قال الشيخ علي الصياح حفظه الله تعالى :
====================
إنَّ طالبَ العلم في بداية طلبه للعلم كالتائه لا يدري :
كيف يبدأ؟ ولا بم يبدأ؟ هل يحفظ أوَّلاً؟ أو يفهم ؟ وإذا حفظ فبم يبدأ في الحفظ؟
ظاهرة التخبط هذه .. ما علاجها ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
العلاج يكمن في أمور:
الأوَّل:
في بداية الطلب لا بدّ أن تأخذ قدرا مشتركا من جميع الفنون والعلوم
(العقيدة، الحديث، الفقه، اللغة، علوم القرآن والتفسير، الأدب والبلاغة..).. ولتعلم أخي أن المسألة أسهل مما تتصور !!
كيف؟!
أقول لك: في كل فن وعلم..كتاب يحوي أصول هذا الفن..ومبادئه التي من أحاطه بها أخذ تصورا شاملا عن هذا الفن...وإن لم يكن في هذا الفن كأهله المتخصصين..لكنه سوف يفقه ما يقولون..بل وربما يفوق أحيانا المتخبط في هذا الفن المعين الذي لم يتقن هذا المتن الذي يحوى أصول هذا الفن ومبادئه....
وسأضع قائمة..فيها أصول هذه الفنون..إن شاء الله
الثاني:
بعد ما تأخذ قدرا مشتركا من جميع الفنون والعلوم..تنتقل للتخصص الذي تميل إليه وتحبه..وتجد عندك شغفا وحبا له...
ولا تقل..أنا لا أجد في نفسي ميلا لعلم معين...لأنّ هذا الميل يكاد يكون تلقائيا مع الشخص..وكنت في مقابلتي للطلاب أعجب من الطلاب والطالبات الذين يقولون: لا نعرف العلم الذي نميل إليه؟!...
فنقول له: إذا دخلت المكتبة..ما هو الفن الذي تنطلق إليه مباشرة..وتبحث في كتبه..يقول: كذا..!!
أقول: انتهينا هذا الفن..الذي تميل إليه...وسوف تبدع فيه..وتفوق أقرانك..لأنك دخلته عن قناعة...
الثالث:
عدم الاستعجال..والتنقل ..وهذا الأمر مهم..فبعض الأخوة:
يشارك هنا في حفظ البيقونية..والألبيرية...ثم إذا وجد حفظ الصحيحين..شارك...وإذا وجدد حفظ بلوغ المرام..شارك..فمرة هنا ومرة هناك!!..ثم أخيرا..يرسل رسالة نارية..تقول(مللت من التنقل..تعبت..!!!)...وأخطر من هذا ربما يترك حياة القلوب ولذة النفوس (العلم)...بسبب هذه التخبط..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولتعلم أخي المحب ..أن أخذ العلم رويدا رويدا منهج السلف والمحدثين..وإليكم هذه الآثار الجميلة في هذا الباب:
قال الزهري
من طلب العلم جملة فاته جملة وإنما يدرك العلم حديثا وحديثين).
وللزهريّ كلمةٌ أخرى جميلة وهي
إنَّ هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة له غلبك، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به)
وقال شعبة
كنت آتي قتادة فأساله عن حديثين فيحدثني ثم يقول: أزيدك فأقول: لا حتى أحفظهما وأتقنهما).
وقد كان السلف يلازمون شيوخهم سنين في طلب العلم...بل بعضهم لازم شيخه ثماني عشرة سنة!! قال ابن جريج: كنت أتتبع الأشعار الغريبة والأنساب فقيل لي: لو لزمت عطاء فلزمته ثماني عشرة سنة أو تسع عشرة سنة إلا أشهر أو ما شاء الله..!-الجرح والتعديل (5/356)-
قلت:
سبحان الله...لقد وفق ابن جريج بناصحٍ أمينٍ أرشده لما هو أولى وأعظم وأقرب إلى الله عزوجل..كم نشهد في واقعنا..من أناس عندهم من الذكاء والحفظ..ومقومات النجاح في طلب العلم الشرعي..ولكنهم..لا يوفقون لطلب هذا العلم العظيم المقرّب لسيد الأولين والآخرين..الموصل لرضى رب العالمين..فهنيئا لمن سلك طريق العلم..الذي يسهل به الوصول للجنة!!
وأذكر أني كنت جالسا مرةً عند الشيخ العلامة الزاهد حمود التويجري-رحمه الله رحمة واسعة- وكان معنا أخ موسوعة في الأنساب والأشعار وأخبار العرب المتقدمين والمتأخرين..وإذا جلس في مجلس ملكه..بحديثه العذب الشيق وقصصه التي لا تمل..ولكنه لا يفقه في العلم الشرعي إلا قليلا..فما كان من الشيخ حمود التويجري-رحمه الله- إلا أن قال له كلمة قصيرة ولكنها عظيمة جدا-والشيخ حمود معروف بقلة الكلام على منهج السلف الصالح-..قال الشيخ حمود:"لو كان هذا في العلم الشرعي أحسن!!"...انتهى...وصلت النصيحة والتوجيه..بقي العمل..!!
ثم......
لتعلم-أخي طالب العلم- أنه مع الليالي والأيام..ستصل إلى بغيتك
**************************
وقد وضعت منهجية مقترحة –مدتها سنتان-وضعتها لطلابي مراعياً فيها حالهم ومستواهم ،
وقبل ذكرها أنبه على أمور موصلة ومُعينة على طلب العلم النافع:
1- أنّ يراعي طالبُ العلم آدابَ طلب وطالب العلم : من إخلاصٍ ، وعملٍ بالعلم، وتدرجٍ فيه ، وتنظيم للوقت، وتواضع، وكثرة دعاء لله بالتوفيق والسداد والاخلاص، قال ابنُ كثير في تفسيرهِ (1/29)((العبدُ مفتقرٌ في كلّ ساعةٍ وحالةٍ إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها وتبصره وازدياده منها واستمراره عليه، فإن العبدَ لا يملكُ لنفسِه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونةِ والثباتِ والتوفيق فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار )).
2-لا بدَّ من مراعاة أحوال الناس وقدراتهم وأفهامهم إذْ أنها مختلفة اختلافاً كبيراً، فما يصلح لشخص قد لا يصلح لآخر.
3- يركّز في هذا المستوى على الحفظ قدر المستطاع.
4- لا ينتقل الطالب إلى المستوى الثاني حتى يتقنَ المستوى الأوَّل.
5- إذا اشتغل طالب العلم بحفظ هذه المتون وفهمها سوف يشكو من ضيق الوقت، بينما كثير من الناس يشكو من الفراغ، وهنا ينبغي أن يحمد الله على فضله، ويسأله المزيد.
قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية في الاقتضاء (160) (( والعلم له مبدأ وهو: قوة العقل الذي هو الحفظ والفهم، وتمام وهو: قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة)).
القران وعلومه :
حفظ القرآن الكريم كاملاً + تفسير جزء عمّ ، وتبارك من تفسير السعديّ.
تحفة الأطفال مع شرحها للجمزوريّ في علم التجويد.
الحديث وعلومه:
حفظ الأربعين نووية مع شرحها + البيقونية.
العربية :
حفظ الآجرومية مع شرحها لمحيى الدين عبد الحميد
العقيدة :
العناية مؤلفات الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب إذْ أنّ فيها تأصيلاً ، وتدرجاً ، وربطاً لطالب العلم بالقرآن والسنة، من ذلك :
الأصول الثلاثة. القواعد الأربع. نواقض الإسلام. معنى الطاغوت، مفيد المستفيد، كشف الشبهات، مسائل الجاهلية، فضل الإسلام.
حفظ ما تيسر من هذه الكتب.
الفقه :
شروط الصلاة وأركانها وواجباتها للشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب.
منهج السالكين للسعدي.
ــــــــــ
ملحوظة :
ـــــــــــــ
هناك عدد من الكتب جمعت "المتون العلمية" التي يحسن بطالب العلم أن يحفظها،
و من أحسن هذه الكتب كتاب "الجامع للمتون العلمية" للشمرني –جزاه الله خيراً-.
***********************
من نعم الله على طالب العلم المبتدأ أنْ يوفق بعالمٍٍ عاملٍ مربٍ متبعٍ للكتاب والسنة -والموصوف بهذا هو
الرَّبَّانِيُّ كما تقدم-، يعرف كيف يسوس هذا الطالب، ويحبب له العلم، ويربيه على صغار العلم قبل كباره، ويربيه على العمل بالعلم،
-قال عبدالرحمن بن أبي حاتم: ((لم يدعني أبي أطلب الحديث حتى قرأتُ القرآن على الفضل بن شاذان))(2).
وقال أبو العيناء محمد بن القاسم : أتيت عبد الله بن داود الخريبي فقال: ما جاء بك؟!
قلت: الحديث!.
قال: اذهب فتحفظ القران!
قلت: قد حفظتُ القران!!
قال: اقرأ { واتل عليهم نبأ نوح }.
فقرأت العشر حتى أنفدته..
فقال لي: اذهب الآن فتعلم الفرائض.
قلتُ: قد تعلمت الصلب والجد والكبر
قال: فأيما أقرب إليك ابن أخيك أو ابن عمك؟!.
قلت: ابن أخي.
قال: ولِمَ ؟!
قلتُ: لان أخى من أبى وعمى من جدي!!
قال: اذهب الآن فتعلم العربية .
قلتُ: علمتها قبل هذين!!.
قال: فَلِمَ قال عمرُ بنُ الخطاب -يعنى حين طعن-: يالله ياللمسلمين لم فتح تلك وكسر هذه ؟!
قال قلت فتح تلك اللام على الدعاء وكسر هذه على الاستغاثة والاستنصار
***********
- وقال ابن عبد البر : (( طَلَبُ العلمِ درجاتٌ ومناقل ورُتَب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف- رحمهم الله-
ومن تعدى سبيلهم عامداً ضلّ، ومن تعداه مجتهداً زلَّ، فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه، وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه معه..))(4).
-وقال الخطيب البغداديّ : (( ذكر ما يجب تقديم حفظه على الحديث، ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله -عز وجل-، إذ كان أجل العلوم، وأولاها بالسبق والتقديم..)) (5)
***********
ومن خلال النصوص السابقة نعلم كيف حرص سلفنا الصالح على تعليم طالب العلم المبتديء كيف يبدأ بأسلوب رائع ، متسم بنوع من الحكمة والعقل.
وإلى زمن قريب كان العلماء يسيرون على هذا المنهج العلمي السليم في تربية طالب العلم مما أنتج علماء ربانيين عالمين عاملين ، وهم أشبه ما يكون بالموسوعات العلمية فعندهم في كل فنٍ أصوله -التفسير، العقيدة، الحديث، الفقه وأصوله، العربية وفنونها، الحساب...- ولا زال -ولله الحمد والمنة- عددٌ من هؤلاء أحياء يعلمون الناس بأقوالهم وأحوالهم .....
« مشكلة الفتور أثناء الطلب » :
يصاب بعض طلاب وطالبات العلم بالفتور أثناء الطلب، وربما بعض المَلَل فماذا يصنع؟
الجواب:
الفتور أو الملل أو الكسل أثناء الطلب شيء طبيعي يمر على كثير من طلاب وطالبات العلم ، وهنا يُنصح الطالب بتقليل العمل ، وتنويع القراءة ، وفي العادة يعقب هذا الفتور نشاط زائد، وحماسة متقدة!.
قلتُ: أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ فَكَانَ لَا يَأْتِيهَا كَانَ يَشْغَلُهُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا وَقَالَ لَهُ اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ اقْرَأْهُ فِي كُلِّ خَمْسَ عَشْرَةَ قَالَ إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ حَتَّى قَالَ اقْرَأْ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ.
وروى الترمذي في جامعه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فَلَا تَعُدُّوهُ قَالَ الترمذي (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
والشرة هي النشاط والقوة والهمة، والفترة والفتورة هو الكسل والملل والتراخي والتباطؤ بعد الجد والنشاط .
قال ابن القيم (رحمه الله): » تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رُجي له أن يعود خيراً مما كان »
وقال في كتابه القيم(مدارج السالكين) :« فالعبد سائر لا واقف فإما إلى فوق وإما إلى أسفل إما إلى أمام وإما إلى وراء وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار فمسرع ومبطى ء ومتقدم ومتقدم ومتأخر وليس في الطريق واقف ألبتة وإنما يتخالفون فى جهة المسير وفي السرعة والبطء { إِنَّهَا لإٍحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } ولم يذكر واقفا إذ لا منزل بين الجنة والنار ولا طريق لسالك إلى غير الدارين ألبتة فمن لم يتقدم إلى هذه الآعمال الصالحة فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة فإن قلت كل مجد في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور ثم ينهض إلى طلبه قلت لا بد من ذلك ولكن صاحب الوقفة له حالان إما أن يقف ليجم نفسه ويعدها للسير فهذا وقفته سير ولا تضره الوقفة فإن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة
وإما أن يقف لداع دعاه من ورائه وجاذب جذبه من خلفه فإن أجابه أخره ولا بد فإن تداركه الله برحمته وأطلعه على سبق الركب له وعلى تأخره نهض نهضة الغضبان الآسف على الانقطاع ووثب وجمز واشتد سعيا ليلحق الركب وإن استمر مع داعي التأخر وأصغى إليه لم يرض برده إلى حالته الأولى من الغفلة وإجابة داعي الهوى حتى يرده إلى أسوأ منها وأنزل دركا وهو بمنزلة النكسة الشديدة عقيب الإبلال من المرض فإنها أخطر منه وأصعب وبالجملة فإن تدارك الله سبحانه وتعالى هذا العبد بجذبة منه من يد عدوه وتخليصه وإلا فهو في تأخر إلى الممات راجع القهقرى ناكص على عقيبه أو مول ظهره ولا قوة إلا بالله والمعصوم من عصمه الله »
نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يجنبنا الفتور والكسل، والعجز والهم...!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
سؤال .. طرح على فضيلة الشيخ الدكتور : ابو عمر الصياح في لقاء ملتقى اهل الحديث ..
ما هي نصيحتكم لطالب علم؟؟
نوصي طلبة العلم بما يلي:
1- الإخلاص لله عزوجل
بأن يكون قصده بطلب العلم وجه الله والدار الآخرة ، وذلك لأنَّ طلب العلم الشرعي عبادة والعبادة لا بدّ من الإخلاص فيها لله عز وجل كما قال تعالى:
{وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقال: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}.
وقد افتتح الإمام البخاري كتابه «الصحيح» بحديث : إنما الأعمال بالنيات..إشارة إلى أهمية الإخلاص في كل عمل يعمله العبد لله عز وجل-وقيل غير ذلك- ومن الأحاديث العظيمة في هذا الباب ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرَةَ قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول إِنَّ أَوَّلَ الناس يُقْضَى يوم الْقِيَامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قال فما عَمِلْتَ فيها قال قَاتَلْتُ فِيكَ حتى اسْتُشْهِدْتُ قال كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ على وَجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قال فما عَمِلْتَ فيها قال تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قال كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هو قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ على وَجْهِهِ حتى أُلْقِيَ في النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ الله عليه وَأَعْطَاهُ من أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قال فما عَمِلْتَ فيها قال ما تَرَكْتُ من سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فيها إلا أَنْفَقْتُ فيها لك قال كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هو جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ على وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ. وفي الحديث إن معاوية لما بلغه هذا الحديث بكى حتى غشي عليه فلما أفاق قال صدق الله ورسوله قال الله عز وجل (مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الاٌّ خِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ). والنصوص من الكتاب والسنة في هذا الباب كثيرة مشهورة وعليه؛ فالتزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب؛ كحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعله سلماً لأغراض وأعراض، من جاه، أو مال، أو تعظيم، أو سمعة، أو طلب محمدة، أو صرف وجوه الناس إليك، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية، أفسدتها، وذهبت بركة العلم، ولهذا يتعين عليك أن تحمى نيتك من شوب الإرادة لغير الله تعالى، بل وتحمى الحمى. ومن جميل قول إبراهيم بن أدهم قوله «ما صدق الله عبد أحب الشهرة »
*****************************
2-العمل بالعلم :
وقد ذم الله من لا يعمل بعلمه بل وأخبر أنّ علمه وبال عليه قال تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِىءاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَاكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الاٌّ رْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذالِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِثَايَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم وأن ذلك رفعة من الله لصاحبه وعصمة من الشيطان والترهيب من عدم العمل به وأنه نزول إلى أسفل سافلين وتسليط للشيطان عليه. وقال سفيان الثوري: (العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل) . وقال جماعة من السلف، منهم الشعبي ووكيع: (كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به) . وسير السلف في العمل بالعمل عجيبة لا تمل قراءتها وسماعها و ليس هذا موضع ذكرها وقد أفرد الإمام الحافظ الخطيب البغدادي رسالة بعنوان "اقتضاء العلم العمل" كلها تتحدث عن هذا الموضوع.. وكذلك الإمام الحافظ ابن عبد البر الأندلسي في كتابه :{ جامع بيان العلم و فضل}
ــــــــــــــ يتبع: