الفضائيات الإسلامية تقويم وتوجيه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى كل من اهتدى بهديه واستن
بسنته إلى يوم الدين.
وبعد،فلا شك أن العالم الإسلامي اليوم يعرف صحوة إسلامية غير مسبوقة كان وراءها عدة أسباب يهمنا منها انتشار
الفضائيات"الإسلامية" التي تعرف انتشارا يوما بعد يوم - ولله الحمد- ملفتا للنظر بشكل جعل أعداء الإسلام والعلمانيين
يتخوفون من هذه الصحوة ويحاولون جهد أنفسهم الحد من ظهور مزيد من هذه القنوات والفضائيات غيظا وحسدا
من عند أنفسهم،يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون.
غير أن البعض من منطلق الغيرة الإسلامية يتحفظ على تسمية هذه الفضائيات-أو على الأقل بعضها- بالإسلامية مبررا
ذلك بما تقع فيه من المخالفات الشرعية من تبرج واختلاط وغيرها.ولئن كان هذا الرأي مجافيا للصواب بلا شك ذلك
أن أفراد المسلمين أنفسهم،بل هؤلاء أنفسهم عندهم مخالفات شرعية ومع ذلك فهم مسلمون يوصفون بالإسلام
والإيمان،لأن الغالب على حالهم الصلاح والسداد،فإن هذه الفضائيات نفسها لا تخرج عن هذا،لأنها وإن كانت
مؤسسات وأشخاصا اعتباريين،إلا أن القائمين عليها أفراد من المسلمين مسؤولون على هذه القنوات وإصلاح هذه
المخالفات وتجنبها لزاما، لاسيما أن في ذلك دعوى مخالفة لرسالة هذه الفضائيات باعتبارها أصواتا داعية إلى الله
ودينه.وحتى نقف عند بعض هذه الدعوى لابد من الوقوف على ما تبته هذه الفضائيات وتقويمه.
لا يخفى على من يشاهد هذه الفضائيات تفاوتها من حيث برامجها وقيمتها العلمية،ومن حيث الدعاة والمشايخ الذين
يظهرون من خلالها،وأيضا من حيث التزامها بالضوابط الشرعية في تحديد تلك البرامج ونوعها واختيار من يقدمها من
الدعاة والمشايخ والقائمين عليها وغير ذلك.ووفقا لهذه المعايير يمكن تصنيف هذه الفضائيات إلى صنفين اثنين لا ثالث
لهما،وهما:
الصنف الأول:تتزعمه قناة المجد بجميع تشكيلتها وقناة الناس والهدى والحكمة وغيرها كثير...حيث يجد فيها المشاهد
المثال الجيد للقناة الإسلامية الملتزمة بالضوابط الشرعية والبرامج العلمية المفيدة،وكذا كفاءة واستقامة من يقومون على
هذه البرامج من العلماء والدعاة والتزامهم سلوكا ومنهجا،وهم في الغالب تشكيلة من الدعاة والمشايخ والعلماء لا
تنفك عن الظهور على هذه الفضائيات،فهذا الصنف لا تجد فيه المخالفات الشرعية كالاختلاط والمقاطع الموسيقية
والوصلات الإشهارية غير المنضبطة،ومذيعات ومقدمات برامج بحجاب متبرج،مما تستحق معه التنويه والمتابعة.
الصنف الثاني:خلط بين الغث والسمين بين الأعوج والأقوم،فمن حيث البرامج تجد فيها ما تطمئن إليه النفس وتشتاق إلى
متابعته لما فيها من الفائدة والفقه في الدين،وفي الوقت نفسه تجد فيها بعض البرامج العقيمة التي ليس فيها كبير فائدة وإن
خالها أصحابها عكس ذلك،بل بعضها تجد فيه ما تشمئز منه النفس،وتضيق به صدرا وتتحسر عليه حسرة أن قدم في قناة
تدعي أنها من القنوات الشرعية.أما من حيث من تستضيفهم هذه الفضائيات من الوجوه والدعاة،فمرة تقر بهم عينك
وتتوق إلى متابعة برامجهم ومحاضرتهم،وتارة أخرى تصدمك وجوه غير مرغوب فيها لما عرفت به من الانحراف في العقيدة
والميوعة في الدين والوسطية الزائفة فضلا عن قلة العلم والفقه في الشريعة.أما من حيث التزامها بالضوابط الشرعية،فإن
هذا الصنف لا يتورع عن المخالفات الشرعية مثل:
تزيين الوصلات الإشهارية وبدايات ونهايات البرامج بمقاطع موسيقية غنائية.
الاختلاط وظهور النساء أمام الرجال الأجانب في البرامج الحوارية وعدم التورع عن النظر الحرام.
ظهور مقدمات البرامج بحجاب متبرج،حيث نجد ‹الأخت الداعية› تضع على رأسها حجابا،ناتفة حاجبيها،واضعة
بعض المساحيق والألوان،ثم تتصدى لوعظ الناس ودعوتهم!!
وفي مقدمة هذه الفضائيات قناة الرسالة وإقرأ وغيرها.
وتمث ملاحظة عامة تسجل على معظم هذه القنوات بما فيها الصنف الأول؛وهي أنها كثيرا ما تخذل لغة الضاد لصالح
اللهجات العامية،وهذا أمر يزري ولا يليق بالدعاة والعلماء ممن يظهرون على هذه القنوات ولا سيما الدعاة والعلماء
من أرض الكنانة الذين يستحبون التحدث باللهجة العامية على اللغة العربية.ولئن كان قصدهم إفهام الناس،فإن القناة
قناة فضائية يشاهدها كل الناس المصري والمغربي والتونسي والسعودي واليمني...وليست أرضية يشاهدها أهل البلد
الواحد حتى نتحدث بلهجته،ولا أظن أن كل الناس يفقهون تلك اللهجة العامية أو تلك،كما أن هذا فيه محذور شرعي
خطير وهو موافقة أغراض دعاة العامية.فالواجب على الدعاة والعلماء نبذ هذه اللهجات أولا لما سبق ذكره،وثانيا لما
فيه من إضعاف لغة الضاد لصالح تلك اللهجات العامية.
عودا على بدء،نجد أن لتلك الدعوى نصيبا من الصحة،إلا أن الإنصاف يقتضي الحكم بوجود هذا وذاك،فمن القنوات
ما يلتزم بالضوابط الشرعية ومنها دون ذلك،فتجاوز هذا التوصيف إلى غيره ونزع تلك الصفة الإسلامية عن تلك
القنوات لما فيها من المخالفة للشرع ضرب من الإجحاف،وهذا ليس تسويغا ولا دفاعا عن هذه القنوات،بل إن
استصلاح هذه القنوات وتجنيبها من تلك المخالفات الشرعية أمر لازم لزوم التوبة كل مسلم،لأن ذلك يخدش فيها ويحط
من قيمتها،وإن كان الغالب عليها الصلاح واستقامة ما تقدمه من برامج.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الثلاثاء أكتوبر 12, 2010 11:27 am
