مصلحة تأليف القلوب مقدمة على فعل مستحب أو سنة اجتهادية
تميز أهل السنة السَّنِية بأصول عظيمة ودعائم متينة من ذلك: قاعدة تأليف القلوب واجتماع الكلمة واصلاح ذات البين ولذلك كان من ألقابهم: "أهل الجماعة".
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "تعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي جماع الدين: تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين فإن الله تعالى يقول: "فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ" ويقول:" وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ" ويقول:" وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة" الفتاوي 28/51.
وقد فرعوا عن هذا الأصل العظيم مشروعية ترك مستحب أو سنة القول فيها اجتهادي حفاظا على الجماعة، ومراعاة لمصلحة تأليف القلوب وقد أصل هذا الأمر شيخ الإسلام حيث قال رحمه الله: "الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين، والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية، فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع؟"الفتاوي 22/254.
وقال كذلك رحمه الله: "ويستجب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب" الفتاوي22/407.
وقال تلميذه ابن القيم رحمه الله: "وقد ينتقل (أي النبي عليه الصلاة والسلام) عن الأفضل إلى المفضول لما فيه من الموافقة وتأليف القلوب كما قال لعائشة رضي الله عنها (لو لا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وجعلت لها بابين) فهذا ترك ما هو الأولى لأجل الموافقة والتأليف فصار هذا هو الأولى في هذه الحال" زاد المعاد 2/131.
ولذلك كانت الحكمة تقتضي من العلماء والفهماء تجنب ذكر بعض مسائل الخلاف في مواطن معينة أو فعل ذلك خاصة إذا كان الأمر يسبب مفسدة كبيرة كل ذلك مراعاة للاتفاق وحفاظا على الصف من الشقاق.
فها هو الإمام أبو بكر بن العربي المعافري رحمه الله يحكي عن نفسه أنه كان يتجنب قراءة سورة الانشقاق إذا أمَّ الناس لأن الناس ينكرون وجود سجدة تلاوة عند الآية(21) يقول: "لما أممت الناس تركت قراءتها لأني إن سجدت أنكروه وإن تركتها كان تقصيرا مني فاجتنبتها إلا إذا صليت وحدي" أحكام القرءان 4/369.
ويذكر القرطبي موقف ابن العربي المعافري رحمهما الله فيعقب عليه بحادثة جرت مع شيخه الطرطوشي رحمه الله الذي جاءه زائرا إلى مسجده وصلى ركعتين والناس لا يعرفون من هو فرأوه يرفع يديه عند الركوع وعند الرفع منه فتهامس الناس فيما بينهم لقتله ورميه في البحر وأخذ القرطبي يهدؤهم ويبين لهم أنها سنة وقد أخذ بها بعض أئمة المذاهب ثم أخذ شيخه جانبا وقال له: "لا يحل لك هذا, فإنك بين قوم إن قمت بها قاموا عليك أو ربما ذهب دمك" انظر الجامع لأحكام القرءان19/185.
أبو أويس الإدريسي
الخميس يناير 07, 2010 10:13 am
