سلسة تهافت فكر فصيل العدل والإحسان
الحمد لله رب العالمين إله الأولين والآخرين،والصلاة والسلام على رسول الله أشرف المرسلين،وعلى خاصة آله
وأزواجه وصحبه أجمعين،وعلى كل من سار على سنته واقتفى أثره من عامة المسلمين.
وبعد،فيقول الله تعالى:"والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا
بالصبر"،روي عن الشافعي رحمه الله أنه قال في هذه الآية:«لو ما أنزل الله حجة على عباده إلا هذه السورة
لكفتهم».وعليه فإني عملا بمقتضى هذه الآية أسود هذه المقالة التي جعلتها في بيان تهافت فكر فصيل طلبة العدل
والإحسان نصحا لهما وتواصيا بالحق معهم.ولست أقصد جماعة العدل والإحسان،وإنما يهمني في هذا المقام الحديث عن
العدل والإحسان كفصيل تنظيمي طلابي كما هو في الجامعات المغربية وبالضبط في كلية الشريعة.وإن كان الفصيل لا
يخرج عن مقررات الجماعة وتوجهاتها فكرا وعملا.
بين يدي المقالة: ضعف البنية الحجاجية لفصيل طلبة العدل والإحسان:
إن من المقرر شرعا وعقلا وعرفا أن أي تيار أو مذهب أو رأي لا ينبني على حجج ظاهرة ومستندات قوية،فليس إلا
بدعا من الأقاويل،لا تقوم لها قائمة عند المنتمي للمذهب أو الفكر،فضلا عن المخالف لذاك المذهب؛وذلك لأن مناط
تصديق الناس لتيار أو مذهب ما فيما يذهب إليه ويعتقده من أفكار ومقولات،هو استناده إلى الدلائل المثبتة لمشروعيتها
من كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ومعقول النظر وصريحه،كما قال تعالى:﴿قل هاتوا برهانكم إن كنتم
صادقين﴾.وإلا فكل الناس بمقدوره أن يدعي صحة فكرة ما ورجاحة مذهب ما؛فلا يعوز أيا كان أن يتقول فكرة أو
يختلق مذهبا فيعتقده.ومن ثم فكل مذهب أو تيار غير مؤصل؛لا يرجع في مقولاته وأفكاره إلى أدلة شرعية نقلية وعقلية
فليس بشيء.
ولست هنا مؤصلا لمشروعية التحزب والخروج عن جماعة المسلمين باتباع مذهب من المذاهب!كلا، فإن حكم ذلك
معلوم لا يجهل،ومن جهله لزمه أن يعلمه .لكن لما كان كل مذهب وتيار يدعي أنه لا يخرج عن الطريق المستقيم قلت ما
قلت،والحق أنه محال-استحالة شرعية وعقلية- أن تكون كل هذه التيارات والمذاهب الإسلامية الفكرية على الطريق
الصحيح الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم،فإن الحق واحد لا في العقيدة ولا في الأحكام- من حيث هي- ولا في
الفكر.
وإن من يتأمل فكر فصيل طلبة العدل والإحسان يجده لا يسنده أدلة شرعية ولا حجج عقلية،تعزز توجهات الفصيل
وأفكاره،وتجعله يلقى القبول والتسليم عند الجماهير الطلابية؛فغالب مستندات الفصيل؛إما نصوص ظنية تحتمل وجوها
من الدلالة،مما يجعلها ضمن قسم المتشابه من السنة أو القرآن، وهذا مسلك معلوم من يحدوه:﴿فأما الذين في قلوبهم
مرض فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله﴾،فكذلك ديدن كل مبتدع خارج عن السنة.وإما أقوال شاذة
منسوبة لبعض علماء الإسلام كما في احتجاجهم في مسائل الرؤيا.أو غير ذلك من الأوهام التي ليست دليلا ولا هي من
جنس الدليل،مما يسوغ الاحتجاج به عند فقد الدليل الأصلي الذي تقوم به الحجة اتفاقا.
ولسنا ننكر أن بعض مقررات الفصيل ومقولاته حق وصواب يسنده الدليل الشرعي،وإنما الحديث عن السمة الغالبة
والمنهج العام الذي يحكم استدلالات الفصيل سواء في المسائل الشرعية المحضة أو في قضايا الفكر والسياسة.
وهذا الضعف في الحجة والبينة يدركه طالب كلية الشريعة الذي عاين الفصيل وتابع أنشطته وناظره في بعض المسائل
والقضايا،بل إن هذا الوهن في الاستدلال يدركه حتى الفصيل نفسه،ويشهد لذلك أنه سلك للترويج والدعاية لأفكاره
والتعريف بها طرقا غير مقبولة في ميزان النظر العقلي،بل والذوق الحسي السليم،يلحظها الطالب بجلاء دون لبس أو
غبش.وسيأتي الحديث عن هذه الطرق تباعا في الحلقات القادمة إن شاء الله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.