الحكمة من مشروعية الحجاب.
الحكمة عند اللغويين هي العلة. والحكمة الإلهية علة يلتمسها الناظرون في أحوال الموجودات الخارجية، أو بينها الله عز وجل في القرآن الكريم( ).
والحكمة عند الفقهاء هي الحكم التي تطلب من وراء تشريع الأحكام سواء كانت مقتضية، أم مخيرة إذ وراء كل حكم شرعة الله لعباده حكمة. وليس المراد بالمقاصد (الحكمة)، العلل التي ذكرها الأصوليون في مبحث القياس لأنها سبب للحكم( ) وليس مقصدا له ... وهذه الحكمة قد تكون جلية ظاهرة يدركها العقل بأدنى تأمل( ).
وقد تعامل الفقهاء مع تعليل الأحكام، فهذا ابن حزم رفض تعليل الأحكام وأنكر ربطها بأي حكمة، أو مصلحة( )، في حين ذهب جمهور العلماء او أصحاب المدرسة الوسطية كما ساهم الدكتور القرضاوي إلى فهم أو فقه النصوص الجزئية في ضوء المقاصد الكلية( ).
والحجاب كفرض فرضه الله عز وجل على النساء لا يخلوا من حكم عللها القرآن نفسه، إذن ما هي هذه الحكم المتوخاة من فرض الحجاب؟
1- إن الله عز وجل شرع الحجاب لتأمين الرجل، وتأمين المرأة كذلك( ) ولكن ما المقصود بالتأمين؟ تخيل معي لو أن شابا خرج إلى الشارع، ورأى فتاة سافرة متبرجة، وفي ميعة صباها، وعنفوان شبابها، وقمة جمالها متبرجة متهتكة، متبخترة في مشيتها، كاسية كأنها عارية، ماذا يكون موقفه؟ وما عساه أن يفعل إذا هاجت شهوته: وفقد السيطرة عليها؟ لا شك أن نفسه ستسو ل له الوقوع في الفاحشة. وإذا ما حدث ذلك فهو يسعى إلى أية وسيلة تمكنه من إرضاء نفسه، والوقوع في الفاحشة، ولأجل هذا فرضه الشارع الحكيم. الحجاب على المرأة، وحرم عليها السفور، والتبرج إبداء محاسنها تأمينا للرجل.
وإذا كان الحجاب تأمينا للرجل، فكيف يكون تأمينا للمرأة؟
الحال ان المرأة إذا كشفت عن عورتها، وأبدت محاسنها تلفت أنظار الشباب، فيستغلون ذلك السفور ويلهثون وراءها حتى يوقعونها في الفاحشة بأعسل الكلمات.
والحجاب تأمين لها من السقوط في فخ الرجال، فلو خرجت المرأة إلى الشارع بلباس الحشمة، والوقار لما تجرأ شاب عليها، والواقع أكد ويؤكد أن النساء الملتزمات أقل تعرضا لمكائد الرجال.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى حيث يقول (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك، ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفور رحيما)( )
وصدق الشاعر إذ يقول:
قل للمليحة أرسلت أظافرها *** إني لخوف كدت أمضى هاربا( ).
وقال آخر:
كل الحوادث مبداها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر( )
2- ومن الحكم التي قصدها الشارع في هذا الشان غض البصر:
وأكبر خائنة نفسية هي النظر، ولذلك يواخذ عليها القرآن، والحديث قبل كل شيء قال الله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحافظوا فروجهم وذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن"( )
وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى، وليس لك الآخرة"( ).
نستشف من حديث رسولنا الكريم أن النظرة الأولى والتي غالبا ما تكون نظرة الفجأة لا بأس بها، ولكن النظرة الثانية محسوبة على الناظر.
فإذا كانت النظرة الثانية محسوبة على المرء فالله يا شباب ماذا يصنع الطالب في الجامعة، وهو محيط بأكوام من اللحوم البشرية، فإذا نظر يمنة رأى افخاذا تترجرج وإذا التفت يسرة رأى جيوبا عارية، وإذا دخل قاعة الدرس لتحصيل العلوم الشرعية وجد أمامه طالبات سافرات إلا من رحم ربك، فكيف تصنع سواعد الأمة في جو وبيئة ملطخة بالرذيلة؟
إن الأبطال يصنعن في روضة القرآن، وفي ظل الأحاديث الصحاح، ورحم الله الشافعي حين قال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال إن العلم نور ونور الله إليه لا يهديلعاص
3- ومن الحكم المتوخاة من تشريع الحجاب العفة.
كما تكبر الناس عن العفة أصبح الشرف يباع، وأصبحت المرأة رخيصة، وفي هذا الصدد اوردت مجلة "نساء" أن شرف المغربيات بالخارج يباع.... وأصبحت ظاهرة الإستغلال الجنسي للنساء من داخل شبكات منظمة لتنشيط الدعارة بالمجهر( ).
وقد أكدت إحدى ضحايا المغربيات (أمل) أن تجرد الفتاة عن عفتها والركود وراء الجنس أفقدها عذريتها وأضاع جبل الاستقرار منها ( ).
4- الحكمة من مشروعية الحجاب ستر العورة واتقاء الفتنة.
هذا المقصد يثير تساؤلا عند بعض المعاصرين فيقولون: إذا كان اللباس لستر العورة. وأمن الفتنة فلماذا اختلفت عورة الرجل عن عورة المرأة رغم أن كل منها يفتن ببدنه الآخر؟
وجوابنا من وجوه.
الأول: اختلاف درجة الفتنة في كل منهما، فأجزاء بدن الرجل لا تثير شهوة المرأة إثارة خاصة، وإن حدث شيء من ذلك فإثارة ضعيفة هذا بعكس أجزاء بدن المرأة، فلكل جزء جماله الخاص، وفتنته الخاصة، وإثارته الخاصة ... وإن الواقع المشاهدة في حياة البشر ليقرر ما هو أبعد من ذلك، فنرى الرجل يتجمل باتخاذ مزيد من الثياب، حتى لا يكاد يرى منه غير الوجه والكفين، بينما تتجمل المرأة بمزيد من التعري.
الثاني: اختلاف مجال عمل كل منهما، فمجال عمل الرجل كسب الرزق خارج البيت وهو يمارس مختلق الأعمال فيشق عليه الستر، أما مجال عمل المرأة فهو بيتها، أطفالها.وهي مصونة داخل بيتها غالب وقتها، ولا حاجة بها إلى ستر جميع بدنها، وإذا عملت بعض وقتها خارج البيت فيجب أن تتحمل مشقة الستر الكامل( ).
5- من المقاصد كذلك تمييز المرأة عن الرجل.
وأورد الإمام الذهبي تشبه المرأة بالرجال، وتشبه الرجال بالنساء من الكبائر ( ) ولأجل هذا فرض الإسلام الحجاب على المرأة تمييزا لها عن الرجال، وقد توعد الله عز وجل على لسان رسوله المتشبهين باللعنة، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال أخرجوهم من بيوتكم، قال فأخرج النبي فلانا، وأخرج عمر فلانا( ).
وتقول الأخت الدغومي حليمة في نصيحة لها للأخت الملتزمة: أختي المسلمة ليس كل لباس حجاب فما أكثر اللابسات المتبرجات، ويحسبن أنهن متحجبات ( ) وقد ألمني ما رأيت في شوارعنا من تمرد النساء على اللباس الخاص لهن، وأصبحنا لا نميز بين المرأة والرجل وبهذا اختلط الحابل بالنابل، وهذا التشبه المحرم هو الذي يقصد به الاختلاط و التحول من جنس لأخر، فالمرأة تتشبه بالرجل لتقوم بدوره في الأعمال الجنسية فتساحق الفتيات، والرجل يتشبه بالمرأة ليفعل له كما يفعل بها من شذوذ الجنسي( ).