البرلمانات ووظيفتها
لا شك أن النصر لا يتحقق إلا بوسيلة حق فهل ترى أن البرلمانات التي وظيفتها سن القوانين وتعديلها وسيلة حق؟ وهل إشكالية التشريع مطروحة لهذه الأمة حتى نعين من يقوم بها؟
لا بد أن نفهم أن البرلمانات المقصود بها النيابة عن الأمة في ما يتعلق بعقد الصفقات وتعيين من يحكمها واختياره ومراقبته، وهذه أمور من شأن البشر، هم الذين يقومون بها، ولا يمكن أن تترك فوضى، أما تحليل الحرام أو تحريم الحلال أو نحو ذلك فليس هذا من صلاحية أحد من الناس، بل هو من تشريع الله جل جلاله، والاجتهاد في الأحكام المتجددة إنما هو للراسخين في العلم فقط ولا يشترط أن يكونوا برلمانا ولا غير ذلك بل هم يفتون بما أراهم الله سبحانه وتعالى كما قال الله تعالى: ﴿ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستبنطونه منهم﴾، لكن لا بد أن يكون للناس نواب ينوبون عنهم في ما يتعلق بحقوقهم العامة لما أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أوطاس لما أتاه بنو هوازن فسألوه أن يرد عليهم السبي والغنائم قال: «ما كان لي ولبني هاشم فهو لكم وما كان للناس فدعوني حتى أسألهم، فسأل الناس فكثر عليه اللغط فلم يدر من قبل ممن رفض، فقال: أخرجوا إلي عرفاءكم، فأخرج الناس إليه عرفاءهم فأخبروه أنهم رضوا»، فالعرفاء هم النواب الذين ينوبون عن الناس فيمثلونهم، لأنه لو تكلم الناس جميعا لم يعرف من قبل ممن رضي ممن رفض، ولذلك قال: أخرجوا إلي عرفاءكم، وقد أخرج أبو داود في السنن أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يستقيم الناس إلا بعرفاء»، فلا يمكن أن يستقيم أمر الناس إلا بعرفاء ينوبون عنهم لأن الناس لا يمكن أن يتكلموا جميعا في كل صفقة مع الاتحاد الأوروبي مع أي صفقة في استيراد في بيع السمك في بيع الحديد في بيع النفط هل يمكن أن تعرض على جميع الشعب ويشارك جميعا فيها، لا يمكن أن يتم هذا ولا يطالب به عاقل، وإذا ترك ذلك إلى رئيس أو وزير فقط فسيقع الاستبداد وستنتشر الرشوة وسيقع الفساد وهذا ليس مصلحة لأحد، فلذلك من الأفضل أن يشارك أهل العقل والمشورة والعلم والورع فيعرض عليهم صفقات البلد ومصالحه لأن البلاد وما عليها ملكها الله للسكان فجعلها أمانة لديهم وفيها حقوق الأجيال الآتية، وعليهم أن يتصرفوا فيها تصرف الوكيل ينتظر العزل في كل حين، وأن يتصرفوا فيها تصرفا رشيدا، فانتهاب الخيرات وتبذيرها وإفسادها هذا كله مناف للمقصد الشرعي وهو غير مقبول ولا بد من صيانتها وحفظها، ولو تركت الأموال العامة لم يرعها أحد، وحوفظ على الأموال الخاصة لأصبح المجتمع منقسما إلى قسمين أغنياء يزدادون غنى، وفقراء يزدادون فقرا، وهذا كما تعلمون مضرته بالغة، وهو مخالف للمقصد الشرعي، فلذلك من المهم أن يكون للناس ممثلون يناقشون عن مصالحهم ويتكلمون باسمهم ولا بد أن يكونوا من أهل الثقة والورع وأن يختاروا على أساس ذلك، وقد سئل مالك عن شروط الخليفة أو من ينوب في أمر العامة فذكر الشروط ثم قال: ولا أراها اليوم تجتمع في واحد، فإن لم تجتمع فورع عاقل، فبالعقل يسأل وبالورع يكف، فلذلك يطلب في النائب أن يكون ورعا عاقلا، فالعقل يقتضي منه استيعابا وسؤالا، إذا جهل حكما يسأل عنه وبعقله يفهم الجواب، وأن يكون ورعا ليلا يتكلم في ما لا يحسن، فالورع به يكف فلا يتكلم في ما لا يعرفه، ولا يشارك في ما لا يعرف حكمه، الورع يمسكه عن ذلك، والعقل يتمم به ما نقص من علمه حتى لو كان لديه نقص كبير في علوم الشريعة إذا كان لديه عقل يستطيع به أن يسأل أهل العلم ويتفهم فيدرك الأمور.
..............................................من موقع الشيخ بقية السلف ولد الددو