نُشرت مؤخرا إحصائية لوزارة الداخلية الفرنسية، تشير إلى وقوع 4412 حادثة اغتصاب خلال العام الماضي في فرنسا، أي ما معدله حادثة كل ساعتين تقريبا، إذ تعيش الفرنسيات، وبالأخص الشابات المقيمات في باريس، تحت هاجس الخوف من التعرض للعنف، الذي قد يصل إلى حد الاغتصاب، أثناء عودتهن إلى بيوتهن ليلا، كما أشارت الكثير من التعليقات، التي رافقت الكشف عن تلك الأرقام، حيث احتلت تلك القضية حينها مركز الصدارة في نشرات الأخبار ووسائل الإعلام الفرنسية.
يأتي نشر الإحصائية مترافقا مع صدور كتاب لمساعدة عمدة باريس كليمانتين اوتان، 33 عاما، كشفت فيه تعرضها للاغتصاب قرب جامعة باريس الثامنة، الواقعة في الضاحية الشمالية، عندما كانت طالبة هناك. المؤلفة التي تخصصت في مشكلات الشباب، أوضحت كيف أن الاعتداء عليها تم تحت تهديد سكين كانت بيد الجاني. وتتم معظم حالات الاغتصاب في المناطق الشمالية من باريس، تحت تهديد السلاح الأبيض، وفي مواقف السيارات الداخلية أو الحدائق الخالية، ويقوم بها أكثر من شخص واحد أو مجموعة من شبان، حسبما تشير تقارير الشرطة.
وهناك شرطيات من النساء متخصصات في تلقي بلاغات هذا النوع من الحوادث والتعاطي مع ضحاياها. لكن الأجهزة الأمنية تعترف ـ حسب تقرير لصحيفة عربية صادرة من لندن- بأن البلاغات المسجلة هي جزء بسيط من حالات الاغتصاب التي تتم في الواقع، ذلك أن أغلب الضحايا يقعن تحت الشعور بالخوف والمهانة ويلجأن إلى الصمت.
وبينهن من تتصل هاتفيا بالأرقام التي وضعها تحت تصرفهن "التجمع النسائي ضد الاغتصاب"، وهو جمعية مقرها العاصمة باريس، تأسست لمساعدة النساء من ضحايا العنف الجنسي. وتؤكد المشرفات على الجمعية أن واحدة فقط من كل 10 مغتصبات تجرؤ على الذهاب إلى مركز الشرطة لتقديم شكوى، مما يعني أن الأرقام الحقيقية أكبر بكثير من الأرقام المعلنة رسميا.
تفشي ظاهرة الاعتداءات الجنسية وانتشار تجارة الرقيق الأبيض وتهريب النساء في الغرب، والتي تقدر بمليارات الدولارات، إضافة إلى الاعتداءات الجنسية على الأطفال، حتى لجأت بعض الحكومات –كندا مثالا- لتجريم مواطنيها، ممن يقيم علاقات آثمة مع الأطفال خارج الحدود، كما يفعل رواد السياحة الجنسية للبلاد الفقيرة والمعدمة.
هذه الظواهر تسقط أي مصداقية للادعاءات، بأن الانفتاح الجنسي أو بالأحرى الإباحية تخفف من الضغوط والتحرشات الجنسية، كما أنها تشير وبوضوح إلى الخلل الأخلاقي الكبير الذي يعانيه الغرب خصوصا والعالم عموما، مع طغيان القيم المادية، وتراجع الموازيين الأخلاقية.
فرنسا التي منعت طالباتها المسلمات من ارتداء الحجاب في مدارسها مع ما في ذلك من اعتداء على حرياتهن الشخصية في مجتمع يبيح الشذوذ ويسمح بالتعري, على الرغم من أنها –فرنسا- كما تظهر إحصائياتها بحاجة ماسة وعاجلة لإعادة النظر في منظومتها الأخلاقية، والتي أجزم أن في القيم الإسلامية الرفيعة، ومنها العفة والطهارة والحجاب -والذي تشاطر الراهبات فيه المسلمات-، ما يشكل حلا جذريا تحتاجه فرنسا والغرب، بل والعالم في مواجهة الاختلال الكبير في الأمن الاجتماعي، وتفشي مرض نقص المناعة –الايدز-.
لقد قامت الدنيا في وسائل الإعلام الاسترالية ولم تقعد، ورافق الأمر هستيريا إعلامية عبرت الحدود وانتشرت عالميا، منددة بتصريحات مفتي استراليا الشيخ تاج الدين الهلالي، لأنه وفي درسه المغلق اعتبر أن التعري والتبرج واحدا من الأسباب المؤدية لانتشار جريمة الاغتصاب وتفشيها.
وإن كنت أفهم مغزى الهجوم على الرجل والمبالغة في تأويل تصريحاته ومحاولة اغتياله معنويا، الذي يندرج في إطار حملة مبرمجة ومكثفة تهدف إلى إرهاب مسلمي الغرب ومحاصرتهم، ووضعهم وباستمرار في موقف دفاعي يشغلهم عن المطالبة بحقوقهم محليا والتفاعل مع قضايا أمتهم عالميا كما تفعل الجاليات اليهودية هناك.
الغرب الذي يفتح الباب واسعا, وتحت مسمى حرية التعبير المقدسة, أمام كل دعي وحاقد للهجوم على الإسلام والتجديف فيه، والتطاول على رموزه والإساءة لمقدساته, تضيق عنده حرية التعبير تلك، إذا كان الأمر مرتبطا بموقف إسلامي، فكريا كان أو إعلاميا, ولتُشن بعد ذلك حملات إرهاب فكرية وإعلامية تحت مسميات شتى، منها مواجهة التطرف ومكافحة الأصولية وما إلى ذلك.
إن لغة الأرقام الصادرة من المؤسسات الغربية، والتي يصعب مواجهتها، تشير إلى خلل كبير في النظام العالمي من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، مما ينعكس على المشهد السياسي الدولي, والذي تسود فيه وتسوسه الدول الغربية, ظلما وقهرا، ونفاقا فاقعا في ألوانه وأشكاله.