أبو سليمان جواد أمزون مشرف المنبر الدعوي
عدد المساهمات : 216 نقاط : 61003 تاريخ التسجيل : 30/03/2008 العمر : 35
| موضوع: لنا الظواهر والله يتولى السرائر الإثنين أبريل 12, 2010 9:54 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد: فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصحبنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال : لا إله الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " قال لا إله إلا الله وقتلته ؟ قال قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، فقال : أفلا شققت من قلبه حتى تعلم أقالها أم لا كيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ قال قلت: يا رسول الله استغفر لي، قال : كيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ فجعل لا يزيده على أن يقول : كيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة "، فانظر كيف مغبة الدخول في المقاصد والنيات حتى قال أسامة :" فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذٍ"[1] ، وهذا دليل قوي على أنه لا يجوز أن نتعرض للنيات بتحليل ولا تفسير وإنما الواجب علينا هو التعامل مع الظاهر فقط وهذا يدل أيضا على أن أمر القلوب إنما هو وقف على علام الغيوب فلا مدخل لأحد فيها ولا يجوز لأحدٍ أن يتعدى على من أظهر الإسلام بقولٍ أو فعلٍ بحجة أنه يقصد كذا أو ينوي كذا، فإن هذا إدخال للنفس في شيء لا يخصها " ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "[2]، وفي الحديث " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله له ما لنا وعليه ما علينا "[3] فهذا يفيد أن من أظهر لنا الإسلام فهو مسلم من غير تعدٍ منا على باطنه وما يخالج نفسه فإن هذا مردّه إلى الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، فأمور البواطن إلى الله تعالى لا شأن لأحد بها. وبناءً على ذلك فإياك رحمك الله أن تبني حكماً على الآخرين بالنظر إلى بواطنهم فإنك إن فعلت ذلك تكون قد بنيت حكمك هذا على الظن، وعامل الناس بما يظهر منهم ولا شأن لك بمقاصدهم فالأصل في المسلمين السلامة فابق على هذا الأصل حتى يرد الناقل بيقين . ولله در الإمام الطحاوي إذ قال : " ولا نحكم عليهم بكفرٍ وشركٍ ونفاقٍ ما لم يظهر منهم شيء من ذلك ونذر سرائرهم إلى الله " أهـ . وبالله عليك هل ترضى أن يحكم عليك غيرك بمجرد النظر إلى باطنك ؟ بالطبع لا، فشيء لا ترضاه لنفسك فكيف ترضاه للناس فعامل غيرك بما تحب أن يعاملك غيرك به.وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين بما يظهر منهم وكان يقول :" إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس وأشق بطونهم"[4] ولما جاء المخلفون عن غزوة تبوك يحلفون له أنه ما خلفهم إلا العذر قبِل منهم واستغفر لهم عملاً بالظاهر وتركاً للنظر في السرائر فنحن مأمورون بالنظر إلى الظاهر فقط وأما الباطن فلا شأن لنا به فإن تتبعه من الظن المنهي عنه كما قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم"[5]. هذا هو طريق السلامة وأصحاب هذا الطريق هم المهديون الموفقون السالمون من المؤاخذة في الدنيا والآخرة، واعلم أن الحكم على بواطن الناس مدخل شيطاني وخيم فكم حصل به من التفرق والاختلاف والمنازعة والمهاجرة والمدابرة فإن الشيطان يملي على النفس والقلب من الإيحاءات الباطلة ما يكون سبباً في بث الشحناء . إذاً اشدد يديك بهذه القاعدة واجعلها نصب عينيك دائماً و اعلم أن تتبع بواطن الناس نوع من تتبع عوراتهم ومن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه الله في قعر داره، واعلم أن تتبع الباطن من تتبع الشبهات المنهي عنه شرعاً كما في حديث النعمان " وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه "[6] قال أهل العلم: إن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضاً إنما تجرى على الظاهر من أحوالهم دون باطنها وأن من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه ولم يكشف عن باطن أمره... ولذلك فإن أمور القلب ليس لك طريق إلى معرفتها . فقف عند الظاهر ودع السرائر إلى الله تعالى .نسأله الله الكريم رب العرش العظيم أن يحفظ علينا ألسنتنا ويكفينا شرور أنفسنا.وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِر بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ (140).[2] الموطأ كتاب الجامع باب مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ( 52 33)[3] أخرجه البخاري كتاب الصلاة باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه (378) وفي كتاب الأضاحي باب من ذبح قبل الصلاة أعاد (5137)[4] متفق عليه[5] الحجرات 12[6] متفق عليه | |
|