السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد صيام رمضان الكريم نسأل الله أن يتقبله منا، يأتي القضاء و صيام الست من شوال.. لدا رأيت أن آتي ببعض أحكام القضاء عسى الله أن ينفعنا بها..
فالأولى المبادرة بصيام الأيام التي أفطرتها في رمضان من حينن زوال العذر لأنه أسبق إلى الخير وأسرع في إبراء الذمة. ولأن صيام الست من شوال لا يكون إلا بعد صيام كامل رمضان أداء أو قضاء
لا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان الثاني بدون عذر، لأن الصوم عبادة متكررة فلم يجز تأخير الأولى إلى وقتِ الثانيةِ كالصلاة، وفي الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان)
لا حرج من قضاء رمضان في النصف الثاني من شعبان، وهذا من الاستثناءات من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيام إذا انتصف شعبان. قال النووي رحمه الله في المجموع (6/399) : قال أصحابنا: لا يصح صوم الشك عن رمضان بلا خلاف، فإن صامه عن قضاء أو نذر أو كفارة أجزأه، لأنه إذا جاز أن يصوم فيه تطوعا له سبب فالفرض أولى، ولأنه إذا كان عليه قضاء يوم من رمضان فقد تعين عليه لأن وقت قضائه قد ضاق..
إن أخرت القضاء حتى أتى عليه رمضان الجديد فإنك تصومين رمضان الحاضر وتقضي ما عليك بعده ثم إن كان تأخيره لعذرٍ لم تتمكني معه من القضاء في تلك الفترة كالمرضً أو نحو ذلك فإنه ليس عليك إلا القضاء، وإن كان لغير عذر وجب عليك مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد.
إن مات من عليه القضاء قبل دخول رمضان الثاني فلاشيء عليه ، وإن مات بعده فهنا حالتان:
الأولى: إن كان تأخير القضاء لعذر كالمرض والسفر حتى أدركه رمضان الجديد فلا شيء عليه
الثانية: إن كان تأخيره لغير عذر أثم ووجبت الكفارة في تركته بأن يخرج عنه إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد لقول النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة في فدية الأذى ( أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ) وهذا نصٌ في تقدير النبي صلى الله عليه وسلم فيقاس عليه كل فدية ، وقيل يطعمهم مد بر أو نصف صاع من غيره لأن مدَّ البر يساوي نصف صاع من الشعير وهو أطيب وأغلى في نفوس الناس ،ولا يجزي أن يعطي المسكين الواحد أكثر من فدية يوم واحد قاله بن عثيمين في الممتع (6/340) واستدل بقراءة (( مساكين )) في قوله تعالى في سورة البقرة: "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين".. فجمع مساكين يدل على أنه لا بد أن يكون عن كل يوم مسكين، وله أن يجمع المساكين بعدد الأيام التي عليه ويطعمهم وجبة فقد كان أنس رضي الله عنه يجمع ثلاثين فقيراً عندما كبر فيطعمهم خبزاً و أدما أخرجه الدار قطني وصححه الألباني في الإرواء
ولكن هل يصام عنه ؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه يصام عنه سواءً كان واجباً بأصل الشرع كرمضان والكفارات أو أوجبه هو على نفسه كالنذر واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلّم ( مَنْ ماتَ وعليه صيامٌ صامَ عنه وليُّه) و وليه وارثه أو قريبه..
وروي عن بن عباس أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها ؟ فقال ( لو كان على أمك دينٌ أكنت قاضيه عنها ؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى.)
وأجاز أصحاب هذا القول أيضا أنْ يصومَ عنه جماعةٌ بعددِ الأيامِ التي عليه في يوم واحدٍ، قال البخاري: قال الحسنُ: إن صامَ عنه ثلاثَونَ رجلاً يوماً واحداً جاز ، ورجح هذا القول الشوكاني في نيل الأوطار ( 1/886)
الثاني: أنه لا يصام عنه لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة.. رواه النسائي، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم. أخرجه البيهقي.. و روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أنه قال في رجل مات وعليه رمضان: يطعم عنه ثلاثين مسكينا..
الثالث: أنه يصام عنه النذر دون الواجب بأصل الشرع جمعاً بين الأحاديث الواردة في الصيام عن الميت فإن بعضها مطلق وبعضها مقيدٌ بالنذر فيحمل المطلق على المقيد وتحمل الروايتين اللتين عند أصحاب القول الثاني على ما كان بأصل الشرع فلا يصام عنه وأما النذر فيصام عنه، لأن النذر ألزمه الإنسان على نفسه فلزمه ولذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدين..
الراجح: القول الأول وهو أنه يصام عنه مطلقاً لوضوح الأدلة في ذلك وأما قول أصحاب القول الثاني أنه قد روي عن بن عباس وعائشة رضي الله عنهم القول بخلاف المروي عنهم فاقبل رأيهما ولا تقبل روايتهما ، فنقول هذا قولٌ باطل فكيف نرد ما روياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونأخذ ما رأياه من اجتهادهما لا شك أن قبول الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم مقدمةٌ على ما رآه الصحابي ، ثم إن الآثار الواردة عنهم فيها مقال والأحاديث ثابتة ، وأما قول أصحاب القول الثالث أننا نجمع بين الأحاديث فنقيد المطلق بالمقيد فنقول ليس بين الأحاديث تعارض حتى توفقوا بينها فحديث بن عباس في قضاء النذر صورةٌ خاصة تدخل في عموم حديث عائشة وقد جاءت النصوص تبين أنه يفعل عن الميت ما تركه بأصل الشرع فقد روى البخاري ومسلم أن امرأةً من خثعم قالت يا رسول الله : إن فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم. وعند بن ماجه بزيادة ( فإنه لو كان على أبيك دينٌ قضيته ) صحح إسناده الألباني في الإرواء مما يدل على أن الفريضة دين، وعن بريدة رضي الله عنه قال بينا أنا جالسٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت، فقال ( وجب أجرك وردها عليك الميراث ) قالت يا رسول الله إنه كان عليها صيام شهر وفي رواية شهرين أ فأصوم عنها قال ( صومي عنها ) قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها ؟ قال ( حجي عنها ) رواه مسلم وغيره والأحاديث في أنه يقضى الفرض عن الميت كثيرة..
وفقنا الله و إياكم لما يحب و يرضى.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين