عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في صحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته :
وبعد: فلما رأيت بعض القوم هداهم الله أو قصم ظهورهم يتطاولون على خير الخلق بعد الأنبياء و الرسل آرتأيت أن أساهم بهذه المساهمة المتواضعة و التي تبين عقيدتنا في الصخاب الكرام رضي الله عنهم و أرضاهم
فهــــــــــــــيـــــــــــــــــا بسم الله مجراها و مرساها:
بسم الله الرحمن الرحيميعتقد أهل السُّنَّة والجماعة أن الصحابة هم خير الناس، لعظيم فضل الصُّحْبة التي صحبوا بها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، لذا فإنهم-أي: أهل السُّنَّة- يحبونهم ويتولونهم من غير إفراطٍ ولا تفريطوقد جاءت النصوص مُبَيِّنة مكانة الصحابة-رضي الله عنهم- عموماًفأمَّا الكتاب:-1-فقال-تعالى-:"وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"2-وقال-تعالى-"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ..."3-وقال-عز وجا-:"لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ "4-وقال-سبحانه-" وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير"وأمَّا السُّنَّة فمن ذلك:-1-قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:" لا تسبُّوا أحداً من أصحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفة"مسلم2-وقال –صلى الله عليه وسلم—كما في حديث عمران بن الحصين-رضي الله عنه-:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" قال عمران:"فلا أدري أذكَرَ بعد قرنه: قرنين أو ثلاثة" متفق عليهومن الآثار:-قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-:"إن الله نظر في قلوب العِباد فوجد قلب محمد خير قلوب العِباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته،ثم نظر في قلوب العِباد فوجد بعد قلب محمد-صلى الله عليه وسلم-قلوب أصحابه خير قلوب العِباد فجعلهم وزراء نبيِّهِ يقاتلون على دينه" أخرجه أحمد والطبراني وغيره، وحسَّن اسناده الألباني في " الضعيفة"(532)و" تخريج الطحاوية"(470)وقد ذكر أهل السُّنَّة والجماعة العقيدة في الصحابة في كتبهم للردّ على من خالف في ذلك،ولبيان فضلهم ومنزلتهم.قال الشيخ عبد المحسن العَبَّاد-حفظه الله- في ردِّهِ على المالكي الذي اتَّهم أهل السُّنَّة بأنهم وسَّعوا جانب العقيدة، فأدخلوا فيها ما ليس منها، ومنها مباحث الصحابة، قال-حفظه الله-:-"وأمَّا ذِكْرُ أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في كتب العقائد، لبيان فضْلهم وعلو قدْرِهِم، لأنهم خير القرون المُفضَّلة، فليس بغريب على مباحِث العقيدة، لأن الكتاب والسُّنَّة هُما الينبوع الصافي الذي تُسّتمد منه العقيدة، ويُستمد منه كل خير وهُدى، ولم يعرف الناس الكتاب والسُّنَّة ولم يصلا إليهم إلا عن طريق الصحابة، فهم الواسطة بين غيرهم وبين رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولا يَسْتنْكر ذِكر الصحابة في كتب العقائد إلاّ من امتلأ قلبه بأمراض الشبهات،وشوى قلبه الحقد على خير هذه الأمَّة التي هي خير الأمم"(" الإنتصار لأهل الحديث" ص49-50 )قال الطَّحاوي- رحمه الله- مُبَيِّناً العقيدة في الصحابة:-" ونحب أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ولا نفرط في حب أحدٍ منهم،ولا نتبرأ من أحدٍ منهم،ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكُرُهم،ولا نذْكُرهم إلا بخير، وحُبُّهم دِيْن وإحسان، وبُغْضُهم كُفْر ونفاق وطغيان"( شرح الطحاوية"ص:467)فأهل السُّنَّة وسطٌ بين طائفتين:الأولى: الروافض الذين يبغضون الصحابة ويَسبُّونهم ويتبرأون منهم الثانية: النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عملقال شيخ الإسلام-رحمه الله-:" فهم وسط في اصحاب رسول الله بين الغالي في بعضهم الذي بإلهيةٍ أو نبوةٍ أو عصمةٍ، والجافي فيهم الذي يُكفِّر بعضهم أو يُفسِّقه، وهم خِيار هذه الأمَّة"(الجواب الصحيح1/75)أمَّا النواصب فهم الذين أفرطوا في بُغْض علي –رضي الله عنه-قال ابن المنظور في " لسان العرب":" النواصب قوم يتديَّنون ببُغْض علي-رضي الله عنه-، وهم يُظهرون هذه العداوة، فإن النَّصب في اللغة إقامة الشيىء ورفعه، فكل من أظهر شيئاً فقد نَصَبَه.ينظر" النهاية "(5/60)وكما أنهم يظهرون العداوة لعلي –رضي الله عنه- ، فإنهم يظهرونها أيضاً لأهل البيت الذين اتبعوه، وكذلك لصحابه لمَّا جرى في الفتنة ما جرى من القتال" مجموع الفتاوى"(25/301)والنواصب طوائف ، منهم :-1-الخوارج، فإنهم سُمُّوا خوارج لخروجهم على علي-رضي الله عنه-قال الأشعري:"والسبب الذي سُمُّوا له خوارج: خروجهم على علي بن أبي طالب لما حَكَم"(مقالات الإسلاميين1/27)و( الفرق بين الفرق ص73) وإذا كان الخوارج قد خرجوا على علي –رضي الله عنه- فإنهم أيضاً كفَّرُوه، بل أجمعوا على ذلكقال الأشعري:"أجمعت الخوارج على إكفار علي بن ابي طالب-رضوان الله عليه-( مقالات الإسلاميين1/176)ولا شك أن الخوارج يدخلون تحت مُسمى النَّصْب لأن أعظم النَّصب : التَّكْفير2-بعض المعتزلة: فإن بعض المعتزلة-بل من أئمتهم وكُبرائهم-ناصبوا العداء لكثير من الصحابة-رضي الله عنهم-ومنهم علي ابن ابي طالب ، فهذا واصل بن عطاء يُفسِّق أحد الفريقين من أصحاب الجمل وصفِّين،وكان يتوقف في عدالة أهل الجمل ويقول:"إحدى الطائفتين فسقت لا بعينها، فلو شهدت عندي عائشة وعلي وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهم"(ميزان الاعتدال4/329)وقال بأنه لو شهد عنده أيضاً الحسن والحسين وابن عباس وعمار لم يقبل شهادتهم( الفرق بين الفرق ص:120) ووافقه تلميذه عمرو بن عبيد وقال:"لو أن علياً وطلحة والزبير شهدوا عندي على شراك نعل ما أجزته" وفي رواية" والله لو شهد عندي على وعثمان وطلحة والزبير على سواك ما أجزته"(تاريخ بغداد12/138)و( ميزان الاعتدال3/275)لكن عمرو بن عبيد خالف شيخه فقطه بتفسيق الفريقين جميعاومن أشهر المعتزلة الذين عابوا علياً-رضي الله عنه-: النظام والجاحظ وأبو بكر بن الأصم وغيرهم(طبقات المعتزلة)" لابن المرتضى ص56"2-بعض بني أمية: قال شيخ الإسلام-رحمه الله:"أمَّا علي فأبغضه وسبَّه أو كفَّره الخوارج وكثير من بني أمية وشيعتهم الذين قاتلوه وسبُّوه"(الفتاوى4/346)3-وقد فشى في الشام الطعن في علي-رضي الله عنه-، لكن العلماء يبثُّون فضائله ليحبُّوه الناس قال المزي-رحمه الله-:" كان أهل حمص ينتقصون علي بن ابي طالب –رضي الله عنه-، حتى نشأ فيهم اسماعيل بن عياش-رحمه الله- فحدَّثهم بفضائله فكفُّوا عن ذلك"(تهذيب الكمال3/170)وقال النسائي-رحمه الله- في سبب تأليفه لكتابه" خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب":"دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير، فصنَّفت كتاب" الخصائص" رجوت أن يهديهم الله –تعالى-"( السِّيَر14/129)إلا أن عقيدة النصب في الشام قد تلاشت بعد ذلك، قال الذهبي –رحمه الله:"كان النصب مذهباً لأهل الشام في وقت،كما كان الرفض مذهباً لهم في وقت،وهو في دولة بني عبيد، ثم عُدم-ولله الحمد- النصب، وبقي الرفض خفيفاً خاملاً"(ميزان الاعتدال1/76)وبهذا يتبيَّن أن النصب إنما انتشر في الشام في زمن بني أمية، للعصبية السائدة لدى الكثر،ويبيِّن هذا كلام الذهبي –رحمه الله-في" السِّيَر"(3/128)4-الرافضة:وذلك أن الرافضة جمعوا بين الغلو في بعض آل البيت، والجفاء عن البعض الآخَر، حتى أخرجوا بعضهم من الإسلام، والكلامية من الروافض كانوا يُكفِّرون علي بن أبي طالب ، لأنه ترك قتال الصحابة الذين لم يبايعوه" منهاج السنة"(3/472)*ومن نصبهم طعنهم في نسب ولد النبي-صلى الله عليه وسلم-، وذلك بإنكار بُنوَّة رُقيَّة وأم كلثوم وزينب للنبي-صلى الله عليه وسلم-" منهاج السنة "(4/592-596)*ومن نصبهم قدحهم وطعنهم في العبَّاس وولده وعقيل-رضي الله عنهم-" منهاج السنة"(4/64)وهم –أي: الرافضة-ادَّعوا المحبة لبعض آل البيت واتَّخذوه ستاراً لتنفيذ مرادهم وتحقيق أهدافهموالطعن في الصحابة دليل على خذلان صاحبه، ولا يطعن في الصحابة إلاّ من زاغ عن السُّنَّة وركب الأهواء،كما كان الطعن فيهم طريقاً إلى الطعن في النبي-صلى الله عليه وسلم-، وقد عَلِم هذا الأئمَّة، لذا قال مالك وغيره من أهل العلم عن الرافضة:"هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، إنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل:رجل سوء،كان له اصحاب سوء، لو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين"الفتاوى"(4/329)كما أن الطعن في الصحابة طعن في الإسلام والقرآن والشرائع،لأنهم هم الذين نقلوها،وهم الذين نقلوا فضائل علي وغيره، فالقدح فيهم يوجب أن لا يوثق بما نقلوه من الدين، فحينئذٍ فلا تثبت فضيلة لا لعلي ولا لغيره" الفتاوى"(4/329)قال الحافظ عبد الكريم السمعاني-رحمه الله-:" التعرض الى جناب الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة"الفتح"(4/365)ومن عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة الكفّ عما شجر بين الصحابة-رضي الله عنهم-،تطبيقاً لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-:"إذا ذُكِرَ اصحابي فأمسكوا، وإذا ذُكِرَ النجوم فأمسكوا، وإذا ذُكِرَ القَدَر فأمسكوا"صحيح مسلموعن عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-قال-عندما سُئِل عما جرى بين الصحابة:-"أمرٌ أخرج الله يدي منه لا أدخل لساني فيه" أخرجه الخلال في " السنة"وقال ابراهيم النخعي-رحمه الله-:"تلك دماء طهَّر الله ايدينا منها أفَنُلَطِّخَ ألسِنتنا؟"وقال الإمام الصابوني-رحمه الله-:"ويرَوْن الكفّ عما شجر بين أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وتطهير الألسنة عن ذِكر ما يتضمن عيباً لهم ، ونقصاً فيهم"عقيدة السلف اصحاب الحديث"(ص:294)وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم |