أبو عبد الله مشرف ملتقى الطلبة الباحثين
عدد المساهمات : 405 نقاط : 61406 تاريخ التسجيل : 04/04/2008 العمر : 38
| موضوع: جغرافية الكلام أو خصوصية المفاهيم الأربعاء أبريل 14, 2010 6:31 am | |
|
جغرافية الكلام أو خصوصيتة الحضارية
إذا كان من المسلم به في الدراسات الحضارية والتاريخية والتراثية للشعوب والأمم,تعدد الحضارات والثقافات المكونة للجنس البشري منذ مراحله الأولى,فإن من مستلزمات هذا التعدد الحضاري والتنوع الثقافي الإنساني,الإقرار بوجود خصوصيات حضارية لكل جنس و حضارة إنسانية سواء في الدين أواللغة أو السلوك أو
العرق أونمط التفكير...ومما يدل على هذا التنوع والإختلاف بين الأمم والشعوب بروز جملة من الأصوات الداعية إلى إقامة حوارات وملتقيات بين الحضارات
والأديان والثقافات,لتقريب وجهات النظر, وتوحيد الرؤى حول دراسة و حل الأزمات والمشاكل التي تعترض سبيل البشرية,خصوصا و نحن نعيش ما يسمى ب(
النظام العالمي الجديد) و (العولمة) و(الهم الإنساني المشترك). لكن السؤال المطروح في هذا الصدد هو: هل يمكن تحقيق هذا الحوار وتحقيق التفاهم بين هذه
الحضارات المختلفة وكسر الحواجز التي تحول دون هذا التفاهم دون المساس أو الإخلال بالخصوصية الحضارية لكل أمة وشعب؟هل يمكن مثلا توحيد نمط
التفكير عن طريق توحيد المصطلاحات و المفاهيم المنتمية إلى حضارات وثقافات مختلفة,دون الوقوع فيما يخالف الخصوصية الحضارية لكل أمة ولاسيما
الخصوصية الدينية والهوية العقيدية ؟
لقد شهدت الثقافة الإسلامية في السنين الأخيرة نوعا غير مسبوق من الإستعباد الفكري و الغزو المصطلحي الذي لا يمكن اعتباره إلا امتدادا ـ أو بالاحرىـ بديلا
عن الغزو العسكري التقليدي,ويظهر هذا الغزو الفكري الغربي للهوية و الثقافة الإسلاميتين,من خلال إلقاء نظرة على كتابات ومقالات من يسمون بالنخبة المثقفة
و المفكرين في المجتمعات الإسلامية,حيث يجد المتتبع للجرائد والمجلات وغيرها من قنوات تمريرالخطاب الفكري السياسي الثقافي...إلى الجماهير المسلمة,تأثر
هؤلاء (المثقفين)بالإنتاج الفكري و اللغوي الغربي منه و الشرقي ولاسيما الأول,وهذا كله بدعوى الإنفتاح وقبول ثقافة (الآخر) و مواكبة عصر
العولمة...متجاهلين ما لذلك التقليد من الأثر البليغ في تغيير نمط التفكير عند العقل المسلم والهوية الإسلامية,وما تحمله تلك المصطلحات من حمولة فكرية قد
تناقض العقيدة الإسلامية وتخالفها في جوهرها الذي قامت عليه.وحتى يتضح المقال نورد الشاهد التالي:
كثيرا ما نجد في كتابات(المثقفين),توظيف مفهوم "العلمانية"(1)ستعماله بكثرة في معرض الدعوةإلى تبني منهج ينظم الحياة العامة والخاصة للأفراد على اساس من
الحرية واستبعاد القيود الدينيةإن مفهوم العلمانية مفهوم غربي صرف,غريب عن الثقافة الإسلامية و أجنبي عن الفكر الإسلامي.فإذا كانت اوربا عاشت نوعا من
التنافر بين الدين(المسيحية المحرفة طبعا) و العلم خلال القرون الوسطىـ وبالتالي كان من الطبيعي ظهور هذا الفكر و الإيديولوجية (العلمانية) وما تحتمه من
ضرورة تغيير نمط التفكيرالعقل الأوروبي ـ,فإن العالم الإسلامي لم يشهد قط مثل ذلك التنافر بين العلم و الدين و الصراع بين السلطة الدينية والعلماء .فليس في
الإسلام سلطة كهنوتية أو وساطة بين الخالق و المخلوق,كما هو الشان في المجتمع و العقيدة الاوربية. و بالتالي فإن من الخطأ الفاحش والتعسف في
التقليد,استيراد هذا المصطلح الغريب عن الحضارة الإسلامية في لغتها وفي دينها و في تفكيرها... وهذا ما يجعلنا نطرح التساؤل التالي: عن أي نمط يعبرون
هؤلاء المثقفين ؟هل عندما يتكلمون يعبرون عن ثقافة ذلك المجتمع الذي يعيشون فيه،أو عن ذلك المجتمع الآخر الذي تمثلوا قيمه ومفاهيمه ؟كما لا يخفى ما في
هذا التقليد (للآخر) من التشبه بالكفار المنهي عن شرعا ولو في مفاهيمهم ولغتهم,كما قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا و قولوا انظرنا و اسمعوا و
للكافرين عذاب أليم) (2)سورة البقرة104,و قول النبي صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم)(3). وقد يقول قائل إن القاعدة تقول (لا مشاحة في
الاصطلاح),قد يكون هذا القول صائبا إذا نظرنا إلى المصطلح على أنه وعاءوأداة يوضع فيهما مضمون و معنى,والتي من شأنها(الأوعية) أن تكون عامة
مشتركة بين جميع الحضارات و الأديان.وقد يكون صحيحا أيضا إذا كنا بصدد دراسة ألفاظ الاختراعات وأسماء الأشياء. لكن إذا نظرنا إلى المصطلح من زاوية
كونه ذو مضمون معرفي وحمولة فكرية,فإن الأمر يحتم ضرورة ضبط المصطلح, لأنه تجاوز حد العموم والإشتراك,وأصبح ذو خصوصية.ثم إن الاستدلال بهذه
القاعدة غير مناسب للمقام,فالموضوع مطروح
إن من اخص خصائص الكلام و المفاهيم ـ ولاسيما الدينيةـ في مختلف الحضارات, خاصية الخصوصية أو ما يعبر عنه البعض ب "جغرافية الكلام",بمعنى أن
هناك مفاهيما و مصطلحات خاصة بكل حضارة و ثقافة,بمعنى أنها لا تؤدي معانيها و لا تفهم إلا في ظل البيئة التي ظهرت فيها, وعليه فإن إعادة استنبات هذه
المفاهيم في بيئة حضارية مغايرة لا تؤتي الثمار نفسها التي آتتها في بيئتها الأولى، أي أن كلاماً معيناً قد يكون صحيحاً في بيئة ما، فإذا تم نقله إلى بيئة أخرى لم
يكن بدرجة الصحة التي كان عليها في بيئته الأولى,وبالتالي فإن نقله من بيئته التي ظهر فيه إلى بيئة أخرى أو مجتمع آخر,. يؤدي إلى خلخلة البنية اللغوية و
نمط تفكير ذلك المجتمع و التصادم مع ثقافته و هويته الدينية(5),وتصبح بالتالي(البيئة) نسخة مقلدة غير منتجة لواقعها ,ومتجاهلة لمفاهيمها الأصلية,متعسفة على
خصوصيته الحضارية والثقافية.
إذا كانت الدول والمجتمعات الإسلامية تحرص على وحدتها الجغرافية وسيادتها الترابية,فإن الحرص على السيادة الفكرية والإنتماء اللغوي و المرجعية الدينية لا
يقل أهمية عن الأول,ذلك أن تمزيق أمة او التفريق بين شعب ,لا يتم عبر تشتيت مناطق تواجده ووحدته الترابية فحسب,بل يتم أيضا ـوهذا هو الأشدـ عبر
توسيع الهوة اللغوية والفكرية بين أفراده,و تشكيكهم في لغتهم و فكرهم و ثقافتهم ...
إن ما يسمى بحوار الحضارات والأديان ـ فضلا عن وحدتها ـ ليس إلا محاولة لاحتواء حضارة الإسلام(6)و ثقافة المسلمين, وغزو مفاهيمهم ومصطلحاتهم
وانماط تفكيرهم ,وجعلهم يطبعون مع الفكر الثقافة الغربيين, وهذا ما يتجلى من خلال طرحهم لفكرة (عالمية المفاهيم الغربية) ,أي أنهاعابرة للقارات والحضارات
والثقافات والقيم ,وأنها مجمع تراث الإنسانية .إذ يلاحظ احتكار الغرب لصفة (العالمية)، بحيث أصبح المصطلح ينصرف إليه،فكل ما هوغربي عالمي,وكل ما
ليس غربيا ليس عالميا.وإذا تبين ذلك فإن على شباب الصحوة الإسلامية و الدعاة و المفكرين الإسلاميين و المثقفين... :
ـ تحقيق الهوية الإسلامية بدء من التمسك بالعقيدة الصحيحة وانتهاء بالتشبت بعادات الأكل و الشرب و اللباس,فإن مصطلح الهوية ينسحب على كل هذه
المكونات الحضارية : الدين,اللغة,التاريخ,أنماط التفكير,عادات الأكل و الشرب و اللباس,و بالمقابل نقض دعوى عالمية المفاهيم الغربية.
ـ الإيمان و استحضار ما يسمى في الشرع الإسلامي بـ (سنة الدفع) المذكورة في قوله تعالى (ولولا دفاع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذوفضل
على العالمين)سورة البقرة251.والتي يعتبر هذا الذي يسمى بـ(حوار الحضارات)من أكبر مظاهره المعاصرة,على خلاف ما تروج له بعض الكتابات
الغربيةـومن ورائها بعض الاقلام العربية (التنويرية)ـ من أن العالم يسير نحو مايسمىبـ (نهاية التاريخ)(7).
ـ ضبط المصطلحات وتحريرها وتحقيق الخصوصية والتمايز,وذلك كله تحت مظلة كلمة التوحيد باعتباره أساس الفكر الإسلامي في كل مستوياته ,لا من حيث
مصادره ومنطلقاته, ولا من حيث وسائله و آلياته, ولا من حيث غاياته و أهدافه,فكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة و تحقيق الخصوصية.
ـــــــــــــــــــــ
(1) و قيس عليه غيره من المصطلاحات نحو (رجال الدين)(الدولة الدينية)(الحرية) (2)نظر تفسير الآية في كتب التفسير. (3) حديث صحيح .انظر مسألة التشبه بالكفار في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفةأصحاب الجحيم)لشيخ الإسلام ابن تيمية. (4) راجع عقيدة أهل السنة في الأسماء و الصفات في مظانها الصحيحة مثل (لعقيدة الواسطية)لابن تيمية (اجتماع الجيوش المسلمة)لابن القيم و(الطحاوية) لأبي جعفر الطحاوي,ورسالة أبي زيد القيرواني,و(المفسرون بين التأويل و الإثبات ) لمحمد المغراوي,وغيرها
(5) كما شهدنا آنفا مع مصطلح العلمانية.
(6)لاتعنيني الأديان و الثقافات الاخرى بقدر ما انا معني بالحديث عن مرجعيتي الإسلاميةُ,ثم إن واقع هذه الحوارات أثبت أن المعني و المخاطب بهذا الحوار هو الإسلام و أهله ,وهذا إيمانا منهم بما يشكله الإسلام من خطر على الحضارة الغربية بعد سقوط الإيديولوجية الشيوعية .انظر بروتكولات حكماء صهيون.
(7)ظر كتابات"فوكوياما"و"هنتجتون"
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم | |
|