَت مما هجَسَ في أفْكارِهِمْ، وفطِنَت لِما بَطَنَ مِنِ استِنْكارِهِمْ، وحاذَرَت أنْ يفْرُطَ إليْهِم الذمّ، أو يَلْحَقَهُم عني وصْمٌ، فقرأت: (إنّ بعْضَ الظنّ إثْمٌ).
ثم قلت لنفسي كأني أخاطبهم، وليتني كان باستطاعتي أن أجابههم: يا رُواةَ التعجب، وأُساةَ الاستكشاف والترقب، إنّ حقيقة الجوهَرِ تظهَرُ بالسّبْكِ، ويدَ الصناعة تصْدَعُ رِداءَ الشّكّ، وتذكرت قول الشاعر الأريب:سيذكرني قومي إذا جدَّ جدّهم وفي اللّيلة الظّلماء يفتقد البدر
وفي أول حصة أدرتها، رأيت عجائب أنكرتها، فطلقت الفصاحة مع البيان،بعد طول صحبة واقتران، وقنعت بالركاكة في المباني، وقبح البرودة في المعاني...
أقول للتلميذ: تمرا فيقرؤها خمرا، وأعيدها خمرا فينطقها جمرا ...فعلمت أن فصاحتي ستذهب شبرا شبرا... وصدق من قال في هذا الباب شعرا:أقول له عمرا فيسمعه سعدا ويكتبه حمدا وينطقه زيدا
قلت مرة بكلام واضح جلي، اكتبوا النصوص في دفتر الدروس الأصلي، ولا تكتبوها في دفتر الإعداد القبلي، هل فهمتم أيها التلاميذ، فقالوا فهمنا يا أستاذ الأساتيذ، فقلت لأحدهم مختبرا وعيه لقولي، أين ستكتب ما نكتب ونملي، فقال طبعا في دفتر الإعداد القبلي، فصحت في وجهه يا ويلي، ما هذا الفهم المظلم الليلي؟؟ ألم تسمع يا ولدي كلامي، أم تعمد إلى (تمريضي) وإسقامي، فقال كلا يا أسوتي وإمامي، بل قصرت في نصحي وإفهامي... فتذكرت للتو حينها، أبياتا جميلة أنسيتها، يقول فيها ناظمها:
شوقي يقول وما درى بمصـيبـتي.................قــــم للمــعلــم وفــــــه التـــــبجــيلا اقعد فديتك هل يكون مـبجــلا..................من كان للنشء الصغار خليلا ويكاد (يقلقني) الأمــير بقـــولـه .................كاد المعلم أن يــكــون رســـولا لو جرب التـعليم شـــوقي سـاعـــة..................لقضى الحياة شـــقاوة وخمـــولا حســـب المـــعلم غــمـــةً وكـــآبـــةً...................مرآي (الدفاتر) بكرةً وأصيلا مئةُ على مـئةٍ إذا هــي صلـــحـــت ..................وجد العمى نحو العيون سبــيلا ولو أن في التصليح نفعاً يـرتـجى ..................وأبـــيك لم أك بالعـــيون بخـــيلا لكـــن أصلـــح غـــلـطـــةً نحــويــةً...................مثـــلاً واتــخـــذ الكــتاب دلــــيلا وأكاد أبعث سيـبويه مـن البــلى...................وذويــه مــــن أهــل القـرون الأولى فـأرى (حماراً) بعــــد ذلـك كـله ..................رفـــع المضــاف إلــــيــه والمفـــعـولا لا تعجبوا إن صحت يوماً صيحة....................ووقعت ما بين الصفوف قــتــيلا يا من يــريد الانــتـــحار وجـــدتــه ...................إن المــعـلـــم لا يعــيــش طـــــويــــلا
ولما أنهيت حصتي، خرجت قاصدا بلدتي، فإذ بشمراري ظريف، يبدو من هيئته أنه لطيف، يقرأ علي السلام، مستفسرا عن بعض الأحكام، فبدأ بكلامه المقرون بالأحزان، وسرد علي قصته بجزر الإسبان، وما أصابه فيها من أمراض نفسية وشنآن، فنصحته بما اقتضاه الحال، ونبهته إلى عظم توحيد الكبير المتعال، فلم يزل علي بأسئلته الغزيرة، أجيبه بأجوبة مركزة قصيرة، لعله يتركني للذهاب، قبل أن يدلهم الليل على الهضاب، فلزمت الصبر والحلم والسماحة، حتى ذهبت متعتي والرّاحَةُ، وقرِعَتِ الساحَةُ، وغارَ المركوب، واقترب الليل المرهوب، وأنا مستبطن الجوى، طاويا الأحشاء على الطوى، فما وصلت حتى أذان العشاء، والجوع مني يقطع الأمعاء... فهلْ سمِعْتُمْ يا أولي الألْبابِ، بأعْجَبَ منْ هذا العُجابِ...
غير أن الذي أفرحني وسرني، وعز علي أن أفارقه ويفارقني، ما أجده في الإعدادية من التلاميذ النجباء، والمتعلمين الأذكياء، الذين رفعوا النجاح من وسط ركام العناء، فلهم مني ألف تحية وتحية، أبعثها إليهم صادقة زكية، مكللة بالعطر والورد نرجسية.
ومثلها بودها، إلى المدير المفضال الذي لا يجف لبده، ولا يستريح قلمه، ولا تسكن حركته. قد جد واجتهد، وحشر وحشد. شمر عن ساق الجد ما أطاق، وشد له النطاق يتصرف مع القلوب، كتصرف السحاب من الجنوب فله مني سلام يفوت العد، ولا يقف عند حد.
وتحية خاصة إلى الأساتيذ الفضلاء، ذكورا وإناثا على السواء، فقد عرفتهم نجوما في الليالي الظلماء، العلم حشو ثيابهم، والأدب ملء إهابهم، ما يؤنسهم عن الوحشة إلا الدفاتر، ولا تصحبهم في الوحدة إلا المحابر.همهم حل دقائق الأشكال، وإزالة معترض الإشكال. لهم عشرة ماؤها يقطر، وصحوها من الغضارة يمطر أخبارهم متضوعة كتضوع المسك الأذفر، ومشرقة إشراق الفجر الأنور، فأيامهم حسنة كأنها أعراس، وعزيزة كأنها أنفاس.
أما الأعوان، فهم على السجية يعيشون، وفي كل أعمالهم يثابرون، وفي تعاملهم لا يتكلفون، قد لبسوا لباس القناعة، وأبدوا عن روعة العمل والصناعة....
وهنا وقف اليراع عن الكتابة، لما رأى في الحروف من الصبابة، وألححت عليه بالاستمرار، فاعتذر لي بالاضطرار، وقال يكفيك عن النفل الفرض، والغيض ينوب عن الفيض. ففهمت ما رمز إليه، وتحاشيت الرد عليه، وقلت مجيبا مشيرا له وإليه:قليل منك يكفيني ولكن قليلك لا يقال له قليل
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه العبد الفقير إلى عفو ربه: عبد السلام أيت باخة الإمنتانوتي بثانوية ابن بطوطة الإعدادية (اشمرارن) صبيحة يوم الخميس فاتح ذي الحجة سنة 1430هـ الموافق لـ 19 من شهر نونبر عام 2009م.
| |
|
أبو عبد الله مشرف ملتقى الطلبة الباحثين
عدد المساهمات : 405 نقاط : 61406 تاريخ التسجيل : 04/04/2008 العمر : 38
| موضوع: رد: المقامة الشمرارية الخميس ديسمبر 10, 2009 1:34 pm | |
| بارك الله فيك صديقي العزيز على هذه الخاطرة الطيبة.أسأل الله أن يوفقك في عملك. | |
|