الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين،والتابعين لهم بإحسان إلى يوم
الدين.
وبعد،فمن المعلوم أن الطالب لا يستوفي شروط النجاح إلا بتقديم بحث علمي ينجزه في تخصص ما فيوجز به وفيه،ومما
يلاحظ على هذه البحوث الجامعية أنها لم تعد ذات قيمة علمية أو عملية، ومرد ذلك إلى أسباب عدة يعلمها القائمون
على هذا الشأن وكذا الطالب.غير أن ما يهمني في هذه الورقة لفت الانتباه إلى ذاك التنافر بين المستوى العلمي والتكوين
المعرفي للطالب المقبل على البحث وبين الموضوع المختار لينجز فيه البحث،حيث تجد دراسة موضوع البحث تفتقر إلى
مؤهلات علمية واطلاع واسع وحس تحليلي متبصر،لا تكاد تجدها في الطالب إلا من رحم ربك وقليلا ما هم،مما يعد
خللا في اختيار الموضوع،وضربا من التعالم المشين .
ويرجع سبب ذلك إلى تغييب الطالب وكذا الأستاذ المشرف عليه - على حد سواء- للمعايير الموضوعية في اختيار
بحث التخرج.إن تفوق الطالب في الدراسة النظامية وموادها لا يعني أن بإمكانه أن يختار البحث في أي موضوع من
الموضوعات،بلا لابد أن يزن الطالب مستواه العلمي الذي لاشك يدركه ويعلمه، إذ﴿الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى
معاذيره﴾ ،فإن ألفاه ينسجم مع طبيعة الموضوع المختار فهو أهل لدراسته ولا حَجْر،وإلا فلا يَتَزَبَّب قبل أن
يَتَحَصْرم،ويتَشيَّخ قبل أن يَشِيخ،وليدرك أنه رأس لم يَيْنع بعد،ورحم الله امرئ عرف قدره فوقف عنده.وإذا فعل ذلك
فليَخْتَر لنفسه موضوعا يتوافق مع قدراته العلمية ومؤهلاته المعرفية.
وتمث أمور مستفادة -وليس الخبر كالمعاينة- يحسن بالطالب أن يراعيها قبل إقدامها على اختيار البحث،وهي:
اختيار البحث في التخصص والعلم الذي يحسنه الطالب ويفقه،فإن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب كما
قال الذهبي.وبعدها تحديد الموضوع المناسب والمنسجم مع المستوى العلمي للطالب دراسة وتحليلا،فإن موضوعات كل
علم وقضاياه متفاوتة من حيث تشابكها وتعقيدها،فلينظر الطالب لنفسه قضية علمية ميسرة.
تجنب البحث في القضايا الفقهية المعاصرة المستجدة وغيرها من المسائل التي ينتهي الطالب إلى إصدار حكم
شرعي فيها،أي أعني مسائل الاجتهاد الفتوى؛لأن ذلك من اختصاص المجتهدين والفقهاء،والطالب ليس مجتهدا ولا فقيها
حتى يسوغ لنفسه النظر والبحث في هذه المسائل.
اختيار موضوع للبحث يتناسب مع المدة الزمنية المخصصة لإنجازه،بحيث يكون قضية جزئية دقيقة مضبوطة
ومحددة،فلا يبحث الطالب قضية عامة أو معقدة شائكة لا تتم الدراسة الناجحة لها إلا بجهد كبير ووقت طويل،حتى لا
يكون ذلك على حساب المواد والوحدات الأخرى.
اختيار موضوع علمي يُمكِّن الطالب من الاطلاع والنظر في أكبر قدر ممكن من المصادر والموارد والمراجع،مما
يمكنه من تكوين نفسه وتحسين مستواه العلمي،لأن هذا هو الغرض الأول من البحث الذي يلزم الطالب إدراكه،فاستفادة
الطالب من مرحلة البحث أفضل له حتى من حضوره بعض المواد الرسمية المدروسة إن هو أحسن الاختيار.
تجنب البحث الجامعي التشاركي الذي يشترك فيه الطالب مع زميله،لأن هذا النمط من البحوث يورث
الخمول والاتكالية،ويقتل الحس الفردي في الإبداع والبحث،وهذا ما ينطق به الواقع.كما أن قيمة هذا النوع من البحوث
لا توازي قيمة البحث المستقل،لاسيما في بحوث الماستر والدكتوراه،والله أعلم.