منتدى وموقع نادي الإمام مالك العلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحبا بك أخي الزائر أختي الزائرة ، نتشرف بتسجيلكم في منتدى نادي الإمام مالك العلمي، ونتمنى لكم ومنكم الإفادة والإستفادة
منتدى وموقع نادي الإمام مالك العلمي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحبا بك أخي الزائر أختي الزائرة ، نتشرف بتسجيلكم في منتدى نادي الإمام مالك العلمي، ونتمنى لكم ومنكم الإفادة والإستفادة
منتدى وموقع نادي الإمام مالك العلمي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى وموقع نادي الإمام مالك العلمي


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قراءة معاصرة في ضوابط العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمود أبو العلا
عضو جديد
عضو جديد



عدد المساهمات : 8
نقاط : 38964
تاريخ التسجيل : 28/03/2014

قراءة معاصرة في ضوابط العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام 2 Empty
مُساهمةموضوع: قراءة معاصرة في ضوابط العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام 2   قراءة معاصرة في ضوابط العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام 2 I_icon_minitimeالسبت مارس 29, 2014 9:28 am

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فهذه هو الجزء الثالث من ضوابط العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام
قراءة في الربيع العربي على ضوء
                     أحداث مصر ، وليبيا ، وسوريا
  شهدت عدة دول عربية مظاهرات وأعمال عنف وصفت بأنها ثورات ، والواقع أن الثورة عندما تندلع فعادة ما يكون هناك شبه توافق عليها ، فأكثر الناس يشتركون فيها ، أما ما حدث في بعض الأقطار فإنه تسبب في تمزق المجتمعات وتفككها ، ما يعني أنها ليست ثورات ، وقد أخطأ كل من شرع فيها ، ومن دعا لها ، ومن شجع عليها ، ومن أفتى به.
  ومصطلح الربيع العربي لم يعرفه قاموسنا القديم ولا الحديث إطلاقا ، وأول استعمال له كان عام 2005 في التقرير الرابع لمنظمة الأمم المتحدة للإنماء البشري ، وكان المخطط له أن يبدأ من إيران ، في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ، ولم تواته الظروف للشروع فيه ، فتم توجيهه نحو العرب ، ولما خلفه في الرئاسة الأمريكية باراك أوباما تولى تنفيذه ، وفي هذا الإطار كانت كلمته التي ألقاها في جامعة القاهرة والتي أوضح فيها أن بلاده لا تنوي التدخل مستقبلا في الشؤون الداخلية لمختلف الدول ، كل ذلك من باب التشجيع على أن يفعلوا ببعضهم ما يريدون ، كما كان لظهور وثائق ويكي ليكس دورا كبيرا فيما يسمى الربيع العربي ، ففي الفترة الواقعة بين ديسمبر 2010 ، وأبريل عام 2011 صدرت منها مائة ألف وثيقة ، ويمكن التأكد من هذا عن طريق الانترنت ، وكان التسريب في البداية موجها إلى المجتمعات العربية ، بدءا بتونس ، حيث تولى نشرها هناك أفراد مجموعة أنونايمس ، والتي تحولت إلى حزب سياسي بعد عهد زين العابدين ، على رأسه الناشط السياسي سليم عمامو ، ثم تناولت دولا أخرى كان الغرب يريد إحداث تغيير فيها بما أطلق عليه اسم : الدبلوماسية الناعمة .
  كما أن المركز العربي لصناعة السياسات الذي يديره السياسي الفلسطيني عزمي بشارة في قطر كان له دورا كبيرا في هذه الفوضى المدمرة لنا ولبلداننا ، حيث عقد فيه مؤتمر علمي لدراسة تأثير الوثائق والخطط عموما في الشارع ، ولذلك فعندما سرب وثائق عن أمريكا تمت ملاحقة صاحب الموقع ومقاضاته على ذلك.      
  وعند التأمل في حال الأمة نجد أن حالها في منتهى البؤس والسوء ، وهو بلا شك يحتاج لتغييره تغييرا جذريا ، لكن الواجب على الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون أن يسيروا وفق منهج الرسول في النهي عن المنكر وتغييره ، أما السكوت الطويل ثم إشهار السلاح للإسقاط فمحرم ، إن سكوت العلماء طيلة الفترة السابقة غير جائز شرعا أبدا ، وخوفهم من الحكام لا يبيح لهم السكوت ، بل يوجب عليهم الفرار بدينهم والهجرة لله ومغادرة القطر الذي لا يطبق أحكام الله كما يراه هذا العالم أو غيره ، سيما والدول اليوم متعددة ، ولكل منها قوانين ربما تختلف عن غيرها ، فربما يوجد فيها ما يراه العالم متفقا مع الدين ، أما الدعوة للإسقاط هذا النظام أو ذاك حتى يمكن تطبيق ( الشريعة ) حسب فهمه هو فعمل محرم.
  والتظاهر بأنهم يطالبون بالإصلاح هو خدعة لا تنطلي على أي عاقل ، فالمطالبة بالإصلاح يقتضي إسماع الصوت للمسئولين فقط ، ثم العودة للحياة الطبيعية.
  كما أن الظهور بمظهر الغيور على مخالفة الحكومات للأحكام الشرعية خدعة كبرى هي الأخرى ، إن المنطلق مادي بحت ، فلو أن الحكومات أغدقت عليهم أموالا كثيرة لعادوا أدراجهم إلى بيوتهم.
  ولا وجود حقيقة لما يروج له البعض من أن الشعوب انتفضت لتنال حقوقها المستباحة ، وتسترد الأمة هيبتها ، الحقيقة أن الذين خرجوا لما ذكر وغيره لا يمثلون إلا أقلية قليلة في بلدان ما يسمى الربيع العربي ، والغالبية من الشعوب لم تشارك في هذا الحراك ، ويؤكد هذا أنه في مصر مثلا هناك شبه إجماع على أن الأكثرية هي لما يطلقون عليه حزب الكنبة ، وهم الماكثون في بيوتهم ولا يرتبطون بالأحزاب والتيارات السياسية ، أما في ليبيا فمعلوم أنه قد قدم اقتراح بالاستغناء عن الذين التحقوا بما يسمى الثورة بعد صدور القرار الأممي ، ولكن تبين أن نسبتهم لا تصل إلى واحد في المائة فتم سحبه باستحياء ، فإذا : الأقلية فقط يصدق عليها أنها انتفضت ضد الأنظمة ، لا ثورات شعبية ولا ثوارا ، فشأن الثورة أن يجتمع الناس حولها لا أن تفرقهم قددا ، وما حدث في بعض أقطارنا قد مزقها إربا ، ومع وضوح هذا فسيظل البعض يصرون على وصفها بأنها ثورات مع ما أسفرت عنه من تدمير البلاد وإضرار بالعباد !!.                                                                      
  لقد مرت بعض المجتمعات بأحداث هزت أركان تلك الدول ، وتباينت الآراء حول جوازها وعدمه ، وكل من شارك فيها أو ساهم بأي شكل من الأشكال يصر على أنها من أفضل الأعمال المعاصرة ، ويخالفهم آخرون ، وهذا ما سيتم إماطة اللثام عن وجه الحق فيه من وجهة نظر فقهائنا الأفاضل.
  حين نريد أن نظفي حكما على مسألة ، فلا يجوز أن نعطيها حكما مسبقا ثم نسعى بأية طريقة لإثبات أنه هو الحق ، كما فعل بعض علماء الرعاع والغوغاء ، بل يجب البحث عن الأدلة وآراء العلماء أولا ، ثم بناء الحكم عليهما ، فالرأي الشخصي شيء والحكم الفقهي شيء آخر ، وهذا خطأ وقع فيه الكثيرون.
  تميزت سوريا وليبيا بأن الدماء ، أريقت فيهما بما لم يسبق له مثيل ، كما أن الدمار والخراب الذي حل بهما لم تعرفاه عبر تاريخهما الطويل ، وكذلك القطيعة الاجتماعية التي ظهرت بشكل مُرَوّع ومخيف في ليبيا ، ومن هنا فالقارئ بحاجة لمعرفة حكم الإسلام في ما جرى فيهما من أحداث في غاية السوء ، وقد وقع بعض المفكرين والمثقفين والعلماء في خطإ كبير حين اعتمدوا على آرائهم في تقييمهم للأحداث ، فجاء حكم بعضهم مناقضا مناقضة صارخة لنصوص الدين وأقوال العلماء في المسألة ، ولو أنهم بحثوا في المسألة قبل أن يصدروا حكمهم المعتمد على فكرهم لما وقعوا في هذه الأخطاء ؛ أما الحالة المصرية فتتميز بأن من فاز بنتيجة الانتخابات كان يفخر بالشارع عندما كان في صفوف المعارضة ، ولما أقصاه الشارع استاء منه ، وسيتم التعرض لهذا كله ، والبداية بمصر.
             
أحداث مصر                                    
  تأثرت الأحداث في مصر بمؤثرات داخلية وخارجية ، كان لكل منهما دور كبير في قيامها وفي انتشارها ، فأما الداخلية فالمؤثر الأبرز كان لزوجته سوزان وولده جمال ، وبدأ دور سوزان عام 2004 ففي ذلك العام وبينما كان الرئيس محمد حسني مبارك واقفا على المنصة يلقي خطابا عبر الفضائيات سقط نتيجة إصابته بوعكة صحية ، فكانت هذه سببا في تفكير جدّي من قبل زوجته أن يكون لابنها جمال دور في الشأن السياسي لمصر مستقبلا ، بمنحه صلاحيات كبرى في الشأن العام لمصر ، وألحّت على زوجها ، فتردد أول الأمر ، وقبل به في النهاية.
  ومن مظاهر تدخلها إصرارها على إبعاد المشير طنطاوي وزير الدفاع ، واللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة ، فلما أصيب مبارك بوعكة صحية وتقرر سفره لألمانيا للعلاج دار حديث عن أن الرئيس يريد الإتيان باللواء عمر سليمان لشغل منصب نائب الرئيس أو رئيس الوزراء ، ثم استبعدت الفكرة نظرا لأن سيدة مصر الأولى يومها رفضت ذلك.
  وأما دور جمال فبدأ مع تأسيسه عام 2002 أمانة السياسات في الحزب الوطني الحاكم ، وفي عام 2004 كان له دور كبير في تأليف حكومة السيد أحمد نظيف ، التي سمّاها البعض بالحكومة الذكية ، وتميزت بكثرة رجال الأعمال فيها ، وتدَخّل بشكل فج في شؤون الحزب ، فجاء بأحمد عز للحزب الوطني ، وأبعد كمال الشاذلي.
  وفي هذا الإطار ، وفي انتخابات عام 2005 عقد اجتماع ضم كلا من اللواء مدحت عبد الحميد من قبل الحكومة المصرية والسيد خيرت الشاطر من حزب النور السلفي ، والدكتور محمد مرسي من جماعة الإخوان ، واتفق المجتمعون على استبعاد المرشحين : مصطفى بكري ، وإسقاطه في دائرته الانتخابية التبنين ، ومجدي أحمد حسين ، وإسقاطه في دائرة المنيا الانتخابية ، فقد كان ينظر لهما على أنهما من العناصر الإيثارية في تلك الانتخابات ، وإنجاح كل من : أيمن نور في دائرة باب الشعرية ، وطلعت السادات في قنا بدلا عنهما ، ثم الوقوف عند هذا الحد ، فلما زاد الأمر على ذلك وفاز أحمد حشمت من جماعة الإخوان ، والدكتور مصطفى الفقي ، كان لهذا الأمر تأثيرا سلبيا صادما للشارع ، حتى اضطر الأمن للتدخل في الجولة الثالثة من تلك الانتخابات ، فرآى عدد من النواب الذين فازوا فيها تكوين ما سموه بالبرلمان الموازي
  ومنذ عام 2007 كان واضحا أن سيدة مصر الأولى ازداد نفوذها ، فقد قررت التخلص من السيد صفوت الشريف من الحزب الوطني ، وكافة المؤسسات والمناصب الرسمية ، حيث كان أمينا للحزب الوطني يومها ووزيرا للإعلام يوما ما ، على أن يؤتى بالدكتور علي الدين هلال لمنصب أمين الحزب ، فقرر الرئيس الاستعانة بمن يطلق عليهم : الحرس القديم ، ومنهم يوسف والي وكمال الشاذلي ، إضافة لصفوت الشريف ؛ في هذا الوقت بدأ نجم الإخوان يلوح في الأفق ، فاختار الرئيس اتباع سياسة التكتيك في التعامل معهم بدل المواجهة.
  وفي هذا العام طرحت فكرة تعديل عدة مواد دستورية ، وهي المواد 76 ، 77 ، 88 فأما المادة 76 فقد تم تعديلها ليتمكن جمال مبارك من ترشيح نفسه وبما لا يسمح لغيره بالفوز عليه ، وأما المادة 77 فعدلت ليتمكن حسني مبارك من الترشح مرة أخرى فيما لو أراد ذلك ، وأما المادة 88 فقد عدلت لإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات ولم تمر هذه الخدعة على النخبة السياسية المصرية ، فارتفعت أصواتهم بأن هذه التعديلات هي لتوريث جمال ليس إلا ، ورفضت الحكومة هذا الاتهام بشدة ، غير أن مسار الأمور كان في هذا الاتجاه.
  وفي انتخابات عام 2010 كانت هناك فوضى غير مسبوقة في نتائجها ، وقبل إجرائها بفترة وجيزة استدعى اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة السيد أحمد عز الذي أوكلت إليه مهمة الإشراف عليها ، وسأله عن تعليقه على الانتخابات فأخبره بأن الأمور تحت السيطرة وعلى خير ما يرام ، فسأله عمر عن عدد المقاعد التي ستحصل عليها المعارضة ، فأجابه بأنهم لن يحصلوا على أي مقعد ، فغضب عمر ورفض هذه الفكرة ، وأخبره بضرورة أن يحصلوا على عدد يتراوح بين 120 : 150 مقعدا ، فرد أحمد بأنهم لن يحصلوا على أي مقعد ، مؤكدا على أن النتائج ستكون بهذه الصورة ، وحذر عمر سليمان من هذا التوجه.
  كما عقد اجتماع بين مدير مباحث أمن الدولة ، وكل من خيرت الشاطر ومحمد مرسي ، وأخبرهم أنهم سيحصلون على 30 مقعدا في هذه الدورة ، فرفضوا أن تقل مقاعدهم عن 45 مقعدا ، فعددهم في البرلمان الذي جرت انتخاباته عام 2005 بلغ 80 مقعدا ، ولن يقبلوا بأقل من هذا ، فرد بأن أقصى ما سيحصلون عليه هو 30 فقط.
  ولكي يستطيع أحمد عز منع المعارضة من الحصول على أي مقعد برلماني قام بإعادة توزيع الدوائر الانتخابية ، وجاءت النتائج بالفعل كما أراد ، فقال مبارك في خطابه معلقا على هذه النتائج : " بصفتي رئيسا للحزب الوطني فأنا فخور بهذه النتائج ، وبصفتي رئيسا لمصر ، كنت أتمنى أن تتمثل المعارضة في البرلمان ".
  وبعد إعلان النتائج وبشعور من خطورة الموقف طلب اللواء عمر سليمان من الرئيس مبارك عدم افتتاح مجلس الشعب ، فهناك 99 طعنا في نتائجها أمام المحكمة الإدارية العليا ، والبت فيها لن يستغرق وقتا طويلا ، ومن الأفضل تأجيل الافتتاح وتجميد عمل المجلس الحالي إلى أن يحسم الأمر وقد رفضه مبارك ، وعقد اجتماع ضم كلا من الرئيس مبارك ، ونجله جمال ، واللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة ، والسيد أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء ، إضافة إلى أحمد عز ، وصفوت الشريف ، والدكتور فتحي سرور ، فطلب الرئيس مبارك من اللواء عمر سليمان طرح رأيه أمام الحضور ، فأوضح أنه لا ينبغي في الوقت الراهن افتتاح المجلس ، ورد أحمد عز بأنه مجلس شرعي منتخب ديمقراطيا في انتخابات نزيهة ، فرد اللواء عمر بأن نتائجه مزورة ، ورد أحمد عز بعدم وجود حالات تزوير ، فرد عمر بصوت عال : عندما يقول مدير المخابرات : هناك تزوير يعني هناك تزوير ، فلم يرد أحمد ، فطلب الرئيس من الدكتور فتحي سرور إبداء رأيه ، فعبر عن رغبته في التأجيل ، فالمجلس بهذه التركيبة هو مجلس نواب الحزب الوطني ، وليس مجلس نواب الشعب المصري ، فعلق جمال مبارك بأنهم لو انتظروا الأحكام ستفوز المعارضة بما نسبته 40 % من المقاعد وستصعب السيطرة عليه ، فقال الدكتور فتحي : أنا أستطيع إدارته بصورة مرضية ولو فازت بنسبة 49 %.
  وكانت نتائج انتخابات ذلك العام بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير الحزب الوطني وحكم الرئيس مبارك ، وقام عدد من المرشحين بإنشاء ما عرف بالبرلمان الموازي ، وطلب أحد أعضاء البرلمان من الرئيس معرفة كيفية التعامل مع ما يسمى البرلمان الموازي الذي يعقد اجتماعات كما هو الحال في البرلمان الرسمي ، فقال مبارك مقالته المعروفة : " خليهم يتسلوا " فدعوا لاجتماع أمام دار القضاء العالي ، وطالبوا باستمرار الاحتجاجات حتى يرحل النظام.
  وفي ذلك الحين تسربت أنباء من أعلى هرم السلطة بأن الرئيس في عيد ميلاده الرابع والثمانين سيتوجه بخطاب للأمة يذكر فيه أنه يريد الاستقالة ، وسيطلب من مجلسي الشعب والشورى أن يختاروا من بين الأحزاب من يخلفه في منصب رئيس مصر ؛ ولكن فات الوقت ، فقد بدأت المعارضة تطالب بإسقاطه مع رموز نظامه ، وبحل الحزب الوطني بجميع فروعه ؛ وهكذا كان ، وقوي هذا عندما خرجت من بضع المعسكرات دبابات ومدرعات مكتوب عليها : " يسقط الرئيس حسني مبارك " ما يدل بما لا لبس فيه على انحياز الجيش للشارع ، ورفض مخطط التوريث ، وفي أحد الأيام الأخيرة من نظام مبارك دخل اللواء نجيب عبد السلام واثنين من ضباط الحرس الرئاسي وأخبراه بأن الناس بدأت في التجمع حول القصر ، وأنهم غدا سيحاصرون القصر ؛ وهكذا لم توقف المظاهرات حتى رحل النظام.
  أما العامل الخارجي فيعلم الخاص والعام أن الأمريكيين تعرضوا لضربة موجعة لهم ومسقطة لهيبتهم عام2001 ووجهت أصابع الاتهام لتنظيم القاعدة ، الذي أسسه السيد أسامة بن لادن السعودي الجنسية ، وأقر كبار التنظيم بالمسئولية عنه ، وهذا يعتبر اعترافا صريحا منهم بمسئوليتهم عن حدوثه معبرين عن إعجابهم وسرورهم به ، ثم تبين مؤخرا أنهم كانوا مخترقين من المخابرات الدولية ، بل من سي آي إي الأمريكية والموساد الصهيوني ، فكلاهما كان يتابع الطيارين الذين نفذوا تلك الضربات من وراء الكواليس بكل هدوء.
  لقد كان الأمريكيون يبحثون عن ذريعة لتوجيه ضربة مؤلمة جدا للقوات العراقية التي هي في المرتبة الأولى من حيث الكفاءة القتالية للجيوش العربية جميعا ، وبالفعل تم لهم ذلك فشنّوا عدوانهم الصارخ وغير المبرر عام 2003 على العراق بزعم أنه يمتلك أسلحة دمار شامل ؛ وبأن له علاقة بتنظيم القاعدة ، ثم أرادوا امتصاص غضب الشارع العربي والإسلامي ، فوعدوا بحل القضية الفلسطينية ، وفي هذا الإطار طلبوا من الرئيس المصري الموافقة على تخصيص مساحة 600 كيلومتر مربع في سيناء ، تضاف إليها 720 كيلومتر في صحراء النقب ، لتكون هاتان المنطقتان مقرا دائما لإقامة دولة فلسطينيي الضفة الغربية ، وفلسطينيي عام 48 وهم الفلسطينيون الذين يقيمون في الأرض التي صارت ملكا للصهاينة بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 81 بتقسيم فلسطين ، فتتحقق فكرة يهودية أرض فلسطين ، وتختفي مشكلة اللاجئين الفلسطينيين كمطلب يتعين على الأمم المتحدة إيجاد حل له ؛ ولكن الرئيس مبارك رفض ذلك ، كما رفض إرسال قوات مصرية للمشاركة في القتال في العراق وأفغانستان ، وغيرهما.  
  ولما رفض هذا رفضا صريحا ، بدؤوا يعدون عدتهم لعزله منذ العام 2004 فبدأت
الولايات المتحدة في الالتفاف على اتفاقية بينها وبين مصر في كيفية التصرف في المعونات التي تقدمها لمصر فأعطوا نصيبا منها للمعارضة ، وأعطى أحد السفراء الأمريكيين علنا مليون دولار منها لإحدى ما يسمى منظمات المجتمع المدني.
  وأنشئت في قطر أكاديمية خاصة ، ظاهرها علمي بحت ، وهي في الواقع جزء من مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي أعلنت كونداليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة عنه في شهر مارس عام 2006 وحلقة من حلقاته ، بتقسيم المقسم وتجزئة المجزئ ؛ وكانوا يهدفون في البداية إلى إعادة التقسيم بالمعنى القريب المعروف كما تقدم ، وأطلق عليها اسم أكاديمية التغيير باللاعنف ، يتولى إدارتها صهر الشيخ يوسف القرضاوي ، وهذا يفسر الاندفاعة الشديدة للشيخ وتعاطفه الكبير مع ما يسمى الربيع العربي ؛ وهذه الأكاديمية فرع من فروع متعددة في عدد من دول العالم ، منها : أوكرانيا ، وجورجيا ، وصربيا ، وبريطانيا وغيرها ، ويتلقى الدارسون فيها كيفية التغيير السلمي ، فإن أخفقوا انتقلوا للتغيير بالعنف ، وقد استعملوه في ليبيا.
  ويتعلم المنتسبون لها أمورا متنوعة كنوع الشعار الذي يرفعونه وطريقة للعصيان المدني ، وكيفية التصوير الذي يظهر الجمهور بأعداد كبيرة ، وكيفية إرساله لفضائية محددة ، وما هي الفضائيات التي يراسلونها ........ إلخ ؛ ومن بين المحاضرين في مختلف فروعها محاضرون صهاينة إضافة إلى محاضرين من جنسيات أخرى.
  واستخدمت هذه الأكاديمية جهودا كبيرة أسفرت عن عزل مبارك وغيره من الرؤساء العرب ، في هذه الآونة ظهر ما يسمى حركة ( كفاية ) وصحبها الدعوة للإسقاط ، في الفيسبوك ، وقد تحقق ذلك في أوائل فبراير عام 2011 بعد ظهور عدة ناشطين على مدى بضع سنوات ينادون صراحة بضرورة تخلي الرئيس مبارك عن منصبه ، حيث أسس أيمن نور الحركة ، فيكفي الرئيس والحزب الوطني حكم مصر ، وتوجت هذه الجهود بتوجيه نداء متكرر للمصريين بالخروج للشوارع للمطالبة بإصلاحات في البلاد ، وكان الدافع الحقيقي لذلك هو الإطاحة بالرئيس مبارك ، فلم يقبل قادتها ما قدمه من تنازلات كتعديل المواد التي عدلت لتنطبق على جمال مبارك لو أراد الترشح ، لكن المعارضة كانت ترد دائما بأن هذا لا يكفي.
  في هذا الوقت بدأت الماكينة التي أنتجتها في قطر أكاديمية التغيير باللاعنف في الانطلاق وتوجيه المتظاهرين كما تريد الأوساط السياسية الغربية الكبرى أن يحدث في مصر ، ومعلوم أن في مصر مئات آلاف من الناس جياع عراة ، لا يتوفر لهم مأوى يقيهم حرارة الشمس وبرد الشتاء ، يعيش بعضهم ويموتون دون أن يكون لهم سكن مملوك لهم أو بأجر !! وهم يعيشون أدنى من عيشة البشر العادي ، وكانت الكثرة الكثيرة من المتظاهرين من هؤلاء ، إضافة إلى شخصيات كان الرأي العام ينظر إليهم بإعجاب ويستمع لكلامهم باهتمام ، ويكنّ لهم كل تقدير واحترام ، وتبين أنهم من جماعة الإخوان المسلمين ، وكان لحضورهم في الميدان ومشاركاتهم بشكل أو آخر مع الجمهور دور مؤثر في عزل الرئيس ، وأسفرت الاحتجاجات عن وقوع عدة مواجهات في عدة مدن ، وتفاقم الأمر ، فلم يكن هناك بد من تنحيه عن منصبه ، وتم ذلك بتكليف المشير محمد طنطاوي بمهام المنصب ، بقرار تلاه اللواء عمر سليمان.
  وخلال مدة يسمح بها الدستور جرت انتخابات تشريعية ورئاسية أسفرت عن وصول السيد الدكتور محمد مرسي ( وهو محسوب على الإخوان المسلمين لمنصب الرئيس ) فأصبح هو الرئيس الشرعي لمصر.
  ولم يمنع ما كان النظام قبله يمنحه من ترخيص لممارسة بعض المحرمات من بيع وتناول الخمر ولحم الخنزير ، ولا منع من القمار والبغاء ليكون ثم مجال للقول بعدم جواز عزله شرعا ؛ ولم يوفر للمصري الفقير لقمة العيش ليحظى بتعاطف شريحة كبرى من المصريين ، بل كان همه منصبا على اتخاذ قرارات باستبدال عدة مسئولين في قطاعات مختلفة من غير الإخوان بمن ينتسبون للإخوان ، وفسرها خصومه على أنها تهدف لقصر الحكم على جماعة الإخوان ، فاحتشد الجمهور بمئات الآلاف يقولون له كفاية ، كما قالوها قبل ذلك لمبارك ، وواجههم هو بجمهوره فكاد جمهور الفريقين يصطدمان ، وبلغ الاحتقان ذروته في آخر مايو عام 2013 وحصلت عملية تجييش للشارع بما لم يسبق له مثيل ، فأمهلهم الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع أربعا وعشرين ساعة لحل المشاكل القائمة بينهم ، ولما لم يفلح الفريقان في ذلك اتخذ قررا بعزل محمد مرسي من منصبه ، وإلغاء نتائج الانتخابات ، وتم حل الجماعة قانونا واعتقل قادتها.
  وهذا من باب ارتكاب أخف الضررين ، فإن حدة الصراع من طرفي : الإخوان وخصومهم قد بلغ سيله الزبى ، ولو لم يقم الفريق السيسي بهذا الإجراء لدخلت مصر في أتون حرب أهلية بين الجمهورين  معروفة البداية مجهولة النهاية ، ولكن الله سلم.
  ولو ألقينا نظرة على ما جرى في مصر في إطار نصوص الشريعة وما فهمه منها علماء المسلمين فإننا نجد أن الرئيس مبارك أقرّ ما كان عليه الحال في عهد الحكام السابقين لمصر ، وهم محمد أنور السادات ، وقبله جمال عبد الناصر ، وقبله الملك فاروق ، وقبله الملك فؤاد ... من منح الرخص لفعل المنكرات ، ولما وصل السيد محمد مرسي للمنصب لم يلغ تلك القوانين ، وهذا يجعل الإطاحة به فريضة عند الجميع على ما قاله القرطبي في كتاب المفهم ، ومحمد رشيد رضا في كتاب الخلافة ، وقد تقدم ، ولا يخفى أن بها أقلية أورثذوكسية لها خصوصيتها ، وهذا يتطلب معرفة ما إن كان يجب منعهم من بيع وممارسة ما ذكر من محرمات أو لا ، وهذا يستدعي التأمل كثيرا ، كما يستلزم القيام ببحوث علمية تتبناها مؤسسات مختصة ، وما أكثرها في مصر الأزهر ، قبل وضع هذا الكلام موضع التنفيذ ، كما أنه لم يحسّنْ وضع المواطن الفقير الذي لا يملك قوت يومه ، فلو فعل ذلك لكثر أنصاره واكتسب ثقة أعداد منهم.
  وإذا سلمنا بأن الإطاحة بمبارك واجب أو مباح ، وأن مرسي تولى بطريقة شرعية عند علماء المذاهب الأربعة ، ودانت له البلاد ، وانقاد له العباد ، فبما أنه هو الآخر لم يلغ تلك القوانين التي تبيح المحرمات المذكورة قد فقد شرعيته كما فقدها من قبله الرئيس حسني مبارك ، وأضحى عزله واجبا على ما قاله القرطبي ومحمد رشيد رضا ، فجاء الفريق عبد الفتاح السيسي وخلعه من منصبه ، فوجدنا أنفسنا أمام عدة نصوص فقهية ، منها قول ابن قدامة : " ولو خرج رجل على إمام فقهره ، وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له ، وأذعنوا بطاعته وتابعوه ، صار إماما ، يحرم قتاله والخروج عليه ".
  فعبد الفتاح السيسي رجل خرج على إمام هو محمد مرسي ، فقهره ، وغلب الناس بسيفه فأقروا له ، وأذعنوا بطاعته ، وتابعوه ، فقد صار إماما يحرم قتاله والخروج عليه ، سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو غيرهم من أي فصيل من فصائل الاتجاه الإسلامي أو من غيره ، ولا عبرة بمخالفة أنصار مرسي ، ولا بمطالبتهم بما يسمونه إعادة الشرعية ، ولا بما أسفرت عنه نتائج الانتخابات الرئاسية التي أوصلت مرسي للحكم ، لأن الاستيلاء على المنصب بالقوة هو أحد الطرق التي يصبح الفرد بها ولي أمر شرعا ، لا تختلف عن تلك التي وصل بها عن طريق الاختيار ، بل إن طاعته مجمع عليها بين العلماء ، جاء في فتح الباري : " وقد أجمع العلماء على وجوب طاعة السلطان المتغلب " وقد تقدم أن أول من وصل للمنصب بالتغلب على من قبله في تاريخنا الإسلامي هو عبد الملك بن مروان ، الذي أطاح بحكم عبد الله بن الزبير الذي وصل ببيعة شرعية ، وهو صحابي ، أفضل بكثير من محمد مرسي ، وقد قبل الصحابة بمن فيهم عبد الله بن عمر  بعبد الملك حاكما لهم ، ونسوا أمر ابن الزبير الذي كانوا قد بايعوه ، حفاظا على تماسك المجتمع من التفكك والاقتتال ، وإراقة الدماء.
  ومن المعلوم أن فقهاءنا لا يعتدّون بالانتخاب العامة ( موضة العصر ) بل ببيعة أهل الحل والعقد ، فالانتخابات عادة تعتمد على ميول قبلية ، وجهوية ، وحزبية ، وليس هذا في أقطار المسلمين فقط ، بل هي أيضا في الغرب ، ففي الولايات المتحد هناك ولايات غالبية سكانها من أصول مكسيكية تتنافس مع ولايات أخرى غالبيتهم من أصول أسبانية ، وهكذا بقية الأصول المكونة لدول أمريكا ، فالناخبون هناك ينطلقون من منطلقات عرقية ، وهنا من منطلقات قبلية ، فصح القول أن الانتخابات لا تعبّر عن الرأي العام بنزاهة كما يروج أنصارها ، وفي الغالب يكون للدعاية المفرطة والوعود الكاذبة دور مهم فيها.
  وأيضا فإن في الانتخابات الرئاسية قد ينتخب الناس مرشحا لا يعرفونه معرفة كافية للحكم على أهليته للمنصب وعدمها ، وهذا بمنزلة الشهادة لشخص مجهول غير معروف لديهم ، وهو يشبه شهادة الزور ، ولذلك فالعمل من أجلها هو عمل في غير طاعة الله سبحانه وتعالى ، وإن كان يصعب القول بحرمتها شرعا ، فلا يوجد دليل على ذلك.
  وبناء على ما تقدم من أن الفريق السيسي أضحى هو الحاكم الفعلي لمصر ، وحيث إنه كلف الدكتور عدلي منصور بمنصب الرئيس ، فقد ذهبت بمرسي الرياح ، وليس أمام مرسي وأنصاره شرعا إلا التسليم بالأمر الواقع ، والقبول بالسيد عدلي منصور حاكما لهم ، وعلى أنصار مرسي : الكف عن أي عمل قد يسفر عن سفك الدماء وتدمير البلاد ، وبما أن الحكومة لا تمنع من التظاهر فلهم ذلك ، دون أن يحدثوا تخريبا وتدميرا ، فذلك محرم بكل حال.
  ثاني النصوص : " ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين ، فلا يحل لأحد يؤمن بالله أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا " وقد تقدم ، وهذا يدل على أن الواجب على الناس حين يعزل الحاكم السابق كما فعل السيسي مع مرسي ، عليهم التسليم بالأمر الواقع الجديد ، ولا يقولن أحد إنه غير كفء فسنعزله ، فسواء كان برا أو فاجرا يجب الانقياد له بغض النظر عن كفاءته وعدمها ؛ ومن لا يقبل هذا فهو المسئول عن الدماء المراقة ، والأنفس المروّعة ، والأموال المهدورة ، والممتلكات المتلفة.
  إن هذه النصوص توجب على الإخوان في مصر الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للأئمة ، وليس من الصواب مناداتهم بإعادة مرسي ، فالرئيس الحالي شرعي كذلك ، لا يختلف عن محمد مرسي الذي شاءت الأقدار أن يكون خلف القضبان ، عليهم أن يقبلوا بالرئيس الحالي ، كما قبل الصحابة ــ وعلى رأسهم عبد الله بن عمر ــ بعبد الملك بن مروان حاكما شرعيا ، مع أنه أطاح بمن تولى بمبايعة أهل الحل والعقد في مكة والمدينة وغيرهما.                                                    
مآخذ بعض خصوم الرئيس مبارك عليه                                                                  
  هناك مآخذ على النظام العربي عموما ، وعلى النظام المصري بصورة خاصة أيام الرئيس محمد حسني مبارك ، ومن تلك المآخذ على سياسته الخارجية : أنه ساهم في إبعاد مصر عن المشروع العربي المتكامل لمعاداة الصهاينة المحتلين أرض فلسطين ، وذلك بتأكيده على التمسك باتفاق كامب ديفد ، التي يعلم الجميع أنها أخرجت مصر ( الأخ الأكبر للعرب ) من ميدان مقارعة بني إسرائيل على الساحة ، فافتقدت أراضي الدول العربية المحتلة الأخرى أقوى معين لاستعادتها من الصهاينة ، وغابت عن الساحة أكبر قوة عربية ، وبقيت الدول الأخرى في حالة لا تستطيع أن تفعل ما كانت ستفعله لو بقيت مصر في موقف المقاوم ؛ كما أنه بموقفه هذا جعل مصر تساهم ولو بصورة غير مباشرة في تفكيك الحصار المفروض على الشركات العالمية المتعاملة مع حكومة بني صهيون ، وهو ما يعرف بالمقاطعة العربية للشركات التي تتعامل مع العدو ، وكذلك في عدم تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك ، وفي تعامل الدول الأخرى مع الصهاينة ، حيث أقدمت عدة دول أفريقية وغير أفريقية على إعادة العلاقة مع الصهاينة بعد قطعها ؛ وكان لها دور سيء في إصدار قرار يلغي قرارا أمميا باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية ؛ وبلغ السيل الزبى حين اقتحم عدد من الفلسطينيين معبر رفح يوم كان الصهاينة يدُكّون قطاع غزة بوابل من الأسلحة ذات الدمار الشامل والأسلحة المحرمة دوليا ، فصدر تهديد من وزير خارجية مصر يومها أحمد أبو الغيط للفلسطينيين إذا حاولوا دخول سيناء مرة أخرى ، ونقلت عنه وسائل الإعلام المختلفة عبارة : سنكسّر أقدامهم !! أهكذا تكون إعانة المستضعف ؟.
  وأما في الشأن الداخلي فمن المآخذ عليه أنه لم يلغ قانون الطوارئ الذي صدر بعد اغتيال أنور السادات ، مع تكرر الطلب بإلغائه من عدة أحزاب ، ونقابات ومستقلين ، كما أنه لم يقم بما يكفي لوضع حد لخط الفقر الذي ظلت وتيرته ترتفع يوما بعد يوم ، فازداد عدد الفقراء والمعوزين من عامة الشعب ، في الوقت الذي يوجد في مصر أناس مقربون من النظام ومحسوبون عليه قد أثروا ثراء فاحشا بصورة متزايدة خلال فترة وجيزة ، لقد كان لزاما على واضع السياسة الاقتصادية في نظامه تدارك هذا التفاوت الفظيع ، كما أن النظام تبنى سياسة التداول السلمي للسلطة ، وقام المشرفون على الحملات الانتخابية للحزب الوطني بكل ما يضمن فوز مرشحيهم في كافة المراحل في كل دورة انتخابية ، حتى إنهم لا يتورعون عن الاستعانة بالمجرمين لمنع الناخب من انتخاب مرشحين من الأحزاب المعارضة ، فيهددونهم ويتوعدونهم ويشتبكون معهم ، فنشأ عن ذلك أكثرية برلمانية لا تعبر عن الواقع السياسي في مصر ، وقد تقدم الكلام على ما كان يفاوض عليه بعض المسئولين لمن يشرفون على الانتخابات ، بسؤالهم : كم ستعطون للمعارضة ؟ !! بأي حق يحدد البعض نتائج الانتخابات مسبقا ؟ !!.        
  من هنا نقم كثير من الساسة على النظام الذي لم يرفض علنا مسألة تداول السلطة ، ولم يتخذ إجراءات تضمن نزاهتها ، وأسوأ منه ما أبقى عليه من الفكرة التي انطلقت في عهد أنور السادات ، وهو شعار : مصر أولا ، ومنها انطلقت إلى غيرها من الدول العربية فقالوا في لبنان قالوا : لبنان أولا ، وفي تونس قالوا : تونس أولا ، وفي ليبيا قالوا : ليبيا أولا ، وهكذا ترددت أصداء هذا الشعار الذي قصم ظهر وثيقة الدفاع العربي المشترك ، التي تم توقيعها من الرؤساء والملوك العرب ذات يوم !! وهو شعار أفضى إلى تقوقع كل دولة وانكفائها على الشأن الداخلي ، ما يترتب عليه إغفال الأمن والتعاون العربيين في مواجهة المحتلين الصهاينة ، ومصر هي الأخ الأكبر للعرب ، وفي عهد أنور السادات وحسني مبارك كانت بمنزلة الأخ الأكبر المسطول !.
  ومن وجهة شرعية فقد كان الواجب على خصوم نظام حسني مبارك أن يراجعوه في الشأنين الداخلي والخارجي ، وأن يبينوا له عيوب المحيطين به ومكرهم وخداعهم ، وما ينتج عن هذه السياسة الفاشلة والفساد والتزوير من أضرار على مستقبل البلد ، فإن لم يجبهم ، وتبين أنه يوفر للمحيطين به غطاء بشكل أو بآخر فلهم عزله دون اقتتال بينهم كرميه بالرصاص مثلا.                          
الخلاصة 22                              
  إن عزل الرئيس حسني مبارك قد يكون واجبا شرعا ، فلم يصدر تشريعات تمنع من المحرمات ، الأمر الذي يبيح عزله شرعا على ما قاله من تقدم ، ولقد وقعت مواجهات بين مؤيديه ومعارضيه ، لكن الخسائر فيها كانت محدودة ، وبالمقارنة بين هذه مفسدة اقتتالهم وبين المصلحة التي ستفضي إليها فإن المصلحة أكبر وأعظم من المفسدة بكثير ، فمن هنا يمكن القول بأن العزل مباح ، وتولي الدكتور مرسي شرعي ، فقد انتخبه أهل الحل والعقد في مصر وغيرهم ، وبما أنه لم يصدر تشريعات تمنع من الترخيص لما ذكر من المحرمات ، ولم يظهر إرادته بحث خصوصية وضع مصر ؛ وبما أن عزله قد تم بطريقة سلسة ، فإن الإطاحة به غير محرمة شرعا.

أحداث ليبيا  
  لا تتضح الرؤية لمعرفة أحداث ليبيا ، ولن يكون الحكم دقيقا قبل معرفة طريقة حكمها بعد أن نالت استقلالها ، كان الملك إدريس السنوسي الحاكم العام في ليبيا ، وقد أتى به الإنجليز أعداء الأمة من مصر ، وعينوه واليا لإقليم برقة ، فكان واليا له إضافة إلى كونه ملك المملكة الليبية المتحدة ، واستمر الحال كذلك حتى تم توحيد الأقاليم الثلاثة برقة ، وفزان ، وطرابلس عام 1965 وأجريت انتخابات تشريعية عدة مرات ، وشكلت عدة حكومات ، ومع هذا فإن الحكم قد بلغ من الفساد مبلغا كبيرا ، وكان للمستشار الأول للملك المسمى عمر الشلحي دور كبير في اللعب في السياسة العامة للدولة ، ودخلت البلاد في فوضى عامة في ظل ذلك الحكم ، حتى إن بعض الحكومات قد استقالت بعد بضعة أشهر من تأليفها ، وقد عبر عن الاستياء من هذا الوضع السيئ : الشاعر أحمد رفيق المهدوي ، فقال عنه فيما قال :
                                     ما هذه الفوضى وما أسبابها  ** ومتى تزول وهل تدوم طويلا
  هذا من الوجهة الفكرية المجردة ، حيث كان من الضروري الإطاحة بها ، وقام العقيد القذافي ومن معه بذلك ؛ وبما أن النظام الملكي ذو ميول غربية فلكي يردّ الغرب ومن يسيرون في ركابه في ليبيا على تلك الصدمة كان لا بد من اختلاق فجوة بين الحكام الجدد وبين رجل الشارع حتى لا يكون هناك انسجام بين الطرفين ، وتوسيع الفجوة إلى أقصى حد حينا بعد حين ، ولذا فإن ما حصل في ليبيا من أحداث أدت إلى قلب نظام القذافي ليس لأنه سيء بقدر ما هو مخطط له خلال عشرات السنين ، وإخوتنا لا يتذكرون.
  وهناك روافد داخلية وأخرى خارجية كونت في مجموعها نهرا جارفا أقصى النظام ودمر البلاد وأدخلها في دوامة من العنف والتخريب الصبياني أحيانا.

الروافد الداخلية
  والمتابع للأحداث في ليبيا يرى هذه الروافد الداخلية قد تكونت ممن لم يرضوا عن النظام منذ لحظة الإعلان عنه ، وقبل أن يتبيّنوا إن كانت له عيوب أوْ لاَ ، ما يعني بُعدهم عن الواقعية ، وهم سكان شرق ليبيا ، وأقلية ذات أصول بلقانية ( آباؤهم عثمانيون وأمهات ليبيات ) وزعماء الأحزاب السياسية ، وأعضاء مجالس النواب ، والشيوخ ، والوزراء ، والأقلية البربرية ، والطبقة البرجوازية ، والمنتسبون لما سمي : إخوان السنوسية.
  فأما سكان المنطقة الشرقية فقد استاءوا جدا عندما أطيح بنظام الملك الذي كانوا على أميتهم وبداوتهم يهيمنون عليه ، فلما تبين لهم أن الحكام الجدد هم في معظمهم من غير المنطقة الشرقية في ليبيا بلغ بهم الاستياء كل مبلغ ، فقد كان الرجل البدوي يدخل أي مكتب لأي وزير ليطلب منه مطلبا في شيء ما ، فإذا رفض الوزير قرع ذلك البدوي الطاولة بعصاه ، وأقسم قائلا : وحق سيدي إدريس ... ومع أن عدم قبولهم بالحكام الجدد أمر غير مقبول عقلا ، ولا جائز شرعا ، فقد أصروا عليه حتى استطاعوا عزله من منصبه فعلا ؛ ومن هؤلاء وغيرهم تكوّن أحد الروافد الرئيسية لدفع الرأي العام لتتبع عثرات الحكم الجديد ، وحقن الناس بشائعات لتتسع الهوة بينهم وبينه ، فنشأ عن ذلك احتقان لمن ولدوا وترعرعوا في عهد القذافي ، تحول إلى حقد دفين وعداوة مريرة ، ساهم في اشتدادها الإداريون من تلك المنطقة بما يمارسونه من فوضى وفساد في كافة مؤسسات الدولة ، ثم انتقل منهم إلى المناطق الأخرى في ليبيا ، فأصيبت الدولة بفساد إداري في مختلف القطاعات بشكل غير مسبوق  فكان ذلك من عوامل ترسيخ الفكرة المسبقة عن فساد نظامه ، وهذا الرافد من أقواها وأقساها ، وهم يعلمون أن الالتفاف على تطبيق التشريعات يزيد من احتقان الشارع الذي لا يتقيد بتعاليم الإسلام إلا باللسان ، أما في الواقع العملي فإن أهواءهم لها الأولوية على النصوص الدينية ، مخالفين قول الله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " وهؤلاء لا يقدمون على الأدلة آراء علمية ، بل آراء بدوية !! فساء ظنهم به وزاد حقدهم عليه ، دون مبرر شرعي ، لقد كان على الحريصين على المصلحة العليا لليبيا أن يتخذوا أية طريقة لإنعاش أوضاع البلاد المتردية نحو الفساد ، وعدم تحميل القذافي أي مسؤولية إلا في حال الثبت من أنه وراء هذا الفساد ، أما وضع مقدمات يسلم بها أصحابها ، وهي محل بحث عند غيرهم فلا تصلح متمسكا لهذا الخروج المدمر ، وإن صلحت في الحياة الدنيا ، فإن الأمر سيكون مختلفا يوم الدين.
  وأما الأقلية ذات الأصول البلقانية من دول جنوب ووسط أوربا ممن كان آباؤهم حكاما في ليبيا أو مساعدين لهم ممن يتوزعون على عدة مدن ليبية ، إذ يساكنهم من لا يشتركون معهم في تلك الأصول ، جاءوا مع سلاطين آل عثمان وأقاموا في عدة مدن مختلفة ، وهي : درنة ، وبنغازي ، ومصراته ، والزاوية ، وتاجوراء ، والضاحية الشرقية لطرابلس ، المعروفة بسوق الجمعة.
  وقد شعروا بامتعاض لم يلبث أن تحول إلى حقد وضغينة أن يحكمهم شخص بدوي من عائلة بدوية ، وبلدة مغمورة ، فكان رد فعل بعضهم محاولات متكررة لخلعه من منصبه لم يتوقفوا عنه طيلة سنوات حكمه ، وكان لهم دور بارز في الأحداث الأخيرة ؛ وهو عمل محرم شرعا ، ويمثل مظهرا من مظاهر منازعة ولاة الأمر في ولايتهم ، وهو منهي عنه صراحة.
  كما كان للأقلية البربرية التي تتركز في الجبل الغربي في ليبيا دور في أمر الإطاحة بالنظام ، فقد كان نفوذهم قويا في العهد الملكي ، وانتماؤهم العرقي الذي لم يتم تحديده على وجه دقيق جعل بعض كبارهم (لا كلهم) يحتضنون المستعمر الإيطالي ويتعاونون معه ، فالتحقوا بالجيش والشرطة والوظائف الرسمية العليا في ليبيا أكثر من غيرهم على أقليتهم ، وبقي نفوذهم على هذا المنوال في عهد الملك إدريس ، فكان كبار الضباط منهم ، وكبار رجال الدولة منهم ، وهكذا ، فلما جاء حكام جدد ذوو ميول قومية ناصرية علموا أنه بتوجهه القومي سيقلم أظفارهم ويقلص نفوذهم في البلاد ، فكان هذا دافعا قويا في وقوفهم ضده وفي بذل جهود كبرى في الإطاحة به.  
  وعملهم حسب مذهبهم جائز شرعا ، فأصولهم من الخوارج الذين يرون جواز الخروج على الحاكم إذا فسق أو ظلم أو ارتكب كبيرة من الكبائر ، ويرون القذافي كافرا دون نقاش ، ولكن عند سبر غور رأيهم في تكفيره سنعلم أن كثيرا من الليبيين كفار أيضا ، فهذه الأقلية تكفر فاعل الكبيرة ، وحكمهم بكفره لن ينجو منه إلا القليل.
  وأما زعماء وأنصار الأحزاب السياسية والنقابات الذين كان العهد الملكي يسمح لهم بمزاولة نشاطهم ، سواء البعثيون ، والقوميون ، والليبراليون  الرأسماليون ، وكذلك الشيوعيون ، والاشتراكيون ، والإخوانيون ، وكبار موظفي الأحزاب ، فكانت تشكل خطورة على الحكم الجديد بحكم أن رؤساءها حين يوجهون نداء لأنصارهم للتجمع في موضع محدد وزمن محدد سيجتمع آلاف من الناس يتحركون لتحقيق هدف معين ، وقد يكون للإطاحة بالنظام الجديد وإعادة القديم الذي لا يزالون يحِنّون إليه.
  ولذلك اتخذ القذافي ضدهم موقفا حازما ، وضد فكرة الأحزاب قرارا حاسما ، فأعلن حل جميع الأحزاب ، وأن الانتساب لها أو لغيرها هو خيانة عظمى ؛ وكرَدّ على ذلك ثارت ثائرة قادة هذه الأحزاب ، وحاولوا التخلص منه عدة مرات ، ورد النظام بالزجّ بهم في غياهب السجون ، فأخذوا يتصلون ببعضهم سرا فترة من الزمن للتخطيط للإطاحة به ، بتكليف بعض أنصارهم في الجامعات والمصانع وغيرها لتنفيذ خططهم ، فيطلبون من هؤلاء الأنصار الخروج في مظاهرات فيما ذكر آنفا ، وفي كل مرة كان النظام يكتشف تدبيرهم ، فيتم القبض على من شرعوا في ذلك في الجامعات والمصانع للتحقيق معهم ، وتتبع خيوطهم وخطواتهم ، وحينا بعد حين تفاقم عددهم وعدد من سجنوا لتنفيذ هذه المحاولة أو تلك ، وهذا رافد بالغ القوة في دفعهم وأقاربهم وأصدقائهم لكرهه ، والتخطيط لعزله ، وهو غير جائز كذلك ، فتكوين الأحزاب ليس فريضة فرضها الله على كل مسلم ، أو عليهم جملة وكفاية ، بل هي مباحة ، وقد تقدم أن المباح حين تنهى عنه الحكومة فعلى الناس تركه ، وهؤلاء خالفوا ما ذكر ، فهم المخطئون.
  وأما أعضاء البرلمان بمجلسيه الشيوخ والنواب وكذلك مجلس الوزراء ، الذين كانوا من مدن ليبية مختلفة ، بين شرق وغرب ، وشمال وجنوب ، فإنهم بين عشية وضحاها أضحوا مواطنين عاديين ، بعد أن كان الناس يكادون يقبلون أرجلهم لأن الحالة المعيشية البائسة لعامتهم تتسم بالضيق ، فكانوا يتوددون إليهم لعلهم يحصلون على فضل منهم ، أو  على وظائف عن طريقهم ، فلما أطاح القذافي ومن معه بهم أصبحوا في خبر كان ، ومن ثم ساهموا بدور لا تقل فاعليته عن الروافد المتقدمة في قلب نظامه ، لكونهم من مدن متعددة ، وهم وأقاربهم ، وجيرانهم ، والمقربون منهم ، كلهم رأوا في الإطاحة بالنظام الملكي عمل سيء سيضيّع عليهم ما كانوا يتمتعون به من امتيازات ونفوذ ، فلم يدخروا وسعا في إسقاطه ، وهذا غير جائز لهم.
  وأما دور الطبقة البرجوازية فيتمثل في أن النظام الملكي كان يميل للاتجاه الليبرالي الرأسمالي ، وذلك النظام يسمح ــ بطبيعته ــ بأن تتكوّن طبقة برجوازية حيثما حل ، وهكذا كان الحال في ليبيا ، فنمت وتكونت تلك الطبقة عن طريق القروض المصرفية الربوية في عدة مناطق ، ولما سقط النظام بميوله اللبرالية وحل محله نظام ذو ميول اشتراكية شعرت بالأسى الكبير ، ذلك أن النظام الجديد بميوله الاشتراكية سيقلل نفوذهم ، وسيقصيهم من المسرح السياسي في ليبيا ، فكانوا على استعداد دائم لدعم من يسعى للإطاحة به ، وعملهم هذا محرم شرعا.
  وأما من كان يطلق عليهم إخوان السنوسية فقد كانوا منتشرين في مختلف المدن ، وهم يشعرون بالاعتزاز لانتسابهم هذا ، ولما كانت حالهم كذلك فقد علموا أن حالهم ستتحول من حسن إلى سيء ، ومن سيء إلى أسوأ ، وبعد أن كانت لهم ميزات أضحت تلك الميزات عبئا عليهم يشعرهم بأهم ربما يحاسبون على ما كانوا عليه في النظام السابق ، ومن ثم فقد بلغ الاستياء لديهم مبلغا كبيرا ، وطفقوا يروجون لأي عمل من شأنه أن يفضي إلى إحداث انشقاق بين المواطن والنظام الجديد ، وإن كان لا يعرف عنهم أنهم كانوا ضالعين في أي تحرك لإسقاطه ، ودورهم بقي منحسرا في الامتعاض منه ، وتمني زواله والقضاء عليه ، فلما تحرك الناس أخيرا أفاقوا من نومهم الذي امتد أربعين عاما ، معبرين عن فرحتهم بهذا الحراك الذي سيعيد لهم ما يمكن إعادته من امتيازاتهم.  
  مجموع هذه الروافد المحلية أنتجت عدم الارتياح لقرارات القذافي ومواقفه في الداخل والخارج ، وربما رفضها من البعض قبل أن تصدر !! ومن المألوف اليوم أن تسمع من ينتقده انتقادا لاذعا لسبب تافه أو لغير سبب ، حتى صار سبه سمة عند بعض الليبيين ، وهذا فيما يبدو مظهر من مظاهر التخلف التربوي الذي مردوا عليه ، إن سب أي إنسان بل سب الدابة والهواء ينعكس سلبا على من يردده ، ولو كان صادرا ضد من هو جدير به ، لقد تعلمنا من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن سَبّابا ولا لعّانا ، والمرء حين يسب غيره فالغير هو المستفيد من ذلك السب ، فهل من حسن طالع القذافي أن خصومه يسبونه بكرة وأصيلا ؟ ربما ، فليس في ديننا سب أي شيء أبدا ، وكل من فعل ذلك فقد انتقص من حسناته لصالح خصمه الذي يظن أنه مجرم جدير بما هو أكثر من هذا.                                                            
  إن بعض خصومه حين يتحدثون عنه يخيل إليك أنهم في حالة هستيرية غير طبيعية ، يكادون يفقدون صوابهم ، ولا غرابة أن يقسم البعض بأنه يفضل يهوديا أو نصرانيا عليه ، فإن قلت له كيف وهو مسلم ؟ سيرد بسرعة البرق بأنه غير مسلم ، إن هذا المسكين يتكلم ، والرياح تذهب بالأقوال ، والملائكة تحصيه في صحائف الأعمال ، وأثر هذا على القذافي إيجابي بلا ريب ، فقد قال الله سبحانه : " وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَنْ لَنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ".

الروافد الخارجية
  وأما الروافد الخارجية التي كان لها دور محوري في احتدام الصراع الليبي فهي متعددة كذلك ، ولكي نتعرف عليها علينا أن نعلم أن نظام الملك إدريس مثل بقية الأنظمة الملكية محسوب على الغرب ، فكبار رجال السياسة الغربيون هم من يأتون بهؤلاء الملوك ، ولا تأتي بهم شعوبهم كما يتوهم البعض بل الغربيون هم الذين يأتون بهم ويرعونهم ويحافظون على استمرارهم في الحكم ، وفي تلك الحقبة كانت الإطاحة بأي نظام ملكي تعني انقلاب السياسة الخارجية له من اليمين الذي تهيمن عليه الرأسمالية ، إلى اليسار الذي يهيمن عليه الشيوعيون.
  وكذلك كانت الحال في ليبيا ، فانبرى النظام الجديد لاتباع سياسة مختلفة اختلافا جذريا عن سياسة النظام الملكي ، وبدل أن كان ذيلا من ذيول الغرب ممثلا في أمريكا وبريطانيا ، أخذت سياسته الخارجية طابعا مغايرا بصورة كلية لذلك ، فاتجه لفرنسا التي كان يترأسها الرئيس : جورج بامبيدو ، ثم خلفه : فالِري جيسكار ديستان ، وأبرم مع الحكومة الفرنسية صفقة طائرات الميراج المقاتلة ، ولم تكن فرنسا يومها منضوية تحت لواء حلف شمال الأطلسي ، بل كانت متميزة عنه في كثير من سياساتها الخارجية ، وكانت تعتبر نفسها من وجهة نظر محررها من النازية الماريشال : شارل ديجول أعلى شأنا من أن تكون تابعة لغيرها.
  كما اتجه ليوغسلافيا التي تفككت عام 1991 وتشمل الآن خمس جمهوريات مختلفة الأعراق والأديان ، هي : صربيا ، وكرواتيا ، وسلوفينيا ، ومونتيي نيجرو ، والبوسنة والهرسك ؛ كل هذه الجمهوريات كانت تعرف بجمهورية يوغسلافيا ، ورئيسها : جوزيف بروز تيتو ، فارتبط بها النظام الليبي الجديد ، واستعان بخبرائها في مجالات عسكرية وأمنية وتسليحية ، إضافة إلى عدة دول من حلف وارسو الشيوعي كألمانيا الشرقية وتشيكيا وسلوفاكيا وغيرها.
  كما أن نظام القذافي كان يميل للنظام الاشتراكي الذي كان يومها يعرف بحلف وارسو عاصمة بولندا حاليا ، ويهيمن عليه ما كان يسمى ذات يوم : الاتحاد السوفييتي ، وقد أنشئ لمواجهة حلف الأطلسي ( الناتو ) الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ؛ وهكذا استدارت ليبيا بصورة كلية عن النهج السابق الذي سارت عليه قرابة عشرين عاما من تبعية للغرب الرأسمالي.
  وكما هو معروف عن القذافي فقد كان قوميا ناصريا ينظر لما بين المحيط الأطلسي والخليج العربي كدولة واحدة مقسمة إلى عدة محافظات أو أقاليم ، وقد تجلى هذا في محاولاته المتكررة لتوحيد بلاده مع الدول العربية ، والتي لم تكن تصمد إلا فترة وجيزة ، لأنهم يخافون أن يجذب القذافي شارعهم ، فاتسمت بالتسرع حسب رأي الرئيس التونسي السابق الحبيب أبو رقيبة الذي يعاب عليه أنه لم يقم ولو بمحاولة واحدة لتوحيد الأمة قائمة على دراسة علمية لا تتسم بالتسرع !! إنه رجل معرقل لوحدة الأمة ، لا يقدم في سبيل ذلك شيئا ، وينتقد ما يقدمه غيره.
  وأيا ما كان ، فإن سياسة القذافي هذه تسببت في دبيب الخلاف بين نظامه وبين الدول الرأسمالية الغربية ، وكان في غالبها في شكل رد فعل على سياسات تلك الدول ضد أي دولة عربية ، ومن ذلك أن بريطانيا عندما انسحبت من ثلاث جزر في الخليج العربي ، هي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ، وسلمتها لإيران ، التي كان يحكمها يومها الشاه محمد رضا بهلوي ، لم يتقبل القذافي هذا من بريطانيا ، ورد عليه باتخاذ قرارا بتأميم شركة النفط البريطانية البي بي ، أي : بريتش بتروليوم العاملة في الأراضي الليبية ، وفي هذا الإطار بدأ في دعم الجيش الجمهوري الأيرلندي الذي يتخذ من أيرلندا ساحة لصراع ديني وعرقي مع بريطانيا.
  فالمذهب الديني السائد في بريطانيا هو المذهب البروتستانتي ، وسكان جزيرة أيرلندا منقسمون إلى قسمين ، منهم من يتبع هذا المذهب ومعظمهم في أيرلندا الشمالية ، وهم أكثرية سكانها ، ومنهم من يتبع الكنيسة الكاثوليكية ، ويتمركزون في جمهورية أيرلندا الجنوبية ، وكانت هناك أقلية كاثوليكية مقيمة في أيرلندا الشمالية ؛ والدولتان منقسمتان فشكلت الأقلية الكاثوليكية في شمال أيرلندا جماعة مقاتلة تعرف بالجناح العسكري لكاثوليك أيرلندا الشمالية ، تحت اسم الجيش الجمهوري الأيرلندي ، لتوحيد مذهب الدولة الإيرلندية ، فما كان من القذافي إلا أن اتخذ موقف المؤيد للمسلحين الأيرلنديين كرَدّ فعل آخر على تسليم بريطانيا لجزر الخليج العربي الثلاث لإيران في عهد الشاه ، ولا يزال الخلاف بسببها قائما بين دولة الإمارات وإيران.
  وكأية قوة مستكبرة رأت بريطانيا في موقف القذافي هذا تطاولا على كبريائها ونيلا من هيبتها ، ما يحتم اتخاذ إجراءات تأديبية قاسية ضده ووضع حد لاستهتاره بها ، ثم تتابعت المواقف التي تتسم بالصراع الجلي حينا ، والخفي في معظم الأحيان ، ثم انضمت إليها أمريكا ، لأنها لا تريد أن تظهر أية قوة تنافسها في الزعامة الدولية فاتفقت مع بريطانيا على تأديب القذافي الذي استدار ببلاده نحو المعسكر الاشتراكي المناوئ لسياستهما الخارجية.
  ثم تفاقم الصراع بين ليبيا وبين كل من أمريكا وبريطانيا اللتين لم تكونا في أي يوم من الأيام في وئام مع النظام الجديد ، ثم انضمت إليهما فرنسا بعد تدخل ليبيا في تشاد استجابة لطلب من سكان الشمال ذوي الأغلبية العربية والديانة الإسلامية   ضد الفريق الآخر من سكان جنوبها ذي الأغلبية الأفريقية عرقا ، الذين تغلب عليهم الديانتين النصرانية والوثنية ، واستعانوا بفرنسا في مواجهة أبناء بلادهم الشماليين ، وهو ما كان سببا في توتر العلاقة الليبية الفرنسية بعدما كانت في توافق ووئام وانسجام في كثير من المواقف ، ثم بلغ السوء ذروته في علاقتهما في عهد الرئيس سركوزي ، لأن القذافي كان بصدد البحث في استصدار عملة الفرنك الأفريقي مع عدد من الرؤساء الأفارقة الذين تتبعهم بلدانهم لفرنسا بصورة تقليدية ، نظرا لكثرة مستعمراتها فيها ، فنظرت حكومة ساركوزي الصهيوني الفكرة واليهودي الديانة للأمر نظرة المتحدي للفرنك الفرنسي ، ما سيقلل من اعتماد الأفارقة على عملتها ، وذلك سيؤثر سلبا على اقتصاد فرنسا.
  كما أن نظام القذافي أبرم اتفاقا مع بعض الشركات الفرنسية لبناء خط السكك الحديدية في ليبيا ، ولسبب أو آخر سحبه منها لصالح شركات صينية ، ومعلوم أنه من حق أية حكومة إلغاء عقود العمل مع هذه الشركة أو تلك ، ولكن فرنسا المستكبرة رأت فيه تقليلا من شأنها ونيلا من كرامتها.
  كل ما تقدم كان له أثر كبير في الإطاحة بنظام القذافي ، ثم ظهر التحالف ضده بصورة أوضح منذ بداية الأحداث فيها ، وزاد الحالة سوءا وجود أحد كبار الصهاينة ، بل هو صهيوني حتى النخاع ، يسمى : برنار هنري ليفي ، ذي الأصول الجزائرية والجنسية الفرنسية ، في الحراك الذي انتهى بمقتل القذافي ، لقد اشترك في مهرجان ( كانْ ) الدولي للأفلام السينمائية في فرنسا بفيلم عن الأحداث الليبية سماه : قسَم طبرق ؛ وهذا الصهيوني المخادع كان حريصا على تنفيذ نفس الخطة في سوريا ، وتمنى نقلها إلى مسقط رأسه " الجزائر " ولكن أتت رياح القدر بما لا يشتهي هذا الصهيوني المخادع الكفور.
  ولا يفوتنا التنويه بتصرفه أمام رؤساء وملوك على منصة الأمم المتحدة في خطابه المتميز ، والذي أنهاه بالشروع في تمزيق ما يسمى : ميثاق الأمم المتحدة ، وهو عمل أثلج صدور عدد كبير منهم ، فمعظمهم صفقوا له ما لم يصفقوا لغيره من كبار ساسة العالم ، وهذا يدل على أنه نطق بما عجزوا عن النطق به مع قناعتهم بما اشتمل عليه ذلك الخطاب ؛ ولكن كبار الساسة الدوليين لم يكونوا ليفوتوا له هذا التطاول ، وجاءت الإرهاصات عن أحداث فبراير في خطاب الرئيس أوباما ، في تنزانيا قبيل الأحداث بفترة وجيزة ، حيث كرر فيه لفظ : ( فبراير ) أكثر من مرة بطريقة شدت الانتباه من قبل البعض منتظرين ماذا سيحدث في شهر فبراير ؟ فكان التمرد المسلح !!.
  ومن أشرس الروافد الداخلية والخارجية الحملة الإعلامية المكثفة وتشويه الحقائق ، ومنهم المتصلون بالفضائيات باسم : شاهد عيان ، فبعضهم يقيم خارج ليبيا كما يبدو من كلام بعضهم ، فأحدهم ذكر في اتصال مع قناة الجزيرة ميناء لمدينة ( مزدة ) وهي من مدن الدواخل ولا تطل على بحر ولا نهر ! وآخر قال في اتصال مع قناة العربية إن القذافي يستعين في قصف مدينة تاجوراء بطيارين صهاينة ، فسأله المذيع كيف عرفت ذلك ؟! فأجاب بأنه متدرب في الجيش وأنه متأكد من كلامه !! وهكذا تم حقن الشارع الليبي والعربي بفيروس معاد للقذافي ، فانطلقوا يسبون ويشتمون ، وهم يقظى ، بل حتى وهم نائمون !!.
                         
وثيقة أمريكية لإسقاط القذافي وبشار وغيرهما  
  ويوضح ما تقدم من تآمر غربي أمريكي على عدد من الحكام العرب ما جاء في وثيقة أمريكية تم نشرها منذ سنوات عديدة ، نقلتها مجلة الأسبوع الصادرة في القاهرة في مقال جاء فيه : " انتهت الإدارة الأمريكية مؤخرا من إعداد وثيقة جديدة أعدها مستشارو البيت الأبيض ، وترسم ملامح خطة واشنطن إزاء الشرق الأوسط الجديد في عامي 2003 ــ 2004 وتتضمن هذه الوثيقة ما أسمته بخطة اختفاء أعداء الديمقراطية والسلام من الشرق الأوسط ، وهم بالترتيب حسب طرحها : صدام حسين ، ياسر عرفات ، معمر القذافي ، عمر البشير ، بشار الأسد ".
  والقذافي وبشار مستهدفان من أعدائنا لعدة أسباب ، منها : أن موقفهما كان دائما عدائيا من أي توجه أمريكي ، لما عرف من دعمها غير المحدود لإسرائيل ، ولأن استطلاع رأي أجرته إحدى المؤسسات المستقلة عن أهم شخصية في المسئولين العرب لمواطني عدد من الدول العربية وهي : المغرب ، ومصر ، واليمن ، والأردن : جاء القذافي في المرتبة الأولى ، وبشار في المرتبة الثانية ؛ فلهذا من المؤكد أنهما لن يحظيا بقول عند الغرب عموما ، وأمريكا خصوصا.
  وعودة للحديث عن الأحداث الليبية ، لقد أعلن عن الإطاحة بالنظام الملكي الذي كان يمنح رخصا يبيح ممارسة بعض المحرمات في دين الله سبحانه ، والبعض يصفه بأنه مبارك ورجل صالح مع أن بعده عن الدين ومخالفته لنصوص الشريعة واضحا وضوح الشمس ، ومع هذا فقد كان يحظى بقبول في الشارع على مساوئه تلك بسبب الجهل المسيطر على عامة الليبيين وللفق المدقع الذي كانوا عليه ، ومع مجيئه بدأت حالتهم المعيشية تتحسن شيئا فشيئا ، فضلا عن إشادة الإعلام به صباح مساء ، فعادة ما تسمع : صاحب الجلالة ، مولانا الملك المعظم إدريس الأول حفظه الله .... ما يضفي على الملك مهابة وقداسة تناسب الذات الإلهية لا غير.
  وكان هناك شبه إجماع في الشارع الليبي على أن الدوائر الاستخبارية الغربية على علم بالإطاحة بالنظام الملكي ، وكانت الأوساط السياسية الليبية العليا تتوقع حدوث انقلاب برئاسة أحد الضباط الكبار في الجيش الليبي يومها ، يسمى عبد العزيز الشلحي ، في منتصف شهر سبتمبر عام 1969 م ولهذا لم يهتم السفيران الأمريكي والبريطاني عندما علما بالانقلاب أول ذلك الشهر ، فإما أنه بقيادة عبد العزيز الشلحي ، وإما أنهم الضباط الوحدويين الأحرار الذين يوجد بينهم عميلان للدولتين.
  ولم يكن عامة الليبيين على دراية بهذه التفاصيل يومها ، ولذلك انتشر بين أوساطهم بعد علمهم بأن القذافي هو الذي يترأس تلك الحركة التي قامت بالتغيير أنه هو المجند من أحد أجهزة المخابرات الغربية ، فلو لم يكن الأمر كذلك لما استطاع الإطاحة بنظام محسوب على الدولتين ، وقد أصابوا في جزء من هذا وأخطأوا في آخر ، أصابوا في أن إسقاط النظام الملكي لا يتم إلا بعلم وموافقة الدول الكبرى ، وأخطأوا في أن القذافي هو المجند من قبل تلك الدوائر ، فالضباط الأحرار عندما كانوا يخططون للإطاحة بالنظام الملكي لم يكونوا متفقين على من يتولى قيادتهم إذا أطاحوا بالملك ، لكي يتسنى للمخابرات الغربية تجنيده شخصيا ، وتبين أنه كان يتردد على المركز الثقافي المصري في طرابلس ، وربما كان مجندا للمخابرات المصرية يومها.
  ولا يرتاب عاقل أن أجهزة المخابرات للدول الكبرى على علم بأن هناك تشكيلا بهذا الاسم يعمل على الإطاحة بالنظام الملكي ، فاخترقوه بعميلين من المنطقة الشرقية هما : آدم الحواز وموسى أحمد ، ثم تبين أن أحدهما مجند للمخابرات الأمريكية ، والآخر مجند للمخابرات البريطانية ، ولما استتب لهم الأمر اختصموا فيما بينهم في تحديد من سيتولى قيادتهم انتهى الصراع بتغلب القذافي .
  بعد ذلك وخلال فترة وجيزة أراد الرجلان الإطاحة بالقذافي ففشلا ، وألقي القبض عليهما وعلى من اشترك معها في تنظيمها السري من العسكريين والمدنيين وأودعوا السجن ، وكان ذلك بعد سقوط النظام الملكي بأقل من أربعة أشهر ، وتحديدا في منتصف ديسمبر.
  وكانت هذه أولى محاولات الإطاحة بنظامه ، وهي من وجهة دينية محرمة ، فما الذي فعله حينها يبيح عزله ؟ والتصنيف لمن اشترك فيها بغاة ، فالقذافي غلبهم ، وأقروا له ، وأذعنوا بطاعته ، وتابعوه ، فصارت طاعته واجبة ، ومن خطط للإطاحة به أو اشترك أو ساهم فيه من مختلف المناطق هم بغاة يجب عليه مواجهتهم بكل شراسة ، وإراقة دمائهم دون هوادة ، كأي بغاة آخرين ، وبعد ذلك ببضعة أشهر قام بعض أفراد العائلة السنوسية بمحاولة انقلاب ثانية ، وهكذا تتابعت محاولات الإطاحة به طيلة سنوات حكمه بمعدل ثلاث محاولات كل عام تقريبا بين محاولة اغتيال ومحاولة انقلاب ، وإلقاء القبض عليهم قبل التنفيذ لا يعفيهم من جريمتهم.
  وبمراجعة ما تقدم يتبين أن نظامه أكثر الأنظمة التي تعرضت للإطاحة بها ، إذ تقدر بمائة وعشرين محاولة ، في مقابل اثنتا عشرة محاولة للإطاحة بنظام مبارك ، الذي دام حكمه ثلاثين عاما ؛ وكردّ فعل من أي نظام على من يثبت أنهم قياديون لمجموعة خططوا أو اشتركوا في إسقاطه فعقوبة الإعدام هي التي تنزل بهم في كافة الأقطار ، ودمهم مهدور ، ومن هنا كثر عدد من أعدمهم ، وهو أمر نتج عنه احتقان وتوتر في العلاقة بين مركز الحكم في طرابلس وسكان المنطقة الشرقية عموما ، لأن معظم المحاولات اشتركوا فيها ، وآخرهم كأولهم بغاة آثمون ، ليس بينهم شهيد بالمعنى الشرعي العلمي ، حسب الأدلة وأقوال العلماء.  
  ولتقييم الحالة الليبية من وجهة شرعية يتعين معرفة ما إن كان النظام الملكي الذي انقلب عليه القذافي كان يطبق الأحكام الشريعة ، فتكون إطاحة القذافي ومن معه به معصية ، أو لم يكن يطبقها ، فما قاموا به عمل شرعي سيثابون عليه ؟ بمراجعة تشريعات ذلك النظام نجد منها ما يمنح رخصا للبغاء ، والقمار ، وبيع الخمر وتداوله في الأسواق في مختلف المدن الليبية ، ومنها ما ينص على إنزال عقوبات في جرائم الحدود المنصوص على عقوباتها في القرآن الكريم والسنة النبوية بعقوبات أخرى ما أنزله الله بها من سلطان ، كما كانت المصارف في ذلك العهد تتعامل بالربا ، فالمباني المكونة من عدة أدوار في المدن الكبرى لم يتم بناؤها بجهود فردية وأموال ذاتية ، بل من قروض ربوية تمنحها المصارف بناء على القوانين السارية المفعول في ذلك العهد فهو إذا : عهد مارق من الدين.
  وكل واحدة من هذه المحرمات تبيح الإطاحة به إجماعا ، كما تقدم من كلام كل من القرطبي في المفهم ، ومحمد رشيد رضا في الخلافة ، فكل من اشترك في ذلك من المدنيين والعسكريين مأجورون من رب العالمين ، وهو والعسكريون معه وإن أقسموا على الولاء للنظام السابق ويجب عليهم الوفاء بيمينهم ، لكن طرأ ما يوجب عدم الوفاء بها ، وهو تلك التشريعات ؛ والقول بأن ذلك النظام شرعي بمجلسي : الشيوخ والنواب ومجلس الوزراء ، لا قيمة له في دين الله سبحانه ما دامت تشريعاته تضمنت ما تقدم.
  وقد بدأت الأحداث الأخيرة في ليبيا تجاوبا مع نداء في الفيسبوك من بعض المعارضين لنظام القذافي ؛ وبدأت في المنطقة الشرقية ، من جماعة تدعي أنها تريد معرفة ما حدث لمحام في قضية جنائية ، وهذا هدف ثانوي ، أما الهدف الرئيسي فهو إسقاط النظام ، وهذا ما كانوا يرددونه عند خروجهم في مدينة البيضاء ، شرق البلاد.
  وغريب في القضية الليبية أمران داخلي وخارجي .....
  فالداخلي يتمثل في أنك تجد من الناس من يرى أن القذافي قد بلغ من السوء مبلغا كبيرا ، فلا يليق بأي ليبي الوقوف معه ، لقد رمى بأبنائهم في أتون حرب ضروس في أوغندا وتشاد لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وقد أسفر ذلك عن صبية يتامى وبنات وأخوات أيامى ، وزوجات أرامل ، وأمهات ثكالى ؛ كما أنه أهمل البنية التحتية ، فكأنا من دول العالم الفقيرة في الوقت الذي تتمتع فيه بلادنا بإمكانيات هائلة ، وانخفض مستوى دخل الفرد بما لا نظير له في العالم أبدا ، فلم يكن بد من التخلص من هذا المجرم الأفاك الذي لم يقف عند هذا فحسب ، بل تجرأ على التقول في الدين بما لا يليق به ، ففي حق النبي صلى الله عليه وسلم يلاحظ استخفافه به إلى حد أنه لم يصل عليه في أي يوم من الأيام ؛ وصحابته ينتقدهم انتقادا لاذعا يدل على احتقاره لهم وازدرائه إياهم ، وقل مثل ذلك في حق علماء أمتنا الذين نفخر بهم ، فكان من الواجب على كافة الليبيين إذ حانت ساعة الخلاص منه أن تتكاتف جهودهم للقضاء عليه وعلى من مع هذا المجرم ... الشيطان .. اليهودي .. الكافر .. الطاغية .. الذي جعل حياتنا بائسة ، ضيع أعمارنا ، وشرد أبناءنا ... إلخ ، فلا بد من عزله ولا يجوز أبدا دعمه بأي شكل من أشكال الدعم المادي أو المعنوي ، من العسكريين والمدنيين ، العلماء والعامة ، ولا ندري ما هي الفوائد التي حصل عليها هؤلاء جعلتهم يقفون إلى جانبه.                  
  يقابلهم فريق آخر يرى أن القذافي قد وصل للمنصب بطريق يقرها فقهاء المذاهب الأربعة ، ومن ثم فله كافة الحقوق التي لغيره ، وما وقع في عهده من أخطاء هو أمر طبيعي ، وإنما يتحمل جزءا منها وليس كلها ، وهو كغيره من الحكام سيقع في أخطاء ، لا ندري على وجه اليقين هل كانت بقصد أم لا ؟ ونكل أمر البت فيها إلى الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
  وبما أنه تولى فإن له جميع الحقوق التي ثبتها نصوص الشريعة وأقوال الفقهاء للحكام ، ولا يجوز الخروج عليه شرعا بالقوة المسلحة إلا فيما لو اتفقنا على أنه كفر كفرا بواحا ، أما الحكم عليه بما ذكر من قبل البعض فلا يكفي شرعا لتبرير القيام بهذا العمل المدمر ؛ وأما الدخول في حرب تشاد فهو مألوف على صعيد دولي ، وكان لا بد منه ، فما من دولة تضطرب الأمور على حدودها ثم تقف من ذلك موقف المتفرج ، إن الاشتراك في تلك الحرب أمرر اضطراري وليس اختياريا ، وتقاعس الضباط والأفراد في أداء واجباتهم هناك بما يناسب ما عندهم من إمكانيات في مواجهة خصوم من استنصروا بهم في تشاد ربما يكون هو الحامل على عدم الاكتراث بمن مات أو عاش منهم ، ويذكر بعض من بقي منهم على قيد الحياة كيف أنهم كانوا يهربون بالعشرات عندما يواجهون خصومهم بسبب ما توهموه بأنهم هم المعتدون ، ويوضحون كيف أن قياداتهم خانتهم وتركتهم يلقون مصيرا بائسا ، ضيعهم في تلك الرمال المتحركة ، فوقعوا بين المطرقة والسندان ، ولقي كثير منهم مصرعه بعيدا عن أهله ، غريبا عن وطنه ؛ وأما ما حدث في أوغندا فقد جاء بناء على طلب من حاكم مسلم شرعي لتلك البلاد التي يقطنها مسلمون ، وقد أراد الوثنيون والنصارى إقصاءه ، ولما طلب الإعانة كانت الاستجابة لطلبه أمرا واجبا ؛ وأما أنه لم يعط الليبيين من ثرواتهم ما يجعل معيشتهم تتناسب معه ، فإن هذا متفرع عن أمر آخر هو : هل ثرواتهم لهم أم هي لهم ولغيرهم ؟ وسيأتي تفصيل هذا.
  وأما سوء حال البنية التحتية فعلاقته به في غاية البعد ، وحال البنية التحتية قد بلغ من السوء حدا لا يخفى على أحد ، والذي يتحمل مسؤولية ذلك هم المسؤولون في مختلف المدن الذين يسرقون الأموال المخصصة الدولة لها ، والناس يعرفون هؤلاء جيدا ، بل ويحتضنونهم ، ويركنون إليهم ، وهم يعلمون سوء صنيعهم ، أما تحميل القذافي ما حصل من هؤلاء المفسدين فهو حديث خرافة يا أم عمرو ، كما يقال.  
  وأما حديثه عن أمور الدين فإن أفضل رد عليه هو كلام الشيخ الغزالي ، عليه رحمة الله  حين قال : " إن العقيد يظلم نفسه إذ يخوض في هذه البحوث ويقرر هذه النتائج " وسيأتي كلامه ؛ وقد أخطأ في بعضها بلا شك ، ولكن لا يوجد نص شرعي أن الحاكم إذا وقع منه شيء كهذا فعزله بالقوة مباح ؛ ومن ثم فإن كل من حمل السلاح في وجهه ظالم لنفسه ولإخوانه من أهل بلده ، وكذلك من ساهم في إسقاطه من العسكريين والمدنيين العلماء والعامة ، على حد سواء ، والواجب الوقوف معه في وجههم ، لأنهم لم يمتثلوا نصوص الدين الإسلامي ، بل اتبعوا أهواءهم الحاقدة.
  والتساؤل عن امتيازات خاصة جعلت البعض يدعمه ، يرد عليه بأنهم ليسوا من فصيلة الكلاب ، تنبح دفاعا عمن يقدم لها أكلا وشربا ، وليسوا من ( الزكاكرة ) أو شعراء البلاط كما يقال ، ممن يشيدون بمن يقدم لهم مالا في مقابل الثناء عليه ، القضية إذا تكمن في تحديد ما إن كان قد فعل ما يبيح الخروج المسلح أم لا ، فإن فعله فلنخرج جميعا بغض النظر عما إن كنا نظن أنه سينتصر أم لا ، وبغض النظر عن استفدنا منه وعدمها ، وإن لم يفعل فلن نخرج ، ومن خرج فإن وراءه يوما يجعل الولدان شيبا.  
  وأما العامل الخارجي فيتمثل في سرعة اتخاذ مجلس الجامعة العربية قرارا بتعليق عضوية ليبيا فيه ، بذريعة أن النظام فقد شرعيته بإطلاق النار على المتظاهرين وقتل بعضهم ، وخلال وقت قصير أحيل الملف إلى مجلس الأمن الذي كان يتريث في مثل هذه القضايا ، حيث يرسل لجانا لتقصي الحقائق ، لمعرفة هل للتهمة أساس أم لا ؟ وفي حال ثبوت مقتل أبرياء يعمل على تحديد الجهة المسئولة ، ثم يحال المسئولون فيها إلى المحكمة الجنائية الدولية ، هكذا كان يتصرف في حالات دولية مشابهة متعدد ، وقد وقع هذا في يوغسلافيا ، ورواندا ، وبوروندي ، وليبيريا ، وكينيا ، وغيرها.
  وما يحدث الآن في سوريا يوضح ذلك أيضا ، فمنذ عدة أشهر تواردت أنباء عن مقتل مدنيين بأسلحة ممنوعة دوليا ، فأصدر المجلس قرارا بتشكيل لجنة لمعرفة إن كان هناك استخدام لتلك الأسلحة أم لا ، وبعد مضي عدة أشهر ربما يصدر قرارا بتشكيل لجنة أخرى لتحديد من المسئول عن ذلك.
  هذا ما كان ينقص الحالة الليبية ، ولكن لم يصدر عن الأمم المتحدة في الحالة السورية قرار كالذي اتخذ ضد النظام الليبي ، لأن كثيرا من الدول أخذت درسا من الكارثة الليبية ، التي صدرت فيها مذكرات توقيف ضد القذافي وعدد من رموز نظامه للمحكمة الجنائية الدولية بتهم عديدة قبل أي تحقيق هل هناك أشخاص قتلوا أم لا ، وهل النظام هو الذي قتلهم فقتلوا بطلقات من الأمام أم هناك طرف آخر قتلهم من الخلف ؟ بل ما أن قيل إن النظام قتل المتظاهرين حتى اتخذ القرار بالتدخل في الشأن المحلي ؛ وكان ينبغي أن يعامل كباقي الدول التي يقع فيها تمرد وعصيان مسلح ، حيث تمنح القوانين كل دولة فعل ما هو متاح لها لفرض الأمن بالقوة.
  وقد صيغ القرار بطريقة لا تسمح للناتو بهزيمة قوات القذافي ، فلم يعط الضوء الأخضر لمشاركة القوات البرية ، ما يقوي فرضية سقوطه ، ولا يسمح لقواته باستعادة السيطرة على المدن المتمردة ، إلا أن العامل الرئيس في قلب نظامه هو الخذلان الواضح من أكبر قادته الميدانيين ، الذي كان في مستطاعه استعادة السيطرة على عدة مدن منذ الأيام الأولى قبل اجتماع مجلس الأمن ليتخذ القرار المشئوم ، ولو استعاد السيطرة عليها كلها لما صدر ذلك القرار ، وربما لم يجتمع المجلس من أجل ليبيا أبدا.
  وما أن صدر القرار حتى كانت قوات جاهزة للتدخل ، فقصفت طائرات فرنسية رتلا من الدبابات كان متوجها لإعادة مدن المنطقة الشرقية التي أعلنت انفصالها عن حكم البلاد لإعادتها إلى الشرعية ، واستعادة السيطرة أمر متفق عليه في كافة الشرائع السماوية والقوانين الدستورية ، إلا في الحالة الليبية في هذا الظرف ، فاتفقت دول الغرب مع كبار الثوار الليبيين على إيقاد الشرارة فقط ؛ ثم يتولى الغرب معالجة المسألة كما يحلو له ولمن يدور في فلكه منهم ، فاتخذ القرار ، وكانت تلك السرعة غير المسبوقة في التنفيذ.
  وتظاهر مجلس الجامعة العربية بأن الباعث على ذلك هو الدماء التي أريقت نتيجة للأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين ، مع أنه لم يرسل لجنة لتقصّي الحقائق ، وكأنه على موعد لسماع أي خبر عن أن الأوامر صدرت من النظام لإطلاق النار على متظاهرين لم يفعلوا ما يقتض إطلاق النار عليهم بصفتهم متمردين يتسترون بورقة توت فيزعمون أنهم يحملون مطالب مشروعة !!.
  فهل نسي أعضاء المجلس المذكور أحداث لبنان التي استغرقت خمس عشرة سنة ،  بدأت عام 1975 وقتل فيها مائتي ألف ؟ أم أحداث الجزائر التي أسفرت عن مقتل ما يزيد على مائة وخمسين ألفا ، منذ عام 1990 واستمرت عشر سنوات ؟ أم أحداث السودان ، التي أسفرت عن مقتل ضعف هذا العدد ، وبدأت منذ أول الثمانينيات ، في ولايات : جوبا ، كردفان ، دار فور ، وما زال خطرها ماثلا حتى اليوم ؟ أم أحداث اليمن ، التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الضحايا منذ عام 2006 ؟.
  إن أعمال العنف في هذه الدول قد استغرق عدة سنوات ، ومات من الناس أضعاف من ماتوا في ليبيا ، ومع هذا فلم يحرك مجلس جامعتنا الموقر ( !! ) ساكنا ، أما في الحالة الليبية فلم تمض إلا بضعة أيام ولم يمت إلا قليلون ، ثم كان قراره الجائر ، فتدخلت دول عدوة لليبيا والأمة بوتيرة متسارعة طائراتها تسرح في سمائها حيثما شاءت ، وسفنها تمخر في مياهها متى أرادت ، وتقصف في أي اتجاه شاءت !!.
  وكما تقدم فقد كان الغرض من خروج الليبيين إسقاط النظام منذ البداية ، وليس المطالبة بإصلاحات ، وإن كانت بعض الأصوات تروّج لهذا ، لكن الصوت الأعلى كان للاستجابة للنداء بالإسقاط منذ أواخر يناير2011 وهدف المُحَرّكِين الفعليين من السياسيين حسب رأيهم إقامة دولة مؤسسات ، لها برلمان منتخب ، وقانون يسمح للمواطنين بإنشاء أحزاب سياسية متنوعة ، وتتمتع المعارضة في ظله بشرعية تامة في ظل الدولة ، وفي إطار دستور تصوغه لجنة من خبراء القانون الدستوري ثم يستفتى عليه الناس ، ويكون الجميع تحت سقف القانون ، لا أحد فوق القانون ، ويحاسب من يبددون الثروة داخليا وخارجيا ، وتلتزم الدولة داخليا بتحسين البنية التحتية ، وبدخل المواطن الذي حرم من خيراته على مدى عشرات السنين ؛ وخارجيا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بأي شكل.
  هذا بحسب ما يراه السياسيون الذين لا يريدون التزام تعاليم الإسلام في العلاقة بين الحكام والمحكومين ، وهم يرددون هذا الكلام من حين لآخر في مختلف الفضائيات ، وكان لهم الدور الأكبر في قلب النظام ، فلولا جهودهم لما صدر قرار الجماعة العربية ، ولا أحيل الملف الليبي إلى مجلس الأمن وهو ما أسفر عن تدخل الناتو ، ومن ينظر من هذه الزاوية فإنه يرى عزله عملا مميزا من أجل ليبيا والليبيين.
  ورؤية السياسيين هؤلاء لا ينبغي نقاشها ، فهي مبنية على ما يرونه من مفاهيم يبنون عليها نظرتهم للحياة ، ومن ينظر من هذه الزاوية فليس أمامه غير التسليم بصوابية ما حدث ، فالدولة كانت تعيش حالة بلغت الغاية في السوء والفساد ، والحراك أضحى ضروريا اتفاقا.
  والسياسيون العلمانيون ومن معهم من المسلحين لا ينفع معهم الاستدلال بأي دليل شرعي ، فلرأيهم الأولوية على النصوص الشرعية وأقوال العلماء ، ولا يفكرون في حاجة للبحث عما سوى هذا !! أما الأدلة فليسوا في حاجة لها ، صدق الله تعالى : " لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ " والمراد من السياسيين ( العلمانيين ) من يحملون مؤهلات في عدة تخصصات علمية ، ممن ليسوا من حَمَلة ما يسمى المشروع الإسلامي ، ومن حقهم شرعا حكم البلاد ، شرط التزام تعاليم الإسلام.
  ولما كان الغرض هنا تناول المسألة في ضوء الشريعة الإسلامية ، فإن الحديث موجه للفقهاء ، ومن يزعمون أنهم من ذوي الاتجاه الإسلامي بمختلف مدارسهم الفكرية لا مع الذي يحكمون على الأحداث حسب هواهم ، ومن هنا سيأخذ البحث هذا المنحى ، الحديث إذا : مع من يراهم رجل الشارع فقهاء ، وهؤلاء بلا شك يعلمون أن إسقاط القذافي لما ذكر من الأسباب ( بطريقة أسفرت عن اقتتال الليبيين ودمار بلادهم ، وخراب بيوتهم ) لا معنى له شرعا ، فلا وجود لدليل على أن الحاكم إذا حكم البعض عليه بأنه طاغية ، أو كافر ، أو أنه  يحكم بطريقة سيئة فاشلة فعزله جائز ولو أسفر عن دماء ودمار.
  والعقل الباطن لبعضهم على قناعة بحرمة مثل هذا ، وليس أدل على ذلك من أنهم بعد أن وصلوا للحكم وأشيع احتمال الإطاحة بهم بدءوا يتكلمون عن حرمة الخروج على الحاكم ، ويجمعون الأدلة التي تؤكد على ذلك ، ويصرخون بها في آذان العامة والخاصة من خلال القنوات التلفزيونية ، يحثونهم على التمسك بها ويحذرونهم من مخالفتها ، وهذا يدفع للقول بأنهم قوم يتبعون أهواءهم ، ولا يختلفون عن غيرهم ممن يتبعون أهواءهم إلا في نوع الهوى ، فعامة العصاة لهم أهواؤهم وهؤلاء المثقفون والعلماء لهم هوى آخر يتمثل في عدم القبول بأدلة حرمة عزل الحاكم بالقوة إذا كانوا غير راضين عن سياسته ، ويتمسكون بنفس الأدلة إذا رضوا عنه ، فالعامة وهؤلاء المثقفون والفقهاء متفقون في عدم الانقياد المطلق لتعاليم ديننا ، وفي اتباع أهوائهم.
  والصوت المؤيد لعمل المعارضة المسلحة من الفقهاء كان هو الأعلى ، وقد انخدعوا أول الأمر فيما يبدو ، فسوّلتْ لهم نفوسهم أن إسقاطه سريع ، وبذلك يفلحون في إزاحة نظام يقف في وجه المشروع الإسلامي الذي يدعون إليه ، وإن كان واقع الحال أنه لا وجود لمشروع إسلامي إلا ذلك الذي يحلم به ناشئة لا يكادون يفقهون قولا ، فليبيا ينقصها تطبيق بعض التشريعات المعمول بها حاليا وتعديل البعض الآخر ، ولكنهم لجهلهم مصرون على الدعوة إلى الخروج للخلاص من نظام استبدادي لا يحكم شرع الله ، وهذا قصور فكري من أصحابه بعيد عن الصواب ، فالشريعة لم تخالفها التشريعات المعمول بها في ليبيا إلا في أوهامهم ، إن دعوتهم مخالفة للأدلة الناهية عن نزع اليد من الطاعة إلا في حال الكفر البواح ، وبعضهم على يقين أنه لم يحدث منه ، حيث تناقلت وسائل الإعلام أنهم أفتوا بالصلاة عليه بعد وفاته.
  ويردد البعض أن مشاهد القتل في المنطقة الشرقية حملتهم على الدعوة للخروج ، فغلبت عليهم العاطفة فخرجوا ، وحملت تلك المشاهد بعض العلماء على توجيه نداءات لنصرة إخوانهم ، فبما أن النظام قتل الناس !! قد فقد شرعيته ، وكان عليهم التثبت مما إن كان النظام قتلهم فعلا أم لا ، وعلى فرض صحته فنصرتهم لا تكون بهذه الصورة التي تمثل ابتعادا عن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتمسكا بفهم جاهلي لما روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما ، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : " تحجزه ، أو تمنعه من الظلم ، فإن ذلك نصره " إن علماء السياسيين وأنصارهم من الرعاع بدعوتهم هذه قد ضربوا بهذا الهدي النبوي عرض الحائط وناقضوه مناقضة صارخة ، فاعتمدوا الفهم الجاهلي بالوقوف مع الأخ المخطئ الظالم ، وخالفوا الهدي الإسلامي الذي يأمرهم بمنعه من الظلم ، ومن الاستمرار فيه بعد شروعه فيه ، إن إسقاط النظام بما أنه لم تتوفر فيه الصفات التي أثبتها الرسول الذي آمنا بنبوته ورسالته هو نوع من الظلم الذي يوجب علينا منع إخوتنا من فعله ، فإن لم نستطع فلا أقل من أن نكرهه منهم ، لا أن ندعمهم.
  كما ناقضوا ما قاله أهل العلم قبلهم ؛ كالذي قاله إمام الحرمين الجويني : " فلا نطلق للآحاد في أطراف البلاد أن يثوروا ، فإنهم لو فعلوا ذلك لاصطلموا وأبيدوا ، وكان ذلك سببا في ازدياد المِحَن ، وإثارة الفتن " وقد تقدم.
  إن طلب بعض الفقهاء والمثقفين ذوي الميول الدينية من الناس أن ينصروا سكان المنطقة الشرقية ، ويحذوا حذوهم في الخروج على القذافي الحاكم الفعلي في ليبيا هو تطبيق للفهم الجاهلي للحديث ، فدعوتهم تلك مع علمهم بأنه سَيَرُدّ بقوة على خروجهم محرمة ، لأنه سبق وأصدر تشريعا بمنع من التجمع لغرض الاحتجاج في أي وقت ، والتجمع غير واجب شرعا بل مباح ، وأي مباح إذا منع منه الحاكم لا يجوز لمن يخضع لحكمه أن يفعله ، فيجب أن يكون واضحا أن تجمعهم وتظاهرهم أمر غير جائز شرعا ، لا أن رد الحكومة بالقوة غير جائز ، ونصرتهم إنما تكون بمطالبتهم بالتوقف عنه والعودة لبيوتهم لا بحذو سكان المناطق الأخرى حذوهم ، فمن يعمل مالا يجوز فعله لا يتابع عليه ؛ وبما أن حالة البلاد مزرية في عدة قطاعات فالواجب المطالبة بإصلاح الفساد فقط ، لا بخلع واستئصال النظام ، بطريقة مرخص فيها.
  وهم يعلمون حرمة عزل أي حاكم بما يسفر عن اقتتال الناس واختلافهم ، فالقذافي لم يكفر كفرا صريحا متفقا عليه عند جميع الفقهاء ، وألغى ما كان النظام الملكي السابق يبيحه من منح رخص لممارسة بعض المحرمات ، فلذا لا يجوز عزله بالقوة اتفاقا.
  وما يراه بعض علماء السعودية ومن أخذ العلم عنهم أنه مرتد هو رأي قلة من العلماء ، والرسول لم يأذن للمسلمين بخلع أي حاكم لمجرد أن يقول بعض العلماء إنه مرتد ، وأذن فيه إذا كفر كفرا بواحا متفقا عليه ، وبما أن القذافي لم يكفر الكفر البواح ، فلا يجوز عزله بهذا الصورة فضلا عما صاحبه من قسوة وشراسة ، وتَدَخّل غير المسلمين في خراب ودمار البلاد الليبية ، والفتوى التي كفرته يجوز الاعتماد عليها لو تم عزله دون فتن ومظالم ، أما بهذه الصورة التي عشناها فلا ؛ وفيما يلي توضيح موانع الخروج عليه وفق الضوابط الشرعية :
  إن القذافي قد منع ما كان مباحا في العهد الملكي مما حرمه الله سبحانه وتعالى كصنع وبيع وشراء الخمر ، والبغاء ، ولحم الخنزير في المزارع التي يمتلكها بعض الرعايا الإيطاليين ، ولو أن تشريعاته كانت تمنح رخصا لمزاولة هذه المنكرات لكان للخروج عليه وجها شرعيا ولو عند البعض كرشيد رضا والقرطبي ؛ أمَا وقد منعت مما حرم الله فعزله مخالف لتعاليم الإسلام اتفاقا.
  وبما أن البلاد لم تشهد تحولا بِنْيَوِيًّا يتناسب مع دخلها فكان الواجب على الشيوخ أن يقودوا الناس للتغيير نحو الأفضل مع بقاء القذافي في منصبه الرسمي بألف طريقة وطريقة ، وأن يوجهوا نداء للمتظاهرين بالعودة لبيوتهم مهما كانت أعداد قتلاهم ، فخروجهم محرم من حيث المبدإ ، لأن التظاهر قد منعت منه الدولة ، وهو ليس من الفرائض بل من المباحات ، وأي مباح إذا منعت منه الحكومة لا يجوز للناس الإقدام عليه ، وبما أن القوانين تمنع من التظاهر فهو غير جائز ، هذا أولا ، ثانيا : لعلمهم أن الحكومة سترد على ذلك بالقوة ، ولكن يظل خروجهم سلميا من صغائر الذنوب ، وإنما تحوّل إلى كبيرة بعد ما أفضى إلى اقتتال ودمار وقطيعة ، وتدخل غير المسلمين في شأنهم بقتل بعضهم وتدمير الممتلكات ، سواء كان في صورة رد فعل على الرد المسلح من الأمن أو بمبادأة منهم ، وهم كانوا محتجين ، ثم تحولوا إلى بغاة.
  والخروج في الواقع لم يكن للحصول على حقوق ، ولا للحد من ظلم النظام وفساده كما يُمَوّهون ، بل لقلبه بتنسيق مع أجهزة مخابرات دولية ، فقد جاء في النداء المنسوب لهم ما يلي : ثورة 17 فبراير ليبيا ، ثورة أزهار الصيف ، أول مدونة ليبية ينطلق من خلالها النداء من اجل إسقاط الطاغية ، بتاريخ 27/1/2011 انطلقنا بالنداء للحرية ، وتوحيد الصف من اجل إسقاط دكتاتور العصر الذي كمم أفواهنا طيلة 42 سنة من الظلم والمعاناة.
  هذا نموذج من نماذج الدعوة للإسقاط ، فهل ترى للقول بأن القذافي مرتد ردة صريحة مكانا فيها ؟ ومن وجّه هذا النداء نسق مع الدوائر الاستعمارية الغربية ، وعلى غفلة من ذلك التنسيق هرع بعض مشايخنا الفضلاء واندفعوا لتأييد الفكرة ، بزعم انه كافر !! واتخذهم السياسيون الذين لا يتقيدون بتعاليم الإسلام في هذا ولا غيره مَطِيّة لتحقيق أهدافهم ، ومن ثم فلو أن شيوخنا انكفأوا على أنفسهم وانزووا عن الناس لكان ذلك خيرا لهم ألف مرة من مغامرة أسفرت عن اقتتال المسلمين ، وأدخلت المجتمع في قطيعة اجتماعية مريرة.
  ولا ينفع العلماء اليوم الفتوى بحرمة الاقتتال والإعانة عليه والمشاركة فيه ، لقد كان هذا واجبا في البادية ، أما في النهاية فلن يجدي نفعا ، إنه تسبب في مآسي لمسلمي هذا القطر ، فكل ما وقع وسيقع من ظلم وفتن ودماء وتشريد ، سواء لأهل تاورغاء ، أو المشاشية ، أو أهل شقيقة أو غيرهم ، هو في ميزان سيئات المسلحين ، وكل من فعله أو ساهم فيه ، ومن رضي عنه من العامة ، ومن أفتى به من العلماء منذ عام 2011 .
  والأمر يستدعي التوقف عند من مات من الجهاديين على وجه الخصوص بمختلف انتماآتهم الفكرية الذين يظنون خطأ أنهم الطائفة المنصورة ، والوصف الدقيق أنهم طائفة مغرورة ، إنهم يتوهّمون أنهم شهداء ، وأن عزل القذافي واجب ، لأنه ليس طاغية فقط ، بل كافر ، وهم الذين ينبغي أن يحكموا ليطبقوا شريعة الله !! فيكادون يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار.
  إن ظلم أي حاكم مهما بلغت شدته لا يبح عزله بالقوة ، وأما أنه كافر فرأي شاذ لا ينبغي الالتفات إليه ، ولو حكم هؤلاء لن يطبقوا الشريعة كما يرددون ، بل سيطبقون ما فهمه علماؤهم لعدد من الأدلة ، وحرصهم هذا لا يختلف عن حرص بعض الأحناف أو الشافعية على نشر فهم علمائهم لتلك الأدلة ، وما من رأي إلا وهو قابل للرد ، وحال هؤلاء في أمتنا هو أسوأ ممن سواهم من أصحاب الآراء الأخرى ، فالمالكية مثلا يرون أن مذهبهم راجح صحيح ، ولا يحكمون بخطإ من يخالفهم من أصحاب المذاهب ، بل يرون رأيهم مرجوحا ، وهؤلاء يُ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قراءة معاصرة في ضوابط العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الإسلام 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى وموقع نادي الإمام مالك العلمي :: القسم العام :: معرض المواضيع والإبداعات الشخصية-
انتقل الى: