آالسلفية جماعة إسلامية؟

آالسلفية جماعة إسلامية ؟

لا يخفى على المتتبع والدارس لتاريخ المسلمين منذ الخلافة الراشدة وبالضبط منذ أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه ما حدث وذب من التفرق والإختلاف في صفوف المسلمين ووحدتهم الدينية والعقيدية,حيث أصبحوا فرقا وشيع "كل حزب بما لديهم فرحون "فكان ظهور فرقة الخوارج,وفرقة الروافض إلى جانب جمهور المسلمين الذين بقوا مستمسكين بوحدتهم ودينهم كما كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.وتبع هذا التفرق فيما بعد ظهور المعتزلة والمرجئة وغيرهم من فرق الضلال والإنحراف الفكري والعقدي,ولم يقف ذلك عند هذا الحد وإنما استمر التفرق إلى زماننا الحاضر,حيث أصبح البيت الإسلامي أشد تشتتا وتفرقا مما كان عليه في السابق,وهذا يتضح من خلال بروز من يسمون أنفسهم زورا و بهتانا - ومن ورائهم وسائل الإعلام جهلا من بعضها وتجاهلا من البعض الآخر- "بالجماعات السلفية" مثل "السلفية الجهادية "و"الهجرة والتفكير"و"الإخوان المسلمون "و"الدعوة والتبليغ "وغيرها من الجماعات المتعددة الألقاب والأسماء,المختلفة المشارب والأفكار،وإن كانت كلها توصف بالسلفية وتنسب الى السلف زورا وبهتانا.

وهذا التفرق والإختلاف سبق وأن أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته حينما قال:"افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة,وافترقت النصارى على ثنثي وسبعين فرقة,وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ,قالوا ماهي يا رسول الله ؟ قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي "1.

وأمام هذا الزخم الكبير والتفرق العظيم أصبح طائفة من المسلمين ممن اختلطت عليه الأوراق والتبست عليه الأمور - وحق له ذلك – لا يكاد يميز بين أهل الحق الذين ما زالوا متمسكين بالدين الصحيح متشبتين بالطريق المستقيم،وبين أهل الباطل والضلال من الذين ركبوا هوى المخالفة والعصيان والإبتعاد عن جماعة المسلمين والإنفصال عنها.

وكان من نتيجة هذا الالتباس اعتبار" السلفية" جماعة إسلامية ومذهب إسلامي غير أن الحقيقة على خلاف ذلك التصور والظن الخاطئ الذي لا يغني من الحق شيئا.و دحضا لهذه الشبهة المتهافتة نقول وبالله التوفيق :

إن القول بأن "السلفية" جماعة أو تيار إسلامي تصور خاطئ و اعتقاد باطل من وجوه :

أولا: إن "السلفية" أو "المنهج السلفي" تجمع وصفي وليس تجمع عضويا,أي أنه يوجد في كل مكان وفي كل زمان,فهذه التسمية هي من باب توصيف الشخص و تمييزه عن مخالفه,وليست تأسيسا لمذهب إسلامي أو جماعة إسلامية خارجة عن الطريق المستقيم.

ثانيا :إن الدافع الأساسي لاعتبار هؤلاء "السلفية" جماعة إسلامية هو تسميها وانفرادها بهذا الاسم (سلفي) بدل الاكتفاء باسم(مسلم) إلى حد أن اعتبرها البعض بدعة في الدين تستوجب الإثم, بل إن هناك من يعتقد أنها دين جديد كما هو عند العوام.

فكما سبق ذكره شهد تاريخ المسلمين ظهور عدة فرق ومذاهب إسلامية متباينة فيما بينها من حيث فهم الإسلام و تصور عقائده,مما اقتضى ضرورة التمييز بين أهل الحق وأهل الباطل في حدود دائرة الإسلام,وتحديد هوية وعقيدة الإنسان المسلم تحديدا دقيقا,إذ لم يعد مجرد التعبير عن ذلك بلفظ "مسلم" كافيا في ظل هذا الإنقسام والإختلاف بين أبناء الملة الواحدة,حيث أن لفظ مسلم أصبح عاما يشمل جميع هذه الطوائف الصالحة والطالحة,فهي جميعا تدعي الإسلام الانتماء إلى ملة المسلمين.وكل منها يدعي التمسك بالكتاب والسنة.لكن مكمن الاختلاف2 متمثل في فهم هذا الكتاب وهذه السنة وكيفية استنباط الأحكام منها،لأنك نجد تعدد الأفهام حول النص الواحد,وإن كان هذا النص مسلما به عند جميع هذه المذاهب،والسبب في ذلك راجع إلى اختلاف المبادئ والأصول التي تعتمد عليها كل فرقة في فهم نصوص الكتاب والسنة,فأصول الشِيعة ليست هي أصول الخوارج أو أصول المرجئة وأصول أهل السنة تختلف تماما عن أصول جميع هذه الفرق...مما استوجب الرجوع إلى فهم سلف الأمة وفي مقدمتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم من التابعين من أجل فهم نصوص الوحي كتابا وسنة الفهم الصحيح السليم,ورجوعنا إلى فهم السلف ليس اعتباطيا أو عشوائيا,بل إنما كان استجابة لجملة من النصوص الشرعية التي تلزم المسلم باتباعهم والتأسي بهم في فهم الدين عقيدة ومنهجا وسلوكا من مثل قول النبي صلى الله عليه و سلم"خير الناس قرني,ثم الذين يولونهم, ثم الذين يولونهم ) 3 وغيره من النصوص التي لا يتسع المقام لذكرها.لذا فالمسلم العاقل لا يجد غرابة و لا استشكالا في هذه التسمية إذ تبين له هذا الذي ذكر.

ثالثا: من المعلوم أن أي تيار أو أي جماعة أو أي حزب مهما كان انتمائه الفكري أو الإيديولوجي أو السياسي...إلا وكان له مؤسس أو زعيم أو قائد يتولى قيادته و الإشراف عليه وينسب التنظيم إليه,وهذا مما لا يسع انكاره أو الاعتراض عليه,فالتاريخ والواقع المعاصر يشهدان على ذلك.وعلى عكس ذلك فإن المتتبع لتاريخ "السلفية" يدرك غاية الإدراك أنه لم يكن لها قط لا مؤسس و لا زعيم يترأسها,و لم تكن تنسب قط إلى فلان أو علان,وإن كان بعض الجهلة والحاقدين حاولوا أن ينسبوها إلى محمد بن عبد الوهاب أو ابن تيمية ...إلا أنهم معذورون ما داموا لا يميزون بين مفهوم الدعوة الإسلامية والبلاغ باعتبارهما فريضة وواجبا شرعيا,وبين الزعامة والقيادة والدعاية,وهم معذورون أيضا لأنهم يجهلون تاريخ ميلاذ ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وتاريخ ميلاد السلفية,فالسلفية وجدت قبل ميلادهما معا.

رابعا: إن من مقتضيات القول بأن "السلفية" جماعة إسلامية ,أن تكون (السلفية) هي من فضل ابتداء لا انتهاء الخروج عن جماعة المسلمين,والتميز عنهم,وهدا خلاف الواقع والتاريخ،بل إن طوائف البدع من ابتدأ الفرقة والانفصال عن جماعة المسلمين ووحدتهم وعليه فالسلفية أو المنهج السلفي هي تلك الطائفة المستمسكة بالحق5 كما نزل من عند الله الثابتة على الدين الذي أنزله الله بعد أن أثرت الفرق الأخرى التشتت والتفرق عن وحدة المسلمين ودينهم,فهي جماعة المسلمين والسواد الأعظم من الأمة،وستبقى كذلك ظاهرة على الحق لا يضرها من خالفها حتي يأتي أمر الله كما قال عليه الصلاة والسلام.

خامسا: إننا وإن قلنا بضرورة التسمية بهذا الإسم (السلفية) فإنا نقول ذلك فقط للتمييز,وإلا فإننا لا نتعبد الله بالإنتساب إلى السلف،وإنما نتعبده عز وجل باتباع السلف،وشتان بين الانتساب والإتباع,فالأول لا يقتضي بالضرورة التأسي بهم وموافقتهم،إذ قد يكون ذلك مجرد ادعاء ليس إلا.بينما الإتباع يقتضي ضرورة التأسي بهم وموافقتهم والاقتداء بهم حقيقة لا ادعاء.فلم يقل عاقل - فضلا عن عالم - أن من نسب نفسه على السلف قولا دون أن توافق أعماله و أفهامه عمل و فهم السلف,نحكم له بأنه سلفي حقا و حقيقة, بينما نحكم لمن لم ينتسب إلى السلف قولا و لقبا بأنه غير سلفي وإن كان عمله وعلمه ومنهجه موافق لعمل السلف وعلمهم ومنهجهم كلا؟؟

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــ

1 صحيح سنن الترمذي رقم2641 راجع شرح الحديث والمقصود منه في شروح الأحايث المعتبرة.ولاسيما مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (كلها في النار إلا واحدة )فكثيرا ما زلت في فهمه الافهام.

2لا نتحدث هنا عن الإختلافات الفقهية القائمة بين المذاهب الفقهية،وإنما نتحدث عن الاختلاف في المنهج والعقيدة،فالاختلاف الفقهي شيء والاختلاف في المنهج والعقيدة شيء آخر فالأول يسع المسلم فيه الخلاف مادام خلافا معتبرا.أما الاختلاف الثاني فإنه غير مقبول و مردود على صاحبه,لأنه اختلاف تضاد لا اختلاف تنوع,فعقيدة المسلمين عقيدة واحدة لا يستساغ الاختلاف فيها.

3 السلسلة الصحيحة.

4حينما نقول إنها مستمسكة بالدين,فإننا نقصد بذلك أنها على الحق في عمومها و مجموعها ,أي أننا إذا كنا بصدد تقويم الجماعات الإسلامية و تحديد من يمثل ضمنها الصورة الحقيقة للدين, فإننا نقول بأن أهل السنة هم من يمثلون الإسلام الحقيقي و ليس الشيعة أو الخوارج أو ...وهذا لا يعني أننا أخرجنا هذه الطوائف من دائرة الإسلام كلا.وإنما قلنا إن السلفية على الحق في عمومها لا في أفراد وآحاد المنتسبين إليها,لأنه قد يكون الشخص المنتمي إلى المنهج السلفي مقصرا في تطبيقه للسلفية،ومخالفا المنهج السلفي في سلوكه وعمله,و يكون ذلك منه إما من حيث كونه مقصرا في العمل والامتثال,وإما لكونه فهم السلفية على غير وجهها الصحيح .و عليه فإن من الخطأ الفاحش الحكم على السلفية أو المنهج السلفي في عمومه انطلاقا من التطبيق الخاطئ لها عند آحاد السلفيين المنتمين إليها.فهناك فرق بين السلفية باعتبارها مبادئ و أصول, وبين التطبيق العملي لها من قبل افرادها,فالسلفية معصومة في عمومها غير معصومة في أفرادها لأنها في الحقيقة هي الإسلام الصحيح.أما المسلم فليس بمعصوم مهما بلغ من الدين والتقوى.