عقيدة المسلم: من مقدمة الرسالة - لِعالِم أهل المغرب العلاّمة الفقيه ابن أبي زيد القيرواني 386 هـ -
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله
حياكم الله يا أهل السنة
مقدمة الرسالة
لابن أبي زيد القيرواني
المتوفى سنة 386 هـ
رحمه الله وغفر له ولجميع المسلمين
* - * - * - *
قال عنه الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/10):
" الإمام العلاَّمة القُدوة الفقيه، عالم أهل المغرب".
وقال أيضاً:
" وكان -رحمه الله- على طريقة السلف في الأصول لا يدري الكلام ولا يتأوَّل، فنسأل الله التوفيق".
* - * - * - *
قال ابن أبي زيد القيراوني
- رحمه الله -
بَابُ
مَا تَنْطِقُ بِهِ الأَلْسِنَةُ
وَتَعْتَقِدُهُ الأَفْئِدَةُ مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ
.
مِنْ ذَلِكَ الإِيـمَانُ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ: أَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ، لا إلَهَ غَيْرُهُ، وَلا شَبِيهَ لَهُ، وَلا نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ وَلَدَ لَهُ، وَلا وَالِدَ لَهُ، وَلاَ صَاحِبَةَ لَهُ وَلاَ شَرِيكَ لَهُ.
لَيْسَ ِلأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَلاَ ِلآخِرِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ، لاَ يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ الْوَاصِفُونَ، وَلاَ يُحِيطُ بِأَمْرِهِ الْمُتَفَكِّرُونَ، يَعْتَبِرُ الْمُتَفَكِّرُونَ بِآيَاتِهِ، وَلاَ يَتَفَكَّرُونَ فِي مَاهِيَّةِ ذَاتِهِ، وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ،
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ .
الْعَليِمُ الْخَبِيرُ، الْمُدَبِّرُ الْقَدِيرُ، السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، وَأَنَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ بِذَاتِهِ، وَهُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِعِلْمِهِ .
خَلَقَ الإِنْسَانَ وَيَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا، وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَعَلَى الْمُلْكِ احْتَوَى، وَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، لَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ، تَعَالَى أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ مَخْلُوقَةً وَأَسْمَاؤُهُ مُحْدَثَةً .
كَلَّمَ مُوسَى بِكَلاَمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ لاَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَصَارَ دَكًّا مِنْ جَلاَلِهِ.
وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَيَبِيدُ، وَلاَ صِفَةً لِمَخْلُوقٍ فَيَنْفَدُ.
وَالإِيـمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ رَبُّنَا، وَمَقَادِيرُ الأُمُورِ بِيَدِهِ وَمَصْدَرُهَا عَنْ قَضَائِهِ، عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ كَوْنِهِ، فَجَرَى عَلَى قَدْرِهِ، لاَ يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ قَوْلٌ وَلاَ عَمَلٌ
إلاَّ وَقَدْ قَضَاهُ وَسَبَقَ عِلْمُهُ بِهِ { أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } .
يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ فَيَخْذُلُهُ بِعَدْلِهِ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَيُوَفِّقُهُ بِفَضْلِهِ، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ بِتَيْسِيرِهِ إلَى مَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ مِنْ شَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ .
تَعَالَى أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لاَ يُرِيدُ، أَوْ يَكُونَ ِلأَحَدٍ عَنْهُ غِنًى، أَوْ يَكُونَ خَالِقٌ لِشَيْءٍ إلاَّ هُوَ رَبُّ الْعِبَادِ وَرَبُّ أَعْمَالِهِمْ، وَالْمُقَدِّرُ لِحَرَكَاتِهِمْ وَآجَالِهِمْ .
الْبَاعِثُ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ لإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ خَتَمَ الرِّسَالَةَ وَالنِّذَارَةَ وَالنُّبُوَّةَ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَهُ آخِرَ الْمُرْسَلِينَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ
الْحَكِيمَ وَشَرَحَ بِهِ دِينَهُ الْقَوِيمَ وَهَدَى بِهِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ يَمُوتُ، كَمَا بَدَأَهُمْ يَعُودُونَ.
وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ضَاعَفَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْحَسَنَاتِ، وَصَفَحَ لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ عَنْ كِبَارِ السَّيِّئَاتِ وَغَفَرَ لَهُمْ الصَّغَائِرَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَجَعَلَ مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ الْكَبَائِرِ صَائِرًا إلَى مَشِيئَتِهِ { إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ
أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } .
وَمَنْ عَاقَبَهُ بِنَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْهَا بِإِيـمَانِهِ فَأَدْخَلَهُ بِهِ جَنَّتَهُ { وَمَنْ يَعْمَلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } وَيَخْرُجُ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَفَعَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ.
وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ خَلَقَ الْجَنَّةَ فَأَعَدَّهَا دَارَ خُلُودٍ لأَوْلِيَائِهِ وَأَكْرَمَهُمْ فِيهَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَهِيَ الَّتِي أَهْبَطَ مِنْهَا آدَمَ نَبِيَّهُ وَخَلِيفَتَهُ إلَى أَرْضِهِ بِمَا سَبَقَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ.
وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ النَّارَ فَأَعَدَّهَا دَارَ خُلُودٍ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ، وَأَلْحَدَ فِي آيَاتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَجَعَلَهُمْ مَحْجُوبِينَ عَنْ رُؤْيَتِهِ.
وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا لِعَرْضِ الأُمَمِ وَحِسَابِهَا وَعُقُوبَتِهَا وَثَوَابِهَا، وَتُوضَعُ الْمَوَازِينُ لِوَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ، وَيُؤْتَوْنَ
صَحَائِفَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَأُولَئِكَ يَصْلَوْنَ سَعِيرًا .
وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، يَجُوزُهُ الْعِبَادُ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَنَاجُونَ مُتَفَاوِتُونَ فِي سُرْعَةِ النَّجَاةِ عَلَيْهِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَقَوْمٌ أَوْبَقَتْهُمْ فِيهَا أَعْمَالُهُمْ.
وَالإِيـمَانُ بِحَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَرِدُهُ أُمَّتُهُ، لاَ يَظْمَأُ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ وَيُذَادُ عَنْهُ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ.
وَأَنَّ الإِيـمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ، وَإِخْلاَصٌ بِالْقَلْبِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الأَعْمَالِ، وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا، فَيَكُونُ فِيهَا النَّقْصُ وَبِهَا الزِّيَادَةُ، وَلاَ يَكْمُلُ قَوْلُ الإِيـمَانِ إلاَّ بِالْعَمَلِ، وَلاَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ إلاَّ
بِنِّيَّةٍ، وَلاَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إلاَّ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ.
وَأَنَّهُ لاَ يَكْفُرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ.
وَأَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ بَاقِيَةٌ نَاعِمَةٌ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ مُعَذَّبَةٌ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَيُسْأَلُونَ،{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}.
وَأَنَّ عَلَى الْعِبَادِ حَفَظَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ، وَلاَ يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عِلْمِ رَبِّهِمْ.
وَأَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ يَقْبِضُ الأَرْوَاحَ بِإِذْنِ رَبِّهِ .
وَأَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنُوا بِهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ .
وَأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَأَنْ لاَ يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْ صَحَابَةِ الرَّسُولِ إلاَّ بِأَحْسَنِ ذِكْرٍ، وَالإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ أَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ أَحْسَنُ الْمَخَارِجِ، وَيُظَنَّ بِهِمْ أَحْسَنُ الْمَذَاهِبِ.
وَالطَّاعَةُ ِلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وُلاَةِ أُمُورِهِمْ، وَعُلَمَائِهِمْ وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَاقْتِفَاءُ آثَارِهِمْ، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمْ.
وَتَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ وَتَرْكُ كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ .
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
انتهى من مقدمة الرسالة.
والله الموفق للصواب و الهادي إلى سبيل الرشاد