لــص .. لكــنه فقيه وشاعر -
--------------------------------------------------------------------------------
محمد بن الحسين الرازي حدثني أبي عن جدي عن محمد بن مقاتل الماسقوري قاضي الري قال كان محمد بن الحسين يكثر الإدلاج إلى بساتينه فيصلي الصبح ثم يعود إلى منزلـه إذا ارتفعت الشمس وعلا النهار قال محمد بن مقاتل فسألته عن ذلك قال بلغني في حديث عن النبي أنه قال حبب إلي الصلاة في الحيطان .( كان يستحب الصلاة في الحيطان ..في السلسلة الضعيفة للالباني)
وذلك أن أهل اليمن يسمون البستان الحائط
قال محمد بن الحسين فخرجت إلى حائط لي لأصلي فيه الفجر رغبة في الثواب والأجر فعارضني لص جريء القلب خفيف الوثب في يده خنجر كلسان الكلب ماء المنايا يجول على فرنده والآجال تلوح في حده فضرب بيده إلى صدري ومكن الخنجر من نحري وقال لي بفصاحة لسان وجراءة جنان
انزع ثيابك واحفظ إهابك ولا تكثر كلامك تلاق حمامك ودع عنك التلوم وكثرة الخطاب فلا بد لك من نزع الثياب
فقلت لـه يا سبحان اللـه أنا شيخ من شيوخ البلد وقاض من قضاة المسلمين يسمع كلامي ولا ترد أحكامي ومع ذلك فإني من نقلة حديث رسول اللـه منذ أربعين سنة أما تستحيي من اللـه أن يراك حيث نهاك فقال لي
يا سبحان اللـه أنت أيضا أما تراني شابا ملء بدني أروق الناظر وأملأ الخاطر وآوي الكهوف والغيران وأشرب ماء القيعان والغدران وأسلك مخوف المسالك وألقي بيدي في المهالك ومع ذلك فإني وجل من السلطان مشرد عن الأهل والأوطان وحشي أن أعثر بواحد مثلك وأتركه يمشي إلى منزل رحب وعيش رطب وأبقى أنا هنا أكابد التعب وأناصب النصب
وأنشأ اللص يقول
ترى عينيك ما لم ترياه
كلانا عالم بالترهات
قال القاضي أراك شابا فاضلا ولصا عاقلا ذا وجه صبيح ولسان فصيح ومنظر وشارة وبراعة وعبارة
قال اللص هو كما تذكر وفوق ما تنشر
قال القاضي فهل لك إلى خصلة تعقبك أجرا وتكسبك شكرا ولا تهتك مني سترا ومع ذلك فإني مسلم الثياب إليك ومتوفر بعدها عليك
قال اللص وما هذه الخصلة
قال القاضي تمضي إلى البستان معي فأتوارى بالجدران وأسلم إليك الثياب وتمضي على المسار والمحاب
قال اللص سبحان اللـه تشهد لي بالعقل وتخاطبني بالجهل ويحك من يؤمنني منك أن يكون لك في البستان غلامان جلدان علجان ذوا سواعد شديدة وقلوب غير رعيدة يشداني وثاقا ويسلماني إلى السلطان فيحكم في آراءه ويقضي علي بما شاءه
قال لـه القاضي لعمري إنه من لم يفكر في العواقب فليس لـه الدهر بصاحب وخليق بالوجل من كان السلطان لـه مراصدا وحقيق بإعمال الحيل من كان للسيئات قاصدا وسبيل العاقل أن لا يغتر بعدوه بل يكون منه على حذر ولكن لا حذر من قدر ولكن أحلف لك ألية مسلم وجهد مقسم أني لا أوقع بك مكرا ولا أضمر لك غدرا
قال اللص لعمري لقد حسنت عبارتك ونمقتها وحسنت إشارتك وطبقتها ونثرت خيرك على فخ ضيرك وقد قيل في المثل السائر على ألسنة العرب أنجز حر ما وعد أدرك الأسد قبل أن يلتقي على الفريسة لحياه ولا يعجبك من عدو حسن محياه وأنشد
لا تخدش وجه الحبيب فإنا
قد كشفناه قبل كشفك عنه
واطلعنا عليه والمتولي
قطع أذن العيار أعير منه
ألم يزعم القاضي أنه كتب الحديث زمانا ولقي فيه كهولا وشبانا حتى فاز ببكره وعونه وحاز منه فقر متونه وعيونه
قال القاضي أجل
قال اللص فأي شيء كتبت في هذا المثل الذي ضربت لك فيه المثل وأعملت الحيل
قال القاضي ما يحضرني في هذا المقام الحرج حديث أسنده ولا خبر أورده فقد قطعت هيبتك كلامي وصدعت قبضتك عظامي فلساني كليل وجناني عليل وخاطري نافر ولبي طائر
قال اللص فليسكن لبك وليطمئن قلبك اسمع ما أقول وتكون بثيابك حتى لا تذهب ثيابك إلا بالفوائد
قال القاضي هات
قال اللص حدثني أبي عن جدي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال قال رسول اللـه يمين المكره لا تلزمه فإن حلف وحنث فلا شيء عليه .
وأنت إن حلفت حلفت مكرها وإن حنثت فلا شيء عليك انزع ثيابك
قال القاضي يا هذا قد أعيتني مضاءة جنانك وذرابة لسانك وأخذك علي الحجج من كل وجه وأتيت بألفاظ كأنها لسع العقارب أقم ها هنا حتى أمضي إلى البستان وأتوارى بالجدران وأنزع ثيابي هذه وأدفعها إلى صبي غير بالغ تنتفع بها أنت ولا أنهتك أنا ولا تجري على الصبي حكومة لصغر سنه وضعف منته
قال اللص يا إنسان قد أطلت المناظرة وأكثرت المحاورة ونحن على طريق ذي غرر ومكان صعب وعر وهذه المراوغة لا تنتج لك نفعا وأنت لا تستطيع لما أرومه منك دفعا ومع هذا أفتزعم أنك من أهل العلم والرواية والفهم والدراية ثم تبتدع وقد روي عن النبي أنه قال الشريعة شريعتي والسنة سنتي فمن ابتدع في شريعتي وسنتي فعليه لعنة اللـه .
قال القاضي يا رجل وما هذا من البدع
قال اللص اللصوصية بنسيئة بدعة انزع ثيابك فقد أوسعت من ساعة محالك ولم أشدد عقالك حياء من حسن عبارتك وفقه بلاغتك وتقلبك في المناظرة وصبرك تحت المخاطرة
فنزع القاضي ثيابه ودفعها إليه وأبقى السراويل
فقال اللص انزع السراويل كي تتم الخلعة
قال القاضي يا هذا دع عنك هذا الاغتنام وامض بسلام ففيما أخذت كفاية وخل السراويل فإنه لي ستر ووقاية لا سيما وهذه صلاة الفجر قد أزف حضورها وأخاف تفوتني فأصليها في غير وقتها وقد قصدت أن أفوز بها في مكان يحبط وزري ويضاعف أجري ومتى منعتني من ذلك كنت كما قال الشاعر
إن الغراب وكان يمشي مشية
فيما مضى من سالف الأحوال
حسد القطاة فرام يمشي مشيها
فأصابه ضرب من العقال
فأضل مشيته وأخطأ مشيها
فلذاك كنوه أبا المرقال
قال اللص القاضي أيده اللـه تعالى يرجع إلى خلعة غير هذه أحسن منها منظرا وأجود خطرا وأنا لا أملك سواها ومتى لم تكن السراويل في جملتها ذهب حسنها وقل ثمنها لاسيما والتكة ( حبل السروال )مليحة وسيمة ولـها مقدار وقيمة فدع ضرب الأمثال وأقلع عن ترداد المقال فلست ممن يرد بالمحال ما دامت الحاجة ماسة إلى السروال ثم أنشد
دع عنك ضربك سائر الأمثال
واسمع إذا ما شئت فصل مقال
لا تطلبن مني الخلاص فإنني
أفتي فمتى ما جئتني بسؤال
ولأنت إن أبصرتني أبصرت ذا
قول وعلم كامل وفعال
جارت عليه يد الليالي فانثنى
يبغي المعاش بصارم ونصال
فالموت في ضنك المواقف دون أن
ألقى الرجال بذلة التسآل
والعلم ليس بنافع أربابه
أولا فقومه على البقال
ثم قال ألم يقل القاضي إنه يتفقه في الدين ويتصرف في فتاوي المسلمين
قال القاضي أجل
قال اللص فمن صاحبك من أئمة الفقهاء
قال القاضي صاحبي محمد بن إدريس الشافعي
قال اللص اسمع هذا وتكون بالسراويل حتى لا تذهب عنك السراويل إلا بالفوائد
قال القاضي أجل يا لـها من نادرة ما أغربها وحكاية ما أعجبها
قال أي شيء قال صاحبك في صلاة الفجر وغيرها وأنت عريان
قال القاضي لا أدري
قال اللص حدثني أبي عن جدي عن محمد بن إدريس يرفعه قال قال رسول اللـه
صلاة العريان
جائزة ولا إعادة عليه
تأول في ذلك غرق البحر إذا سلموا إلى الساحل فنزع القاضي السراويل وقال خذه وأنت أشبه بالقضاء مني وأنا أشبه باللصوصية منك يا من درس على أخذ ثيابي موطأ مالك وكتاب المزني ومد يده ليدفعه إليه فرأى الخاتم في إصبعه اليمنى
فقال انزع الخاتم
فقال القاضي إن هذا اليوم ما رأيت أنحس منه صباحا ولا أقل نجاحا ويحك ما أشرهك وأرغبك وأشد طلبك وكلبك دع هذا الخاتم فإنه عارية معي وأنا خرجت ونسيته في إصبعي فلا تلزمني غرامته
قال اللص العارية غير مضمونة ما لم يقع فيها شرط عندي ومع ذلك أفلم يزعم القاضي أنه شافعي
قال نعم
قال اللص فلم تختمت في اليمين
قال القاضي هو مذهبنا
قال اللص صدقت إلا أنه صار من شعار المضادين ( شيعة علي رضي الله عنه )
قال القاضي فأنا أعتقد ولاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللـه وجهه تفضيلـه على كل المسلمين من غير طعن على السلف الراشدين وهذا في الأصول اعتقادي وعلى مذهب الشافعي في الفروع اعتمادي
فأخذ اللص في رد مذهب الرفض وجرت بينهما في ذلك مناظرة طويلة رويناها بهذا الإسناد انقطع فيها القاضي وقال بعد أن نزع الخاتم ليسلمه إليه خذ يا فقيه يا متكلم يا أصولي يا شاعر يا لص وخشية المملوك من سارق المعاني على بنات فكره مثل خشيته من سارق البين على ثياب صبره وكلا الخشيتين فوق خشية هذا القاضي على ثياب بدنه من هذا السارق ومكره أما بنات الأفكار فقد رأيت من يجعلـها حدودا وينزل الباطل على أوكارها ولا يخاف قول الحق على زهقه صعودا ويقطع القلب فكيف باليد والرجل ثملا يقول قولا سديدا وأما ثياب الصبر فقد مزقها فراقكم الذي جرى منه على المملوك ما لا يجري على السماء من أرض مصر إذا انعقد غبارها وارتفع إليها من أصوات أبغض العجم ناطقا وهو الذئاب جؤارها وصعد إليها مما يجري بين لابتيها على ألسنة الملائكة أخبارها ولا على الأرض من السماء في الشام من الأمطار التي ظلت بها الحجرات واقعة وتلت الألسن عند قرعها {القارعة ما القارعة}وأصابت إلا أنها على كل حال رحمة أهلا جميعا وإن ظنوا أن حصونهم مانعه وكأني بمولانا يقول إني عرضت بمصر فأعارضه بما قلته في الشام وأبين لمولانا الإمام أنه ليس لكلامي بذلك إلمام وكيف أعرض بالبحر الصريح والفلك تجري فيه مواخر وكل مركب إذا زحزحتها الريح فقذفت متاعها غيمت الآتية بعدها قائلة
كم ترك الأول للآخر
اسم الكتاب: طبقات الشافعيه الكبرى
رقم الجزء: 1
رقم الصفحة: 196