إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
1. نص الحديث
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَتِي فَقَدْ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ».
2. تخريج الشيخ الألباني -رحمه الله- للحديث
قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في "ظلال الجنة في تخريج أحاديث السنة"(ص28):
إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه ابن حبان (653)، والطَّحاوي في "المشكل"(2/88)، وأحمد (2/188و210) من طريق شعبة عن حصين بن عبد الرحمن به، وتابعه مغيرة الضبي عن مجاهد به. أخرجه أحمد (2/158). وتابعه أبو العباس مولى بني الدئل عن عبد الله بن عمرو به. أخرجه أحمد (2/165) وسنده حسن. وأبو العباس هذا اسمه: السائب بن فروخ المكي. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه خرجته في "الترغيب"(1/46) وإسناده حسن.
فائدة: جاء في بعض طرق الحديث الصحيحة عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث لعبد الله بن عمرو وهو يعظه في الاعتدال في الصيام والقيام في القصة المشهورة المخرجة في "الصحيحن" وغيرهما، فاحفظه فإنه عزيز نفيس.
3.شرح غريب الحديث
الشِّرَّةُ: الحدة."المعجم الوسيط"(ص508).
الفَتْرَةُ: الانكسار والضعف."لسان العرب" (15/43).
4.كلام الطحاوي -رحمه الله- على الحديث
قال الطحاوي في "مشكل الآثار"(3/270) بعد ما ساق هذا الحديث وأمثاله: فوقفنا بذلك على أنها هي الحدة في الأمور التي يريدها المسلمون من أنفسهم في أعمالهم التي يتقربون بها إلى ربهم عزّ وجل، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب منهم فيها ما دون الحدة التي لا بد لهم من التقصير عنها، والخروج منها إلى غيرها، وأمرهم بالتمسك من الأعمال الصالحة بما قد يجوز دوامهم عليه، ولزومهم إياه حتى يلقوا ربهم عزّ وجل عليه، وروي عنه صلى الله عليه وسلم في كشف ذلك المعنى أنه: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل»، وقد ذكرنا ذلك، وما قد روي في غير هذا الموضع مما قد تقدم في كتابنا هذا، فغنينا بذلك عن إعادته، والله نسأله التوفيق.
قوله: (فوقفنا بذلك على أنها...) يريد بذلك "الشرّة" كما بينه قبل ذلك بقوله: (فطلبنا معنى هذه "الشرة" المذكورة في هذه الآثار...)."مشكل الآثار"(3/270).
5.نظرة إلى عمل الرسول صلى الله عليه وسلم
إن الاجتهاد في أول العمل ثم تركه خلاف ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، يوضح هذا ما رواه البخاري برقم (1987) و (6466)، ومسلم برقم (783) أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم سألها علقمة:كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يخص شيئا من الأيام؟
قالت: «لا كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع».
قوله: (هل يخص شيئا من الأيام) يعني في الصيام.
قال ابن حجر في "الفتح"(4/300): ديمة: بكسر أوله وسكون التحتانية أي: دائما، قال أهل اللغة: الديمة مطر يدوم أياما، ثم أطلقت على كل شيء يستمر.
هذا والعلم عند الله تعالى، نسأل الله التوفيق والسداد، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.