ولدي الحبيب
كـم حـمـلـتــك كرهاً ووضعتك كرها، وتحمّلت آلام المخاض لأُقلِّدك تاج آبائك فأنت سلـيل المجد عنوان الفداء.
وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام
لم أزل أعقد فيك أمــجــاداً وأحـــلاماً عِراضاً وأمنياتٍ؛ فآباؤك صنعوا مجدك البرّاق ومن يشابه أباه فما ظلم.
مرّت عليَّ سنوات وقرون كنتُ فــيـهـا الملكة تحت حماية الشرفاء أتيهُ سعادةً وفخراً؛ فأنا بـيـن بُــنـــاة المجد آساد الشّرى لم يجُلْ في خاطري تبدُّل الحال؛ لأن أصل المجد ثابت وفرعه في السماء، وإن كنتُ قد سمعت عن ريح عاد ولكنني لم أرَها.
كانت المـنـابـر ـ يا ولدي ـ ترتعد خوفاً عندما يغشاها الأبطال آباؤك ورجع الصّدى يذوب فَرَقاً من جَهْوَريِّ الصوتِ قويِّ الكلمةِ واثقِ النفس ورائعِ القيادة.
وكانت الـجـمــوع تحتشد ـ تحت المنابر ـ طاعة وإذعاناً لمن صنعوا ملحمة البطولة وحملوا لواء الفداء؛ ولاريب أن المنابر من ميراث آبائك وأجدادك لا يَشْركهم فيها أحد عندما كان الدّين همَّهم ونــشــر الـعـقيدة دَيْدَنَهم والفتوحات هدفهم والجهاد هو الترياق لهم والبلسم الشافي لأحوالهم.
وها أنت اليوم تهيم في ذنـوبــك وما بعته بالأمس لا يمكن أن يُهدى إليك اليوم، ولا يلـيق بالتاج أن يبقى على رأسك. وأنت الآن بين خيارين لا ثالث لهما:
إما أن تبقى ذليلاً مهاناً ترتعد فرائصك من مغتصبي أمجادك.
وإما أن تعود كما كان آباؤك، وتبني مجدك المهدّم.
وليست على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن علـى أقدامنا تقطــر الدَّمــا
وهل نمت قرير العين وقد جُرِّدت من كل شيء وأصبحت غريباً أصوليّاً مُتطرّفاً رجعيّاً لا تليق بك الحضارة؛ لأنك من الدول النامية؟
وبعدُ يا ولدي:
فإنني أرى أن كثرة الجراح لا بد أن توقظك يوماً مَّا من سُباتك، وتكالبُ الأعداء عليك لا بد أن يُحدث لك يقظة هائلة تقلب فيها الموازين الفاسدة، وتعيد الحق لأهله.
ولأنني أمك الرَّؤُوم عليك فإن أمنياتي بعودتك كبيرة، ولا زلتُ أرقب تلك اللحظة عندما ترفع رأسك من الهوان وتعود إلى طبيعتك الأصيلة ومجدك الأخّاذ.