لم تكُن الدعوةُ السلفيّةُ -يوماً- دعوة تعصُّبٍ، أو تحزُّب، دعوةَ تَكديس (!)، أو تقديس؛ وإنَّما هي -دوماً- دعوةُ علمٍ وحُجَّة، دعوة بيِّنة وبُرهان، دعوة أخوة واعتصام:
ولقد كنتُ قلتُ -قبل نحو سنةٍ- في كتابي ((التنبيهات المتوائمة… في الرد على (رفع اللائمة)..)) (ص146-147) ما نصُّهُ:
((كان منَّا -ولله المنَّة- قَولٌ يَتكرَّر، وقاعدةٌ تتقرَّر؛ كلأنا بها أسْمَاعَ النّاس، وَنَثَرْنَاها في صَفَحاتِ كُلِّ قِرطاس –لتكون أعظمَ نِبراس-؛ وَهِي قَولُنا -بتوفيق ربِّنا-: المسَائِلُ الكِبَار لَيسَ لَهَا إلا العُلَماء الكِبَار…
وإذ نُؤكدُ هذِهِ القاعِدَةَ، ونُثَبِّتها، ونُرَسِّخها؛ فإنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيْنَا -والحمدُ للهِ-بشأنها- التَّفريق بين (التَّقديرِ)، و (التَّقديس):
فإنَّ (تَقديرًنًا) لِعُلَمائِنَا ومَشَايِخِنا حَتْمٌ واجِبٌ، وفَرْضٌ لازِمٌ؛ لا انفِكَاكَ لنا منهُ، ولا بُعْدَ لنا عَنهُ…
وهذا (التَّقديرُ) مَبعَثُهُ ودَافِعُهُ: المَنْهجُ العلميُّ المُنضَبِطُ، الجامِعُ بَيْنَ العِلمِ والحِلمِ، والحُجَّة والبُرْهَانِ.
وأمَّا (التَّقديسُ): فلا يَكونُ إلا لِنُصُوصِ الكَمالِ والعِصمةِ؛ مِن كِتابِ اللهِ –تعالى-، وَسنَّةِ رسُولِنا -صلى الله عليه وسلم-؛ فَهُمَا الأصلانِ العَظيمانِ، اللَّذانِ لا خَلَلَ فِيهما، ولا نَقصَ يَعتريهِمَا:
فـ(تَقدِيرُ) العُلَماء: قَائِمٌ على هَيبَة العِلم، وعِظَمِ قَدره.
و(تَقْدِيسُ) الحَقِّ: مبنيٌّ على كِبَرِ أثَره، وجَلالَةِ مَصدَرِه.
فَخَلطُ الأوراقِ، واضطِرَابُ الأولويَّاتِ: يُفسِدُ القضيَّة، ويُعظِمُ البليَّة)).
وأنَّه -على ضوءِ ذا- يأتيني عددٌ مِن الإخوة الأفاضل ببعض نُقول، أو أقوال -لبعض أهل العلم- فيها ردٌّ أو تعقُّبٌ -عليَّ أو على غيري-؛ فأنظر:
أين الدليلُ على هذا النقد؟أين الحُجَّة على هذا الردّ؟! أين البيِّنة على هذه الدعوى؟!
هل دعوتنا السلفيّة دعوةُ (نقد) بدليل؟ أم دعوةُ (نَقْد) بغير دليل؟!
وإلا؛ فالتسفيه: يقدرُ عليه كلُّ واحد…
والتشويه: يستطيعه الأقربون وكذا الأباعد…
ولكنْ؛ أين هذا –وذاك- مِن دُعاةِ السَّلفيَّة الأماجد؟!
ولئن خطَّأنا من يُخطِّئنا، ورَدَدْنا عليه قولَه، ولم نقبل زعمَه؛ لكنّ ذلك -بإذن الله- لن يجعلَنا نُعامِلُه بمثلِ ما عامَلَنا به؛ وبخاصَّةٍ مع مَن كانت له سابقةُ علمٍ وسنٍّ وفضلٍ في هذه الدعوة المباركة…
مع التنبُّه –والتنبيه- إلى أنَّ الأخذَ بالزلّة والزَّلتين –على اعتبارِ تحقُّقهِما- فعلاً! لا يكونُ -بِمجرّد- مسقطاً!! ولو كان لكان في المُنتقِد أولى من المُنتَقَد!!!
فـ: الحمدُ لله أنَّنا سلفيُّون: لا حزبيُّون.. ولا عصبيُّون.. ولا عنصريُّون.. ولا مقلّدون.. ولا لغير الله مُقدّسون… اللهم -ربَّنا- ثَبِّتنا على هُداك حتى نلقاك؛ غَيْرَ مغيِّرين ولا مُبدِّلين…
وعليهِ؛ أقولُ: إنَّ هذا الموقع -بمنَّة الله- سيكون واحةَ علمٍن لا ساحةَ حربٍ!!
فَمن عنده زهرةٌ يغرسُها: فنحن معه… ومَن رأى شوكةً ينزعها: فدُعاؤنا له… ومَن سعى إلى الهيجا بمحضِ الصِّياح فلسنا معه… ومن لم يُميِّز مواقع الرمي والسِّلاح: فتسديدُنا إيَّاه…
كلُّ ذلك محوطٌ بـ: الاعتصام، والتواصي، والتعاون… ومن لا: فلا!!
وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.