بسم الله الرحمن الرحيم
عليك -بارك الله فيك- بحفظ القلب واصلاحه وحسن النظر في ذلك وبذل المجهود، فانه أكثر الاعضاء أثرا، وأدقهاأمرا وأشقها اصلاحا ، واذكر في هذا خمسة اصول مقنعة تجعلك تحرصين على صلاح قلبك
الاصل الاول: القلب موضع نظر الله عز وجل
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ان الله تعالى لاينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم"
فيا عجبا ممن يهتم بوجهه الذي هو موضع نظر الخلق، فيغسله وينظفه من الاقدار والادناس ، ويزينه بما أمكنه، لئلا يطلع مخلوق فيه على عيب ، ولا يهتم بقلبه الذي هو موضع نظر رب العالمين ، لذلك فعلينا بتطهره وتزينه وتطيبه ، كي لا يطلع الله جل وعلا على دنس فيه وشين وآفة وعيب ، بل يهمله بفضائح واقدار وقبائح ولو اطلع الخلق على واحد منها ، لهجروه وتبرؤوا منه وطردوه. والله المستعان
الاصل الثاني:القلب ملك مطاع ورئيس متبع
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"...ألا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله، واذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"
فإذا كان القلب صالحا ليس فيه إلا إرادة الله وارادة ما يريده لم تنبعث الجوارح الا فيما يريده الله. فسارعت الى مافيه رضاه وكفت عما يكرهه، وعما يخشى ان يكون مما يكرهه وان لم يتيقن ذلك فاذا علمت ذلك وجبت العناية بالامور التي يصلح بها القلب، ليتصف بها ، وبالامور التي تفسد القلب ليتجنبها"
الاصل الثالث: القلب كثير التقلب
عن المقداد بن الاسود رضي الله عنه قال: لااقول في رجل خيرا ولا شرا ،حتى انظر مايختم له-يعني- بعد شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: وماسمعت؟قال:سمغت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لقلب ابن ادم اشد انقلابا من القِدْر اذا اجتمعت غليانا"
ماسمي القلب الا من تقلبه فاحذر على القلب من قلب وتحويل
الاصل الرابع: القلب عرضة للفتن
عن حذيفة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب اشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب انكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين:
قلب اسود مُرْبَادا كالكوز مُجخيا لايعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما اشرب من هواه ، وقلب ابيض ،فلا تضره فتنة مادامت السماوات والارض"
والفتن التي تعرض على القلوب هي اسباب مرضها ، وهي فتن الشهوات وفتن الشبهات ،ففتنة الشبهات اما باعتقاد خلاف الحق الذي ارسل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وانزل به كتابه،كالذي ينفي علوا الله على العرش،ونزوله الى السماء الدنيا،وكلامه بحرف وصوت،واما بالتعبد بمالم يأذن به الله تعالى
الاصل الخامس: تفاضل الاعمال بتفاضل مافي القلوب
ان الاعمال لاتتفاضل بصورها وعددها،وانما تتفاضل بتفاضل مافي القلوب،فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والارض والرجلان يكون مقامهما في الصف واحد،وبين صلاتيهما كما بين السماء والارض ،وذلك ان احدهما مقبل على الله عز وجل ،والاخر ساه غافل،فينصرف من صلاته مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه، واثقاله لم تخف عنه بالصلاة ،فان الصلاة انما تكفر سيئات من ادى حقها ، واكمل خشوعها.ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه.
فالعمل الذي يكفر الذنوب تكفيرا كاملا هو العمل الكامل،واما عمل شملته الغفلة ،اولأكثره، وفقد الاخلاص الذي هو روحه،ولم يقدره حق قدره،فأي شيء يكفر هذا ؟!
ومن هنا نجد ان تفاضل الاعمال بتفاضل مافي القلوب من حقائق الايمان .وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه. ومن لم يكن له فقه في هذين الامرين ومعرفة بهما،فانه يفوته ربح كبير وهولايشعر.
فهكذا الاعمال والعمال عند الله ، والغافل في غفلة عن هذا...ولا ريب ان مجرد القيام باعمال الجوارح ،من غير حضور ولا مراقبة ولا اقبال على الله قليل قليل المنفعة ،دنيا واخرى، كثير المؤنة فانه -وان كثر- متعب غير مفيد.
ولمثل هذا المعنى انما وقع نظر اولي الابصار من العباد في مثل هذه الدقائق ،واهتموا باحسان العمل ، ولم تغنهم كثرة الاعمال بالظاهر وجعلوا نصب اعينهم قول الله تعالى:"ليبلوكم ايكم احسن عملا"(الملك:2)
وكفى بهذه الاصول واعظا لمن اتعظ. ومايعقلها الا كل ذي فهم مستقيم
ا اسال الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن يسمعون القول ويتبعونا احسنه
وصلى الله وسلم على اشرف المرسلين وعلى اله وصحبه ومن تبعه باحسان الى يوم الدين