سألني سائل عن حديثٍ بلفظٍ غريب، فبحثتُ عنه فيما تيسَّر لي فيه النظرُ مِن الفهارس، وما أعانتني عليه الذاكرة من الكتب، فلم أره! فذكرتُ له عدمَ صحَّتهِ – على ما ترجَّح لديَّ –مِن عدم وجدانهِ، وغرابةِ لفظِه! ثُمَّ بعد ذلك بزمنٍ:
وقفتُ عليهِ –والحمدُ لله-؛ فقد رواه ابن حبان في ((صحيحه)) (1048)، وابن المبارك في ((مسنده)) (64)، وفي ((الزهد)) (1244)، وابن شاهين في ((الترغيب)) –بعضُهم ذكره عن ابن عمر، وبعضُهم ذكره عن أبي هُريرة-، أنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((من بات طاهِراً: بات في شِعاره مَلَكٌ؛ فلم يستيقِظ [ساعةً من ليل] إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان؛ فإنّه بات طاهِراً)).
وقد جوَّد سنده المُنذريّ، والهيثميُّ، وابن حَجَر.
ووافقهم شيخنا الإمام الألباني –رحمه الله- في بحث مطوَّل في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2539).
والحمدُ لله على ما وفَّق –سبحانه-، وأسأله أن يَزيدني توفيقاً، ويُسدِّدني طريقاً…
{ربنا اغفر لنا إن نسينا أو أخطأنا}.
والحديث الثاني:
فقد سمعتُهُ –منذ أمَدٍ- مِن عددٍ مِن الشباب: يذكرونه بينهم، ويُشهِرونهم بين عامَّتهم؛ وكُلَّما أردتُ البحثَ عنه، أو النظرَ فيه: شَغَلَتْني شواغل –أسأل الله –تعالى- أن يشغَلني بِطاعته-.
وأمسِ –الجمعة: 17 ربيع الأول 1425- ابتُليت بخطيبِ جمعةٍ كأنّه حضَّر موضوع خطبته من موضوعات (!) ابن الجوزي!!!
إذ جاءت جلُّ الأحاديث التي أوردها بين ضعيفٍ، وضعيفٍ جدّاً، وموضوعٍ!
وكان ممَّا أورده: هذا الحديثُ الذي ذكَّرني به، وأنا –الآن- بصددِ بيانه، والبحث فيه: وهو:
((من أعان على قتل مؤمنٍ بشطر كلمةٍ؛ لقيَ الله –عزَّ وجل- مكتوبٌ بين عينيه: آيِسٌ من رحمة الله))!
وقد أورده –فعلاً- ابنُ الجوزي في ((الموضوعات)) (2/104)!!!، وهو في ((سنن ابن ماجه)) (2620).
ورواه العقيلي في ((الضعفاء)) (4/1495)، والبيهقي في ((سننه)) (8/22) عن أبي هريرة –مرفوعاً-.
وقال العُقيلي –في يزيد الشامي أحد رواته-: ((يزيد –هذا- قال البُخاري: منكر الحديث)).
قال: ((ولا يُتابعُهُ إلا من هو نحوه)).
وقال البيهقي: ((ويزيد منكر الحديث)).
ونقل الذهبي في ((الميزان)) (7/243) –في ترجمة يزيد- قولَ أبي حاتم في الحديث: ((باطل موضوعٌ)).
وقال شيخنا –رحمه الله- في ((السلسلة الضعيفة)) (2/2): ((وتعقَّب ابن الجوزيِّ السُّيوطيُّ في ((اللآلئ)) (2/187-188) بشواهدَ أوردها تقتضي أنّ الحديثَ ضعيفٌ([1]) لا موضوع)).
قلتُ:
ثمَّ نقَلَها –رحمه الله-، ونقَدَها-.
فكان منها:
حديثُ ابن عمر؛ الذي رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (2177)، والبيهقي في ((الشُعب)) (5346) مِن طريقين عن عُبيد الله بن حفص بن أبي ثروان: حدثنا سلَمة بن العيَّار أبو مسلم الفَزَاري، عن الأوزاعي، عن نافع –مرفوعاً-.
قال شيخنا:
((ورجاله ثقات غير ابن حفص –هذا-؛ فلم أجد له ترجمة)).
قلتُ: هو في ((الثقات)) (8/430) لابن حبان؛ وقال: ((روى عنه أحمد بن موسى بن إسحاق الحمار، وأهل الكوفة)).
فمثلُهُ –على ما يختاره شيخُنا –رحمه الله- حَسَنُ الحديث.
قلتُ: وممَّا يزيدُهُ قوَّةً بعضُ الشواهدِ –الضعيفة يَسيراً- التي أوردها شيخُنا؛ مثل: حديث عمر في ((حلية الأولياء))، ومرسل عروة بن الزبير عند ابن لؤلؤ في ((الفوائد المنتقاة)).
فينشرحُ صدري –بعد ذا- إلى تحسين الحديث، وثبوتهِ([2]).
وهذا البَحْثُ من نتائج سماع تلك الخطبة المليئة بما لا يثبُتُ من الأحاديث!
وكما قيل: ربَّ ضارَّةٍ نافعة!!!