كيف تنقد من سقط في حبال الحزبيين و أهل البدع
--------------------------------------------------------------------------------
"أخي -رعاك الله-: عليك بِمراعاة حال المخاطَب، فإن كان المخاطَب من العامة البسطاء الذين لا يفهمون اصطلاحات العلماء: بدعة، أهل البدع والأهواء، الجرح والتعديل، الرد على المخالف أصل من أصول أهل السنة.. إلخ.
ولا يدرك عقله تَحذيرك من هؤلاء، فمثل هذا عليك أن تعظِّم شأن العلماء
-حقًّا- في قلبه، وتكثر من ذكر أسمائهم على مسامعه، وتوافيه أولاً بأول ببعض كتبهم ودروسهم التي تناسب فهمه، وفي نفس الوقت تتغافل تمامًا عن ذكر هؤلاء الخطباء، وإذا هو أثار الكلام عليهم تشعره بعدم اهتمامك بِهم، فلا ترفع لهم رأسًا، بل تزهِّده في الاستماع لَهم، فمع مرور الوقت، إذا أراد اللّه بِهذا العبد خيرًا، سوف تجده تلقائيًّا، تضعف همته عن مواصلة التلقي عن هؤلاء الخطباء، بسبب أنك قد استوليت على قلبه بحسن نصحك وتوجيهك ودماثة خلقك وإحسانك إليه، فيُدرك أنك لم تدع إرشاده إلى هؤلاء إلا لشرٍّ فيهم، هذا مع بداية تعلُّقه بالعلماء، وإدراكه للفارق الجلي بين طريقة العلماء في عرض المسائل الذي يتسم باليسر والوضوح الموافق للفطرة، وبين طريقة هؤلاء الخطباء الذي يتسم بالعنت وإشعار السامع باليأس والعجز عن فعل ما يرمون إليه، حيث إن أغلب خطب هؤلاء تتضمن -كما ذكرنا- استعراض خطوب المجتمع والنوازل التي تحل به، مع التهييج على الحكام، مِما يعجز العامي عن تغييره، لكن هذا الخطيب يلهب عاطفته، ثم يدعه حيرانًا لا يدري ما هو المطلوب منه!! كما قال الحافظ زين الدين العراقي : في كتابه "الباعث على الخلاص من حوادث القُصَّاص ([1]): "ومن آفاتهم: أن يحدِّثوا كثيرًا من العوام بما لا تبلغه عقولهم فيقعون في الاعتقادات السيئة، هذا لو كان صحيحًا؛ فكيف إذا كان باطلاً؟! وقال ابن مسعود: ما أنت محدِّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة، رَوَاهُمُسْلِمفي مقدِّمة صحيحه...فلو أمسكوا عن الكلام وآفاته كان خيرًا لهم".
لكن الأمر الذي قد يدعو هذا العامي إلى معاودة الكَرة بالاستماع إلى أمثال هؤلاء الخطباء هو أنهم يدغدغون عواطفه بطائفة من القصص والحكايات على طريقة القُصَّاص الذين تقدَّم ذكر تحذير السلف منهم، فيبيت هذا المخدوع كالطفل الذي يتلهى بالقصص والخيالات، ثم يزداد راحة بتفريغ شحنات السخط على الأوضاع القائمة حينما يتعرض هؤلاء الخطباء لغمز وسبِّ الحكَّام ثم الدعاء عليهم بالإبادة وأن يُرمِّل الله نساءهم ويُيَّتم أبناءَهم.
وأما إن كان هذا المخاطَب مِمن ظل سنوات يترنح بين هؤلاء الخطباء، وفي نفس الوقت قد نال نصيبًا من الانتفاع بالعلماء الكبار، فمثل هذا الصنف يجب معه المصارحة والمكاشفة بالتحذير من هؤلاء، وأن هؤلاء العلماء -الذين هم بشهادته علماء كبار-، قد حذَّروا من هؤلاء الخطباء بسبب مخالفتهم لبعض الأصول، ووقوعهم في طائفة من الأهواء، هذا مع تدعيمك له بالكتب والدروس التي تبين له منهج أهل السنة في الرد على المخالف ونقد الكتب والرجال والطوائف.
ثالثًا: اعلم -رعاك الله- أن دعوتك لِهؤلاء هي هداية دلالة وإرشاد فحسب، ليست هداية توفيق وسداد، فلست أنت مسئولاً عن قبول هؤلاء لتحذيرك من عدمه، فلا تحزن عليهم، ولا تقطع نفسك عليهم حسرات.
رابعًا: اعلم -أيضًا- أن عدم وجود علماء كبار في بلدك مع استيلاء بعض هؤلاء الخطباء على قلوب عامة أهل بلدك هو قدرٌ كوني حادث، لا ينبغي أن تنجرف معه وتسايره، بل يَجب عليك دفعه بالأقدار الشرعية والسُّنن السلفية حتى يتغير هذا القدر الكوني، فإن لم يتغير، فاعلم أنك قد أديت ما عليك من البلاغ، ولن تكون أفضل من الرسول الذي يأتي يوم القيامة، ولم يستجب له إلا الرجل والرجلان، أولم يستجب له أحد، وكُن على ذكر من قول ابن مسعود: "الجماعة هي الحقُّ ولو كنت وحدك|"، ولا يعني هذا أنك تحكم بالبدعة والضلالة على عامة أهل بلدك من المسلمين فتقع في الغلو في التبديع، فتشابه حال من وقعوا في الغلو في التفكير، مِمن قال أحدهم -هذه المقولة المشهورة-: "إني لا أعلم مسلمًا على وجه الأرض إلا أنا، وواحدًا في الهند"، قالَها وقد انتابه اليأس والعجز، فاعتزل جماعة المسلمين في بلده، فلا يحضر معهم جمعة ولا جماعة، ولا يبايع حاكمهم، بل هو يُكَفِّر الحَاكم والمحكومين.
فلا تقل أنت -لا بلسان حالك ولا بلسان مقالك-: "لا أعلم سلفيًّا في هذا البلد إلا أنا، وفلانًا فقط"([2])، نعم قد يكون الأقرب إلى منهج السلف واتباع العلماء في بلدك هم نفر معدودون، بسبب غلبة الدعوات الضالة على بلدك، لكن لا يعني هذا أن تحكم حكمًا مطلقًا على عامة المسلمين في بلدك بالبدعة والضلالة، بل عليك أن تفرق بين العامة البسطاء الذين وقعوا في بعض الأهواء لغلبة الجهل عليهم مع استيلاء خطباء هذه الفرق الضالة على قلوبِهم وبين المعاندين المتعصِّبين الذين تعصَّبوا لِهؤلاء الخطباء تعصُّبًا حزبيًّا جاهليًّا.
واعلم -رحمك الله- أن باب التبديع والتضليل هذا: بابٌ موصد على العلماء فقط مثل باب التكفير؛ فلا يجوز للمسلم العامي أن يُبَّدِع أحدًا هكذا باجتهاد نفسه.
فلتحذر من منهج الحدادية الذين غلوا في باب التبديع، فوقعوا في تبديع بعض الأئمة الكبار الذين قد تكون صدرت منهم زلاَّت في مسائل اعتقادية ومنهجية أمثال ابن حجر والنووي -رحمهما الله-، وذلك دون أن يكون لهم سلف من أهل العلم فيما قالوه من هذا التبديع والتضليل لهؤلاء الأئمة." اه. من كتاب الكواشف الجلية للفروق بين السلفية و الدعوات الحزبية البدعية. ص(241-244).
و هذا الكلام الذي ذكره الشيخ قد جربته و وجدته دواء نافعا بفضل الله و من خيرة الرسائل التي نورت بعضا ممن أعرفهم :
-كشف الشبهات العصرية عن الدعوة الإصلاحية السلفية للريس حفظه الله.
-بيرق الأمة في قضايا مهمة للشيخ بازمول.
-موقف المسلم من الفتن.
-السنة فيما يتعلق بولي الأمة.
-المدارج في كشف شبهات الخوارج.ثلاثتها للشيخ بازمول.
-الكواشف الجلية للفروق بين السلفية والدعوات الحزبية البدعية.
-مدارك النظر في السياسة الشرعية. و هي و الحمد لله متوفرة بالمغرب بمدينة الدار البيضاء و هذا من فضل الله و كذلك لو ينشط الأخ و ينسخ بعض الدروس القيمة للشيخ محمد رسلان على هيئة vcd كسلسلة الرد على سيد قطب و سلسلة العمل الجماعي و منهج الإخوان المسلمين و غيرها من المحاضرات المهمة فسيكون لها تأثير كبير في مسار الدعوة أما الجلوس و المجادلة بغير علم و الترفع عن المخالفين و ازدراؤهم و احتقارهم فهذا لا يحصل النتيجة المطلوبة و الله الموفق.
([1])نقلاً عن تحذير الخواص من أكاذيب القُصَّاص للسيوطي (ص 60- 61).
([2])ولنحذر من حدادية جديدة تنسف المخالف لها أو المتَّهم عندها بالتميع والانحراف من غير بيان ولا حجة ولا برهان.
ووفقكم الله لما يحبه و يرضاه