أشخاص لايناقشون ... وأشخاص يناقشون -
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله... وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم:
أشخاص لا يناقَشون...
1ـ سفيه يتسفه، ويشتط في كلامه؛ لم يطلب العلم أبدًا.
2ـ صغير لم يكلف بعد.
3ـ جاهل مركب، أو قلْ: معاند.
عن ابن جُرَيْجٍ، عن ابن أبي مُليكةَ، عن عائشة ـ رضي اللهُ عنها ـ؛ قالت: قال صلى الله عليهِ وسلم:
((إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ: الأَلَدُّ الْخَصِمُ)).
الألَدُّ: العدوُّ.
الخَصِمُ: المُخَاصِمُ؛ الذي يخاصم بغير حق.
4ـ مبتدع زائغ عن الطريق؛ لايريد الحق (كما يفعل في المستقلة، وفي غرف البالتوك) وكلها مخالفة لمنهج السلف. وراجع لها كتاب: الشريعة للآجري، وغيرها.
5ـ طعان لعان شتام؛ علامته الصراخ، وقد يكون صاحب علم، يرمي مناقشه بدواهي اللفظ؛ مما تنأى عن سماعه الأذن:
قال تعالى:
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.[لقمان:19]
وقال عليه الصلاة والسلام:
((...ومنْ كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقلْ خيرًا، أو ليسكتْ، إنَّ اللهَ يحبُّ الغنيَّ؛ الحليمَ المتعفِّفَ، ويبغضُ البذيءَ، الفاجرَ، السَّائلَ، الملحَّ)).
[صحيح الترغيب والترهيب: 819]
6ـ محب للجدل.
7ـ مريد لنصرة النفس، أو الشيخ، أو القبيلة، أو المذهب وغيرها (وهو صاحب غلو فيهم )؛ ولو تبين له خطؤه؛ فلا يرجع؛ بل يحاول إخفاء الأمر قدر ما يستطيع، ويصعب عليه قول: أتوب إلى الله تعالى من أخطائي. فمثل هذا يسعى لإرضاء الجماهير عنه لا رب العباد؛ والله المستعان.
قال تعالى:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} الآية...[البقرة:206]
8ـ كبير في السن؛ تصلبت مع سنه أفكاره وآراؤه، حتى ما عاد يقبل إلا ما شبّ وشاب عليه؛ ولو كان خطأً.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170]
9ـ من لا يحسن الاستماع والإنصات؛ فيقاطع كثيرًا، ويعلق بلا مناسبة.
10ـ عصبي؛ يثور لأقل رأي قد يخالفه؛ فالنقاش معه كمن يطفئ النار بالنار.
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال:
((ليسَ الشَّديدُ بالصُّرْعَةِ! إنما الشَّديدُ الَّذي يملكُ نفسَهُ عنْدَ الغَضَبِ)).
[رواه البخاري ومسلم وغيرهما]
وفي مفتاح دار السعادة لابن القيم: " قال بعضهم: لا تكن ممن إذا رضي أدخله رضاه في الباطل! و إذا غضب أخرجه غضبه من الحق!".
11ـ متكبر؛ مترفع عن الناس؛ فلا يتقبل منهم، لما يرى فيهم من أنهم أقل منه مكانة وقدرًا، أو أصغر سنًّا...إلخ، ولو قبل منهم لقال: هذا أعرفه...وهذا أعلمه من قبل...
فالله المستعان لم المناقشة معه إذًا؟! وليحذر من هذا حاله : ف في الحديث القدسي : ((العزة إزاري والكبرياء ردائي ... ))
12ـ حسود؛ حاقد؛ همه وغايته؛ أن ينفث سموم حسده، وما أشرب قلبه من حقده؛ في وجه مناقشه!
عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم:
((.....وشرارُ عبادُ اللهِ المشَّاؤونَ بالنَّميمةِ! المفرِّقونَ بين الأحبَّةِ! الباغُونَ للْبُرَآءِ العَنَتَ!)). [صحيح الترغيب والترهيب: 2824]. العنت: المشقة والفساد والهلاك (لسان العرب ).
13ـ كذّاب! تلطخت صفحات حديثه بسواد كذبه؛ حتى ماعاد لنور الصدق فيها مكان:
عن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((رأيتُ اللَّيلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيَاني؛ قالا لي: الَّذي رَأَيْتَهُ يَشُقُّ شِدْقُهُ؛ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بالكِذْبَةِ؛ فَتُحْمَلُ عَنْهُ؛ حَتَّى تَبْلُغَ الآفاقَ! فَيُصْنَعُ بِهِ هَكَذَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ!))
[رواه البخاري هكذا مختصرًا في الأدب من صحيحه، انظر صحيح الترغيب والترهيب: 2935].
وحسبكم: ((آية المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدَّثَ كَذَبَ...)). [رواه البخاري ومسلم].
14ـ أحمق، أو مغفل: والحماقة: قلة العقل، وعدم الروية، وفساد الحكم على الأشياء، والسلوك على هذا الفساد.
والمغفل: الذي لا فطنة له كالأبله، والذي لا يفهم وجه الأمر على حقيقته؛ كما أتى في بعض المعاجم؛ فهؤلاء مناقشتهم كعدمها؛ لا ثمرة، ولا طائل من ورائها.
15ـ مجادل بالقرآن والسنة؛ يظهر حبه واتباعه لها! بل ويستشهد بها في ثنايا كلامه؛ إلا أنه لا يرعوي أن يلوي أعناق النصوص على ما يوافق أفكاره الضحلة! ومآربه الدفينة!
قال صلى الله عليه وسلم:
((لا تجادلُوا في القرآنِ؛ فإنَّ جدالاً فيهِ كفرٌ!)). [صحيح الجامع: 7100]
وقال عليه الصلاة والسلام:
((لا تجادلُوا بالقرآنِ، ولا تكذِّبُوا كتابَ اللهِ بعضَهُ ببعضٍ! فواللهِ إنَّ المؤمنَ ليجادلُ بالقرآنِ؛ فيَغلبُ، وإنَّ المنافقَ؛ ليجادلُ بالقرآنِ؛ فيُغلبَ)). [السلسلة الصحيحة: 3447].
16ـ متسرع مستعجل؛ يأخذ الأمور بسرعة دون تأنٍّ؛ ويخطف كلمة، ويتجاوز أخرى؛ مما يوقعه في سوء الفهم، وقد ينقل لغيره؛ خلاف ماسمعه منك.وقد قال ابن مسعو د : ( ولا تكونُوا عُجُلاً )
17ـ صاحب ظن؛ يظن أنك لا تناقشه؛ إلا لتظهر عيوبه، أو لأن نفسك مملوءة منه، ولا يدرك أنما تريد له الخير في دينه ودنياه.قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ...}الحجرات12
18ـ أناني؛ لا يفكر إلا بذاته؛ فإن سار مركب النقاش باتجاه مصالحه، ورغباته؛ فبها ونعمت؛ وإلا..فلا!
19ـ نمام! يغدر بمناقشه من بعد ما أعطاه الأمان؛ فما أتاه ليتعلم منه خيرًا! ولا ليدرك معروفًا! بل أتاه ليخزن كلامه في ذاكرته؛ ثم ينقله إلى غيره مفسدًا مسيئًا!
قال عليه الصلاة والسلام:
(( لا يدْخلُ الجنَّةَ نمَّامٌ)). [صحيح مسلم].وفي رواية : ((قتات )): يقت الكلام : أي ينقله على وجه الإفساد .
وأما الغدر فصفة ذميمة يخشى على صاحبها وفي الحديث الصحيح : (( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا ائتمن خان و إذا حدث كذب و إذا عاهد غدر و إذا خاصم فجر)) متفق عليه من حديث ابن عمر .
20ـ متقلب مع عواطفه؛ متخبط بين أهوائه؛ فما استحسنته عاطفته؛ ووافق هواه ومزاجه؛ هو الحسن فقط! فلا يمشي مع نقل ولا عقل! ولا يخضع للكتاب ولا للسنة! وأي نقاش لا ينبني على {أفلا تتقون} وعلى {أفلا تعقلون}؛ أتراه ينفع؟!
قال بعض السلف:
"الأهواء كلها مردية، وماذكر الله الهوى في القرآن؛ إلا ذمه وعابه!".
21ـ من لم يكن باغيًا بحق الوصول إلى الصواب ، وإلى ما يرضي الله ورسوله؛ فهذا لن يقبل ما يعرض أمامه من نور الشريعة؛ ولن يذعن ولن يستسلم، ولن يهتدي إلى الحق أي سبيل. والله يقول : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65
22ـ المذياع؛ الذي يشيع الأحاديث والأخبار! فقد تقول له شيئًا، وغدًا يشيعه كله؛ إن لم يكن اليوم!
فعن أبي وائلٍ ـ رحمه الله ـ؛ قال: قال عبد الله بن مسعود:
(قولوا خيرًا تُعرفُوا بِهِ، واعْمَلوا بِهِ تكونُوا منْ أهلِهِ: ولا تكونُوا عُجُلاً مَذَايِيْعَ بُذُرًا)
مَذَايِيْعَ: من المذْياع. وهو الذي إذا سمع عن أمر بفاحشة أو غيرها؛ ذكرها وأَشاعها.
بذرًا: تبذُرُونَ. يعني: تُفشونَ السِّرَّ!
23ـ من حذرنا منه عليه الصلاة والسلام:
((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيْمِ اللِّسَانِ)).
[رواه أحمد، وصححه الألباني]
فإنه يزين لك الباطل حتى تظنه حقًّا!...
ويدس الدسم في العسل!
وفي: " فيض القدير"؛ عن معنى الحديث:
أي: عالم للعلم؛ منطلق اللسان به؛ لكنه جاهل القلب! فاسد العقيدة! يغر الناس بشقشقة لسانه! فيقع بسبب اتباعه خلق كثير في الزلل!
وفي الحديث الثابت أيضا : [ أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون ] .
( صحيح ) السلسلة الصحيحة 1582
24ـ ذو الوجهين:
قال صلى الله عليه وسلم:
((إنَّ شرَّ النَّاسَ ذو الوَجْهَيْنِ؛ الَّذي يأْتي هؤلاءِ بوجْهٍ، وهؤلاءِ بوجٍْه))!
قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس؛ لأن حاله حال المنافق؛ إذ هو متملق بالباطل، وبالكذب، مُدخل للفساد بين الناس.
وقال النووي: "هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها؛ فيظهر لها أنه منها؛ ومخالف لضدها؛ وصنيعه نفاق! ومحض كذب! وخداع! وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرمة!"
25ـ متشبع متشدق بأقوال الغرب، وآراء الغرب، وفلسفلة الغرب؛ حتى صار على بصره غشاوة؛ تمنعه من رؤية ما جاء من حق على لسان المناقِش، فهذا يسأله من الشرق، ويجيب هو من الغرب؛ فشتان بين مشرق ومغرب؛ وعلى هذا فهو غير مستعد للتخلي عن أفكاره الغربية المعوجة السقيمة البالية!.
عنْ بشر بنِ عَاصمٍ الثقفي، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهماـ، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قالَ:
((إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْبَلِيْغَ مِن الرِّجَالِ؛ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ تَخَلُّلَ الْبَاقِرَةِ بِأَلْسِنَتِهَا)).
[سلسلة الأحاديث الصحيحة: 880].
الباقرة: البقرة؛ ويعني: البلاغة، والفصاحة، والتَّشَدُّقُ؛ بغير سُنَّة.
والمتشدق: المتكلم بملء شدقيه تفاصحًا وتعاظمًا واستعلاء على غيره!
فتجنب: مناقشة هؤلاء؛ وقد خبرت منهم ذلك؛ لأن في مناقشتهم آثارًا غير حسنة؛ منها:
1ـ إثارة الحقد والضغينة بين الطرفين.
2ـ وصول النتيجة إلى المقاطعة.
3ـ تحول المناقِش إلى الدفاع عن نفسه ورد كرامته؛ بدلاً من بيان الأمر الذي دخل أصلاً لمناقشته.
4ـ قد يبدو له من الطرف الآخر سوء خلق؛ لم يعهده عليه من قبل؛ ولو لم يقف عليه لكان أحسن له.
5ـ الخروج بنتائج أسوأ مما كانت عليه الأمور قبل المناقشة؛ فالمتعصب تعصب أكثر، والجاهل جهل أكثر؛ والأحمق أفقد المناقِش صوابه....إلخ.
6ـ ضياع الوقت فيما يعرف مسبقًا أن النقاش لا ينفع ولا يجدي معه.
وتذكر:
ـ قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3]
ـ وقوله عليه الصلاة والسلام:
((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة؛ لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)).
[صحيح سنن أبي داوود].