لعل أبرز رد فعل أولي ارتبط برجوعكم من السعودية، تشبثكم بـ" جواز زواج بنت 9 سنوات"، لماذا تصرون على فتواكم مع علمكم المسبق أنها تسبب لكم في نزاعات مع العديد من الأطراف في المجتمع؟
ما ذكرتم في السؤال من إصرار على زواج بنت تسع سنوات؛ أنا لم أصر على شيء، ولم أتشبث بشيء، وليس لي الحق في ذلك، فالزواج حكم شرعي كبقية الأحكام الشرعية: تحليل وتحريم، وهذا من اختصاص رب العزة والجلال، وليس لأحد من الناس الحق في الإذن به أو منعه، والنبي عليه الصلاة والسلام على جلالة قدره وكمال بشريته هو مبلغ عن الله، وهذا من أعظم صفاته، والله تبارك وتعالى خاطبه بذلك. فأنا ورد عليّ سؤال عن الزواج بالبنت التي لا تحيض، فذكرت للسائل آية الطلاق: (واللائي يئسن من المحيض ...) وذكرت أم المؤمنين كنموذج فقط، وإلا فالزواج يرجع لاختيار الزوج والزوجة والولي الذي جعله الله مشرفا على الزواج. فممكن أن تكون ابنة العشرين عند بعض الرجال لا تصلح للزواج، وله ذلك، ويمكن للزوجة أن ترفض ابن العشرين ولا ترضاه زوجا لها، ولها ذلك. فقضية الزواج أمر اختياري، والقاضي المسلم ينظم ذلك حسب نظرته للأطراف، فالقانون الذي وضع في هذه القضية لعله قانون تنظيمي، ولهذا القاضي يمكن أن ينظر في الموضوع فيقضي بما يراه مصلحة، فلهذا نُفِخ في هذا الموضوع واستُعظم أمره، فأنا لم أحدد سنًّا معينة للزواج؛ لأنني لا أجد آية أو حديثا أو كلاما لأحد من السلف والعلماء المبرزين المعتبرين يحدد ذلك. فأنا مجرد ناقل للآية وتفسيرها فقط، ولكلام أهل العلم الأقدمين والمعاصرين، ولكل اختياره، والله المستعان.
على ذكر هذه الفتوى، التي صدرت عنكم، كيف تنظرون إلى دور هيئة الإفتاء، كاختصاص خاص بأمير المؤمنين؟ ما هي رؤيتك للفتوى بالمغرب؟
هذا أمر لا نجادل فيه ولا إشكال عندنا فيه، فللدولة أن تخصص هيئة للفتوى والنوازل الكبرى التي يترتب عليها مصير الأمة. وأما ما يتعلق بالعلم والتعلم ونشر القرآن والسنة وإجابة السائلين عن بعض الفتاوى التي لا علاقة لها بمصير الأمة فلا شك أن هذا الأمر واسع، ولا يدعي أحد أنه يحتكره ويربطه بهيئة معينة، فالعالم أجمع فيه علماء متخصصون في الشريعة الإسلامية لا ينتمون إلى هيئات رسمية في الفتاوى، فيُسألون ويجيبون، والمواقع الإلكترونية مليئة بذلك، والقنوات الفضائية لا يمكن أن تُحصر في هذا الباب.
في هذا الاطار كيف تقيم مسار اصلاح الشأن الديني، هل ألجم العلماء، أم أنه فسح لهم المجال لممارسة دورهم باستقلالية؟
ليس هناك من جديد، فالأضرحة قائمة، والطواف بها وشد الرحال إليها ما يزال موجودا ويشجَّع بكل وسائل التشجيع، وترصد له ميزانيات ضخمة، والأمر على ما كانت عليه في كل الصور، فلا فرق بين العشرينات والثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي وبين الواقع الحالي، فلا نرى للسنة بروزا وتنويرا للشباب بنصوص الكتاب والسنة، ونرى خلاف ذلك من تشجيع لكثير من الأمور التي تجاوزها الزمان وفهم الناس أنها من البدع والمحدثات، لكن يغلب على كل من انتمى إلى هيئة رسمية المجاملة والمداراة، هذا إذا كان يفهم السنة وله عليها اطلاع، وإلا فدار لقمان على ما هي عليه! والمفروض أن يسير الناس في ركب الواقع الذي يعيش نهضة علمية واسعة، وانتشارا للمصنفات والكتب العلمية بكل أنواع الانتشار، فكثير من الأمور التي روجوا لها قد أنكرها القاصي والداني، وأصبحت عندهم من المعلوم بالضرورة بطلانها، وهذا يلاحظ في كثير من المظاهر، فمعظم المخالفات التي ترتكب كثير من الناس الذين ينتمون إلى جهات رسمية مُرغمون عليها لا أقل ولا أكثر. فالإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا برفع لواء القرآن والسنة، وأما إرجاع الناس إلى العصور الحجرية فلا شك أن هذا من أعظم العبث وأنه ليس فيه نصح للأمة، والله المستعان.
هناك من يعتقد أنك حاولت استغلال المناخ السياسي لتعود للمغرب وتتجنب المتابعة القضائية، هل هذا صحيح؟
ما جاء في سؤالك من أنني أحاول استغلال المناخ السياسي للعودة إلى المغرب فلا شك أن الشخص هو أعلم بواقع بلده، ولا شك أن خطاب الملك وفقه الله للخير له الدور الكبير في رجوعي إلى المغرب؛ لأنه جاء فيه الإذن بممارسة الحريات الدينية، ولا شك أن هذا الخطاب فيه إذن مباشر بفتح دور القرآن، فأنا لم أستغل أي مناخ سياسي وإنما جئت لإعادة فتح دور القرآن بناء على الخطاب الملكي السامي.
كيف تلقيتم الخطاب الملكي لــ9 مارس، هل يستجيب لمنحكم كعلماء مزيدا من الحرية لتأطير المواطنين دينيا؟
لا شك أن الخطاب الملكي فرح به كثير من الناس لأن فيه كثيرا من الفوائد الإصلاحية، ونحن نفرح بكل إصلاح يقدم الأمة المغربية قدما، فنرجو الله أن يصلح أحوال الجميع، وأن يحفظ هذا البلد من كل كيد ومكر من داخله وخارجه.
تضمن مشروع التعديلات المرتقبة على الدستور نقاشا مفتوحا حول الثوابت ومنها إمارة المؤمنين، كيف تنظر إلى دعاوى دسترة الشأن الديني؟
ما ذكرتم من تعديلات مرتقبة في دسترة الحقل الديني قولي فيه أنه لابد أن يعلم كل دارس وكل الناس أن المغرب فتحه الأخيار من المسلمين وبقي مسلما ولله الحمد إلى يومنا هذا، فحكمه حكم إسلامي ولا يجوز له أن يخرج عن الحكم الإسلامي، وحكامه مسلمون يبايعهم الناس على كتاب الله وسنة رسوله، ويطيعونهم في الطاعة، ويعصونهم إذا أمروا بمعصية. وأما ما سوى ذلك فهو خروج عن منهج الإسلام، فعلى الحكام أن يتقوا الله في شعبهم ويطبقوا فيهم أحكام الإسلام وعلى الشعب أن ينادي ويطالب بتطبيق شرع الله فيه .. وقد جربت الدول الخروج عن شرع الله وفشلت، بل إن الدول التي تتساقط الآن هي من الدول التي جربت خلاف ذلك، فآلت إلى السقوط وظهر فيها من الفساد ما لا يعلمه إلا الله. ولا يمكن أن نقيس بلاد المغرب المسلم بالديار الغربية التي شعارها الكفر والإباحية، فالمغرب بلد مسلم لا يجوز أن يقارن ببلاد الكفر والانحراف، فيجب أن يكون من الثوابت فيه الحاكم الشرعي أمير المؤمنين الذي يحكم الناس بالكتاب والسنة، ويأمرهم بذلك.
تمثلون رمزا للسلفية بالمغرب، هل لكم أن تتحدثوا إلينا عن دورها التاريخي وفي الوقت الحاضر؟
أما ما سألت عنه من دور السلفية بالمغرب في القديم والحديث؛ فلا شك أن السلفية بفضل الله نشرت كثيرا من الخيرات، فمن ذلك:
أولا: إحياء القرآن بالقراءة الصحيحة وتكوين جيل يقرأ القرآن بحق بقواعده التي رسمها علماء التجويد، وإحياء القراءات بالطرق الصحيحة.
ثانيا: إحياء السنن ونشرها بكل وسائل النشر من كتاب وشريط مسموع ومرئي.
ثالثا: الإصلاح العقدي وهو مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فتكونت بفضل الله أجيال تحمل التوحيد الحق، وتتجنب كل المخالفات العقدية بجميع صورها في كل مدن المغرب وقراه من طنجة إلى الكويرة، وفي جميع طبقات المجتمع بجميع أطيافه.
رابعا: نشر الاستقامة والسلوك الصحيح والوسطية التي جاء بها القرآن والسنة دون إفراط أو تفريط؛ لا تكفير للعصاة والذين يرتكبون الكبائر ما عدا الشرك بالله الذي جاء النص بتحريمه في القرآن، ولا تهاون بأوامر الله ونواهيه وعدم المبالاة بالحلال والحرام، فالسلفيون ولله الحمد وسط بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والإجحاف.
تتبنون مواجهة الانحرافات العقدية، وفي مقدمتها الصوفية والشيعة وتعتبرونها فرقا ضالة، لماذا تتبنون هذا المنهج في واقع يتحدث عن حرية التعبير والتعددية؟
ذكرت في سؤالك أننا نصف الشيعة والصوفية بالضلال؛ لا شك في ضلال الشيعة وأن لهم أصولا خطيرة من اعتقدها ضل وأضل، ومن هذه الأصول سب الصحابة الكرام والوقوع في أعراض أمهات المؤمنين وفي مقدمتهم حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، وقولهم بالإمامة وأنها أصل من أصول الإيمان ومن لم يعتقده فهو كافر، وقولهم بخرافة المهدي المنتظر، وقولهم بأن القرآن حرفه الصحابة، وممارستهم للشركيات الصريحة في أضرحتهم ومقابرهم وواقعهم العملي، إلى غير ذلك من الأصول التي لا يمكن لكل مسلم عاقل أن يقبلها.
والصوفية في كثير من ممارساتها هي امتداد للرفض والتشيع، فلا تتميز عنها إلا في النزر اليسير، فكل ما يمارسه الشيعة يمارسه الصوفية، وبينهم من الالتقاء في الأحوال والصفات الكثير والكثير جدا.
أما ما يتعلق بحرية التعبير والرأي فهذا لا علاقة لنا به، فنحن دعاة إلى الله، فمن شاء فليقبل ومن شاء فليرد. وهذا هو منهاج السلف الصالح رضوان الله عليهم، فمن تتبع سيرهم ومواقفهم وجدها متتابعة من عهد الصحابة إلى يومنا هذا. وقد جمعت في ذلك كتابا في عشر مجلدات طبع طبعتين، سميته: موسوعة مواقف السلف العقدية والمنهجية والتربوية.
يعتمد منهجكم على الاستدلال القائم على الكتاب والسنة، كيف تتعاملون مع مسألة المذاهب الفقهية ومع المذهب المالكي تحديدا؟
تعاملي مع المذاهب الفقهية وخصوصا المذهب المالكي في الاستدلال؛ فمالك رحمه الله بين هذا وقال: ما منا إلا رادّ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر. وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالميزان دائما هو الدليل من الكتاب والسنة، فمن خالف الدليل في قول أو فعل رُدّ قوله واتُّبِع الدليل.
ويذكر عن مالك رحمه الله أنه قيل له في رجل يقدم قول إبراهيم النخعي على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال رحمه الله: يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه. فهذا يقدم قول إبراهيم النخعي وهو من كبار فقهاء التابعين وعلمائهم، ومع ذلك يرى الإمام مالك رحمه الله أن قول عمر هو المعتمد، ومن حاد عنه عوقب. فيكف بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وقيل للشافعي رحمه الله: يا أبا عبد الله -في مسألة فقهية- هل تعمل بهذا الحديث؟ فقال رحمه الله: ومتى رأيتني في كنيسة وعليّ زنّار؟!
وأقوال الأئمة في تقديم السنة كثيرة جدا جمعتها في كتاب سميته: الاعتصام بالكتاب والسنن وهدي السلف. فلا قول لأحد ولا فعل مع كتاب الله وسنة رسوله، وهذا هو الذي علمناه أئمتنا وعليه نُسأل في قبورنا. والحمد لله رب العالمين.
كثر الحديث عن السلفية بالمغرب منذ 2003 ونعتها بـ"الجهادية"، وما هو موقفك من ملف المعتقلين الاسلاميين الذين ينتمون للتيار السلفي تحديدا؟ هل تطالب بإطلاق سراحهم وتمتيعهم بالعفو الملكي؟
ما ذكرت من كلام على السلفية الجهادية وهم في المعتقل؛ فلا شك أن الظلم حرام، وحرمه الله ورسوله، وجاء في الحديث القدسي الصحيح: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما). وفي كتاب الله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم)، فلا يجوز ظلم أحد مهما كان. فإن كان هؤلاء مظلومين، وظُلموا في ما هم فيه، فيجب رفع الحيف والظلم عنهم وعن غيرهم من المظلومين. فنتبرأ إلى الله تعالى من الظلم والظالمين. فالظلم عاقبته وخيمة، ودعوة صاحبه مستجابة، فليُسارع إلى رفع الظلم والحيف عن كل مظلوم، والله المستعان.
أصدرتم العديد من الدراسات سابقا، تنتقدون فيها تيارات اسلامية معينة وفي مقدمتها جماعة العدل والاحسان، ماذا تعيبه على هذه الجماعة؟
نعم أصدرت مقدمة وسلسلة في جزئين في بداية التسعينات، فلعلك ترجع إليها وتقرأها وترى إن كنت مصيبا فتدعوَ لي وإن كنت مُخطئا نصحتني، وهذا حقي عليك وعلى غيرك. فإن قرأت ما كتبت تبين لك الانتقاد الذي انتقدته، فلا يمكن أن أبين لك في سطور قليلة ذلك، فارجع إلى ما كتبت لعلك تستفيد إن شاء الله.
هناك من يعتبر أن جماعة العدل والاحسان تهيمن على مطالب شباب 20 فبراير؟ ما هو تعليقك؟
ما ذكرت من أن جماعة العدل والإحسان تهيمن على مطالب شباب ثورة 20 فبراير؛ فالله تبارك وتعالى قال{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} فجماعة العدل والإحسان وشباب ثورة 20 فبراير إن اجتمعوا على الدعوة إلى البر والتقوى فنِعم الاجتماع ونِعمت الهيمنة، وإن اجتمعوا على دعوة إلى باطل فبِئس الاجتماع وبِئست الهيمنة. فدعوة المسلمين ينبغي أن تكون واحدة، وأن يكون الإصلاح دائما يصب في خدمة الكتاب والسنة، وأن لا ترفع الشعارات التي تخالف الإسلام وتخالف هدي القرآن والسنة، وأي شعار كان على خلاف القرآن والسنة فلا بارك الله فيه، ولا حقق الله له غاية.
من أسباب هيمنة التيار الصوفي وبعض الاسلاميين على الساحة السياسية، تراجعكم عن دوركم الدعوي وبسبب بعض فتاويكم التي تخلق الفتنة في نظرهم، هل تتفقون مع هذا الرأي؟
الحقيقة أنه لم أتراجع عن الدور الدعوي؛ بل هو مستمر منذ بدأته بفضل الله إلى يومنا هذا. وإغلاق دور القرآن كانت مؤامرة مبيتة بيتها الحاقدون على الإسلام عموما وعلى السنة خصوصا, وهذا نوع من الابتلاء، والنبي صلى الله عليه وسلم قد ابتلي بأكثر من ذلك فصبر واحتسب وواصل دعوته. فدوري الدعوي مستمر في القنوات وكل الوسائل التي أتمكن منها بفضل الله، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى -كما كررت- إنني لم أصدر فتوى؛ لأنني لست مفتيا، ولم تعيّنّي جهة رسمية معينة للفتوى، ولم أنصّب نفسي مفتيا، ولم أدّع ذلك، وإنما هو جواب عن سؤال في البنت التي لا تحيض، فذكرت الآية والحديث وأقوال العلماء، فإذا كان القرآن والسنة وأقوال أهل العلم فتنة فلا أدري ما هي الرحمة؟! فالقضية ليس إلا مجرد جواب عن سؤال، وإنما هي مؤامرة القصد منها الوصول إلى إغلاق دور القرآن والصد عن الدعوة السلفية الحقة، فتحقق للمتآمرين ما يريدون عن طريق الدولة وعن طريق الإعلام الفاسد الذي أسس لحرب الإسلام، وهذه سنة الله في الصراع بين الحق والباطل قال تعالى{ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251) سورة البقرة . فالدعوة لا بد أن تتعرض للقلاقل والزلازل ليميز الله الخبيث من الطيب ويميز الصادقين من الكاذبين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين.
هل تعتبر أن الشيخ عبد السلام ياسين يشكل خطرا على المغرب بسبب المواقف المتشددة لجماعة العدل والاحسان من النظام القائم؟
عبد السلام ياسين إن كان يأمر بالخير وينهى عن المنكر فسيشكل رحمة على البلد وليس خطرا، وإن كان يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف والخير فلا شك أنه يشكل خطرا، فالميزان كله في دعوته ونوعيتها وماذا تأمر به، وإلا ففي شخصه غير وارد. وهذا هو الميزان في كل شخص، فنرجو الله أن يجعل عبد السلام ياسين يأمر بالخير وينهى عن الشر، ويأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك، ويأمر بالسنة وينهى عن البدعة هو وإخوانه من الدعاة في كل قُطر ومِصر.
هل ستعمل على توحيد تيارات السلفية بما فيها احتواء بعض عناصر من السلفية الجهادية، وما هو رأيك فيمن يدعوا إلى إجراء حوار معهم داخل السجون، وهل تلمس في نفسك القيام بهذا الدور كزعيم للتيار السلفي بالمغرب؟
المشروع الذي بدأت أدعو إليه في الستينات وفي بداية السبعينات هو المشروع الذي أحمله في حلي وترحالي، وفي سفري وفي حضري. وقد حفظت بفضل الله القرآن في سن مبكرة، واتصلت بالسنة أيضا في سن مبكرة، ولم أُبْتَلَ ولله الحمد بأي اتجاه مخالف للسنة طيلة حياتي، ولا أدعي العصمة وكمال الصواب، فالخطأ كثير، والتقصير أعترف به كامل الاعتراف في باطني وظاهري، لكن مشروعي أحمله في صدري وفي ذهني وهو ديني الذي أدين الله به. وأظهرت ذلك في كتبي وفي أشرطتي والقنوات التي أظهر فيها، والمؤتمرات التي حضرتها في مختلف دول العالم الغربي والأمريكي والعربي.
وما أصابني من هذه المؤامرات والقذف المستمر على طريق الإعلام المأجور إلا بسبب المشروع، وإبعاد دولتي لي عن كل المناصب ما هو إلا بسبب المشروع الذي أحمله. ويكفي أنها لم تسمح لي بإلقاء خطبة الجمعة في مسجد من المساجد ، فكل ذلك بسبب المشروع الذي أحمله، وإن كنت لا أنكر بعض الفسحة في بعض الأوقات ولعله فضل من الله تبارك وتعالى، فنرجو الله أن يديم علينا فضله وعنايته وأن لا يكلنا إلى شخصنا وذكائنا ومؤهلاتنا، فالمشروع الذي بدأت به في الراشيدية وعمري في السابعة أو الثامنة هو الذي لا يزال معي أحمله وأدعو إليه ولم يفارقني في سفر ولا حضر، ودور القرآن التي أسستها في المغرب أجمع هي امتداد لذلك المشروع، وما استفدته من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم نافع أبثه عبر كل الوسائل والحمد لله هو من ذلك المشروع، وما تلقيته وأنشره في مدارس المغرب وجامعاته هو من ذلك المشروع. فنرجو الله أن يخلصنا له، وأن يجعلنا في ركب الدعاة، ونعوذ بالله من الخذلان ومن درك الشقاء وشماتة الأعداء وسوء القدر.
وأما ما يتعلق باحتواء بعض عناصر السلفية الجهادية؛ فأنا لم يخطر ببالي في يوم من الأيام احتواء أي أحد، فالدعوة للجميع مسلمهم وكافرهم، والله تعالى جعل من خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته للناس كافة، فالسطو واحتواء بعض العناصر هذا ليس من منهجنا، فمن حضر دروسنا أو سمعها واقتنع بذلك فأهلا وسهلا ومرحبا كان من كان.
وأما حوارهم في السجون فهذا أمر يرجع إلى الدولة التي سجنتهم، فإن سجنتهم على ما يستحقون به الحوار فتحاورهم، وهي التي تتحمل مسؤولية ذلك، فتختار لهم من تشاء من علمائها الذين ترى فيهم الكفاءة لذلك، وأنا لا علاقة لي بهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد. وندعو لكل المسلمين بالفرج من الكربات وبالهداية من الضلال أينما كان، وبدون تخصيص لأحد، والله المستعان.
هناك من يعتبر أن دعوتك إلى فتح دور القرآن من شأنه أن يغطي على عمل المجالس العلمية المحلية؟
دور القرآن أسست قبل إحداث المجالس العلمية في بداية الستينات، وطيلة وجودها لم يحصل لها أي صدام مع المجالس العلمية؛ بل دور القرآن كان لها التعاون الكبير مع المجالس العلمية في تغطية صلاة التراويح في المساجد، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فالبلد كبير وعدد الشعب كثير والحمد لله، ودور القرآن تتعاون على الإصلاح الصحيح والذي ينبغي أن يكون من أهداف المجالس العلمية، فدور القرآن تنشر الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، فلا تعارض أحدا، ولا تغطي على أحد، ولا تشوش على أحد، والكتاب والسنة كله رحمة وخير وبركة، والله تعالى قال في نبيه صلى الله عليه وسلم: (وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين). وهذه الدور لا تدعوا إلا إلى ما جاء به رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم، والباطل ينبغي أن يدحض ويدفع مهما كان قائله، سواء كان فردا أو جماعة أو دولة أو مجالس علمية أو خيرية أو أيا كان. فنشر التوحيد واجب، ونشر السنة واجب، والتحذير من الشرك والبدع واجب، وهذه رسالة الأنبياء ودعوة دور القرآن والحمد لله، ومن تتبع واقعها وجد ذلك. والقذف والرمي وارد من كل مخالف سواء كان فردا أو جماعة أو دولة أو مجلسا، والله المستعان.
ما رأيك في حركة شباب 20 فبراير، وهل تعبر عن شباب المغرب حقيقة بعد هيمنة العدل والاحسان وأحزاب اليسار؟
الذي يدعو إلى التغيير من حسن إلى أحسن يشكر على ذلك، وإن كان يدعو من خير إلى سوء فلا شك أنه لا يشكر على ذلك، فمن دعا إلى إصلاح وعدل وحرية في حدود الشريعة الإسلامية فندعو له بالتوفيق، ومن دعا إلى باطل أو إلى دعوى جاهلية أو إلى موبقة من الموبقات فنرجو الله أن يكفي المسلمين شره، وأن يهديه إلى الصواب وإلى الطريق المستقيم.
وجاء في سؤالك ما يسمى بأحزاب اليسار، فلا شك أن اليسار إذا ذكر يقصد به الاتجاه الشيوعي، وكل دولة سُلط عليها اليساريون فكأنها قنبلة هيروشيما تأتي على البلد بالفقر المدقع الدائم، وبالخراب الأخلاقي، وبكل سيئة يحمل رايتها إبليس، فليحذر المسلمون في بلد المغرب وغيره من دعاة الإلحاد واليسار، فلا بارك الله فيهم وفي دعوتهم.
هل من الممكن أن تشارك في التظاهرات المقبلة لشباب 20 فبراير لتحتج على ما تعرضت إليه التيار السلفي، من إغلاق دور القرآن، ومهاجمتك بسبب فتاويك؟
أما ما ذكرت من سؤال في المشاركة في المظاهرات؛ فأنا أرى أن المظاهرات إذا كانت في بلد قائمة على الإسلام وتطبق الإسلام فلا تجوز بالأصل. وأما الدول التي هي من منهاجها السماح بالمظاهرات فإن شارك الإنسان لترشيدها ودعوتها إلى الحق والإسلام وتحذيرها من الدعوة إلى الباطل وسفك الدماء وهتك الأعراض والممتلكات؛ فلا شك في نفع ذلك. وأما أن يشارك الإنسان مع الغوغائيين فلا شك أن هذا انحطاط وسفول، ولا يشارك فيه إلا من مات حسه وسقط شرفه.
فالدعوة الصحيحة الدعوة إلى الإسلام الذي هو أعظم الشرف، والذي ينبغي أن يتسابق فيه المتسابقون. وأما الدعوات الجاهلية فهي كمن يحملها ويدعو إليها. فنرجو الله أن يجعلنا من دعاة الحق وأن لا نذوب في دعاة الجاهلية.
كنت تختار المنفى السعودي بعد أن تم محاصرتك من طرف خصومك، كيف ستتعامل مع هؤلاء في المستقبل؟
أما ما ذكرت من كلمة المنفى في الديار السعودية؛ فهذا لم يخطر لي ببال، فأنا ذهبت إلى أداء العمرة بتاريخ 5/رمضان/1429 الموافق6/9/2008، وبعدما بلغني إغلاق دور القرآن صُدِمت بذلك، وآثرت الإقامة بجانب بيت الله للصلاة والدعاء والطواف لعل الله تبارك وتعالى يفرج الكربات. وأنا ليس لي مع أحد أية خصومة لا فرد ولا جماعة ولا مجلس ولا وزير ولا أمن ولا أي أحد، وإنما هو اختيار للبقعة المقدسة، فلا أفضل منها ولا أحسن.
أنت معروف بمواقفك الحادة ضد الحركة الاسلامية، هل تكن لهم العداء خصوصا أننا علمنا أن بعض قيادي حزب العدالة والتنمية كانوا من بين مستقبليك بمدينة مراكش؟
كل الحركات التي بالمغرب كانت لي بها صلة وثيقة، والأستاذ عبد السلام ياسين بالخصوص حضر في عقيقة ابنتي المتزوجة والحمد لله والتي لها أبناء، وحضرت في بيته، والأستاذ البشيري والأستاذ أحمد الملاخ رحمهم الله وأرسلان من تلامذتي وكان معي في دار القرآن بالرباط، وأفراد العدالة والتنمية كانت لي بهم صلة النصح والتوجيه للخير، وكثير منهم تلامذتي وأصدقائي، فالأستاذ عبد الإله بنكيران كان يأتيني في مقر دار القرآن بالرباط في بوقرون والأستاذ مصطفى الرميد لي به صلة قوية، ولي معه جلسات في الدار البيضاء متكررة، وكنت سببا في زواجه، ويكفي أنه تولى الدفاع على قضية دور القرآن في قبة البرلمان، فجزاه الله أحسن الجزاء، وعز الدين توفيق لي به صلة ومعرفة قوية، وكان ينزل عندي لما كان طالبا في مصر في المدينة النبوية مع أخينا الدكتور جميل الذي هو الآن في أكادير، وأعرف أفرادهم بالتفصيل. وأما الأستاذ بلقايد فلنا به صلة قوية مع الأستاذ نبيل تغمده الله برحمته، وكان دائما يأتينا في دار القرآن بالداوديات. والكاتب الجهوي كان تلميذا عندي في كلية اللغة.
لكن قد نختلف مع هؤلاء في كثير من القضايا المنهجية والعقدية، فينصح بعضنا بعضا في ذلك كما فعلت مع الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابي (الإحسان) وتبقى الحقوق التي جاء بها الإسلام دائما قائمة، فحقوق الإسلام العامة لا يمحوها النصح ولا إنكار المنكر ولا التحذير من الأخطاء.
هل لكم أن تتحدثوا لنا عن مشروعكم العلمي لتفسير القرآن الكريم، أين وصل؟، وهل يتضمن مواقف من شأنها أن تجلب عليكم المزيد من المتاعب؟
أما ما ذكرت عن المشروع العلمي في التفسير؛ فلعله إن شاء الله سيرى النور قريبا، ونستفيد من إخواننا بملاحظاتهم العلمية والمنهجية والتربوية، ولعل أجزاءه تصل إلى الأربعين جزءا، فنرجو الله أن يحقق البغية، فالخير كله بيده.