برغم كونه في شكله لا أكثر من "قطعة قماش" تجلل رأس المرأة وتحفظها من تلصص المفرطين إلا أنها صارت دوماً مصدر إزعاج أول لمناهضي الدين الإسلامي وأعدائه.
في الواقع هم يدركون ماهيتها على نحو ربما لا تدركه بعض من ترتدي الحجاب من بناتنا وأخواتنا ممن قد يستحسنه أو يعتدنه لا غير، بينما يبدي من يقهرهم مشهده فهماً عميقاً أحياناً لطبيعة دوره العظيم في درء الفتن، وإصلاح المجتمع، وتهيئة تربية واعدة للأسرة المسلمة يقف الحجاب الإسلامي ركناً فيها إلى جوار أركان عديدة لا تفرق بين مظهر ومخبر، وإفساح المجال للشباب المسلم لكي يرون مشهداً آخر لتكالب الأمم علينا وتساندها من أجل تذويبنا وقتل روح المقاومة فينا غير مشهد الفتيات المتبرجات والصور اللافتة، الحاصرة اهتمام كثير من الشباب في أفكار تعاكس تطلعات الأمة الإسلامية نحو نهضتها وانطلاقتها..
نعم، كل هذا يشعر به الغرب عندما يوحون إلى أوليائهم ليجادلوا المسلمين حول جدوى الحجاب، أو حينما يهرعون إلى أتباعهم ليناصبوا الحجاب العداء مجاوزين كل شعارات الحرية الشخصية التي جاءوا كأذناب للغرب بها "يبشرون".
ولعله حين يزداد الغرب تخوفاً من أوبة المسلمين إلى شعائر دينهم ومن رفضهم النامي للخضوع لمفردات الهيمنة الأممية، يتجلى الانعكاس على قضية الحجاب التي لا ترى لأول وهلة جزءاً من آليات المقاومة والممانعة ـ لكنها كذلك ـ، وأصدق ما يمكن استنباطه من مفاهيم حول تلك المسألة، هو ارتباط مساعي تقليص رقعة الحجاب ومرتدياته إلى أضيق حيز حين يُرى واقع سياسي نامٍ للمسلمين، لا بل إن الحجاب ذاته هو أحد تلك المظاهر التي يجري تسييسها لا تحييدها من قبل الغرب وأتباعه. وهنا نلحظ التزامن اللافت بين ما هو سياسي وبين ما يتعلق بانسياب التمسك بالحجاب الإسلامي في ربوع البلاد الإسلامية.
لم يكن في الحقيقة انزعاج الأوساط الصهيونية والمسيحية في فرنسا قبل أعوام من الحجاب وتحرك وزير الداخلية حينها (ورئيس الجمهورية فيما بعد) ساركوزي لأجل لقاء شيخ الأزهر في مسعى منه لإلغاء الحجاب في المدارس الفرنسية (وهو ما حدث بالفعل)، إلا تجسيداً لانزعاج في دوائر الحكم والقرار السياسي والاجتماعي من تنامي الشعور المستقل داخل الجالية المسلمة في فرنسا والمقدرة بما بين خمسة إلى ستة ملايين مسلم. لا، ولم يكن صدور قرار 108 اللإنساني والمجاوز لكل مواثيق حقوق الإنسان والمقابل العصري لأساليب محاكم التفتيش التي جرت في الأندلس في القرن الثالث عشر، في تونس الخضراء في العام 1981 وما استتبعه من قرار 102 أصدرته وزارة التربية التونسية، ويقضيان بحظر الحجاب في المدارس وفي الشوارع، كلاهما تزامن مع صعود إسلامي بارز، كان أحد محطاته متزامناً مع محاكمة قادة حركة النهضة التونسية المطالبة بالعودة إلى الشريعة الإسلامية، والآخر مع صعود لظاهرة "الصحوة" ذاتها، والأمر في حد ذاته بالغ الإقلاق للقوى العلمانية الرافضة للحجاب وتأثيراته الممتدة في النسيج الاجتماعي للبلدان التي تحيا به وتزدهر صوره فيها.
وقبل أيام صدر حكم تاريخي من قاضية تونسية شجاعة لصالح امرأة تونسية شجاعة كذلك هي سعيدة العدالي كانت منعتها السلطات التعليمية التونسية من ارتداء الحجاب بذريعة اعتباره "زياً طائفياً"، وهو ما رفضته القاضية وأطاحت مع حكمها بالقرارين الجائرين، معللة في حيثياتها بأن هذا التدخل من السلطات "يقوم مقام التدخّل في مجال الحريات الفردية نظرا لما يتميز به اللباس من تعبير عن الانتماء الحضاري والديني والفكري وما يعكسه من ميولات شخصية"، ذاك أن المنشور الحكومي ضد العدالي "يتيح للإدارة سلطة تقديرية غير محدودة في تطبيقه، ما ينتج عنه تهديدا للحريات الأساسية ومنها حرية المعتقد المضمونة دستوريا واستعماله مطية للتضييق في الحقوق والحريات الفردية، وبذلك يكون هذا المنشور مخالفا للدستور..".
وقبل أسابيع قليلة أيضاً خفت القوى الإسلامية في تركيا لفك الحظر عن حجاب تزامن منعه عبر قرارات متباعدة أيضاً مع نمو الأوبة نحو الإسلام في تركيا، والآن تبدو كوة تفتح في جدار العلمانية الصلب ضد الحجاب وتأثيراته، وهذا يعني أمراً عظيماً، أنه رغم ازدياد المخاوف من هذا القادم الجديد من قبل القوى المناهضة للإسلام إلا أنه يمضي بطريقة لا تقف حيال عودته كل القوى الرجعية والتسلطية، وهذا يعني أنه قادم لا محالة ـ بحول الله وقوته ـ وهو ما يلقى رسالة واضحة للجميع "حجابنا ينتصر" رغم كل المعوقات، ورسالة خاصة للمغرضين والمنافقين والمناهضين للدين.. "قل موتوا بغيظكم"..
ورسالة للمؤمنين: "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً"..
ورسالة للعالمين: "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"