أبو سليمان جواد أمزون مشرف المنبر الدعوي
عدد المساهمات : 216 نقاط : 61013 تاريخ التسجيل : 30/03/2008 العمر : 35
| موضوع: المسلمات الأسيرات... الجمعة مايو 16, 2008 7:28 pm | |
| الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى سائر الآل والصحب والتابعين، أما بعد:
فلا تزال الأمة الإسلامية في العصر الحاضر مثخنة بأنواع الجروح والمصائب، وواجب على المسلمين أن يقوموا بواجب الولاية فيما بينهم، كما قال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة:71].
ومن الملفات النازفة ألماً وحسرة: ملف الأسرى، والذي جعل الظالمين المعتدين يتمادون في بغيهم على نحوٍ مما تتناقله وكالات الأنباء من أنواع البغي والظلم والقهر.
للأسير حقوقه أياً كانت ملَّته: للأسير في كل الشرائع والملل عناية خاصة، بالنظر إلى حالة الضعف التي يحل بها، علاوة على السلطة المطلقة التي يمارسها نحو من وقع تحت يده.
وعلى مر التاريخ كان الأسرى يدفعون ثمن وقوعهم في الأسر باهضاً، وبخاصة إذا تخلَّى الإنسان عن أخلاقياته وتناسى إنسانيته.
ولأجل هذا جاءت شريعة الإسلام لتضع قضية الأسر واضحة المعالم، مهما كان مبرر أسره، فالظلم ممنوع والإحسان إليه مبذول، بل فيه اعتبار لإنسانيته إلى الحد الذي يأمر الله تعالى نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام بأن يحاور الأسرى حوار اللطف والبيان، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة الأنفال: 70].
ومع كل الأحوال فالاعتبارات الإسلامية القائمة على الإحسان يلازمها عباد الله الأبرار ، ويصفهم بها القرآن الكريم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [سورة الإنسان: 8].
وجوب فك أسرى المسلمين: وقد عاتب الله المؤمنين ولامهم على ترك إخوانهم المستضعفين تحت تسلط الأعداء وتنكيلهم، فقال سبحانه: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً} [سورة النساء:75].
قال الحافظ القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: "... وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين، إما بالقتال، وإما بالأموال، وذلك أوجب لكونهما دون النفوس، إذ هي أهون منها، قال مالك: واجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم، وهذا لا خلاف فيه لقوله عليه السلام: «فُكُّوا العاني» [رواه البخاري].
قال علماؤنا: فداء الأسارى واجب، وإن لم يبق درهم واحد.
قال ابن خُوَيزِمَندَاد: "تضمنت الآية وجوب فك الأسرى"، وبذلك وردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه فَكَّ الأسارى، وأمر بفكِّهم، وجرى بذلك عمل المسلمين، وانعقد به الإجماع. ويجب فك الأسارى من بيت المال، فإن لم يكن فهو فرضٌ على كافة المسلمين، ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين" ا.هـ.
ولأجل هذا أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بتحرير الأسرى فقال: «فكُّوا العَانِي ـ يعني الأسير ـ وأطعموا الجائع وعودوا المريض» [رواه البخاري].
ومما يبين عظيم الاهتمام بفك أسارى المسلمين: ما أُثر عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ عندما وقع بعض المسلمين في الأسر، بعث إليهم عبد الرحمن بن عمرة لفك أسرهم وقال له: "أعطهم لكل مسلم ما سألوك!! فوالله لرجل من المسلمين أحب إلي من كل مشرك عندي! إنك ما فاديت به المسلم فقد ظفرت به! إنك إنما تشتري الإسلام" [رواه سعيد بن منصور في سننه].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنَّ فكاك الأَسَارَى من أعظم الواجبات،وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القُرُبَات".
وقال العلامة ابن قدامة رحمه الله: "ويجوز أن يشتري من زكاته أسيراً مسلماً من أيدي المشركين، لأنه فك رقبة من الأسر، فهو كفك رقبة العبد من الرِّقِّ، ولأن فيه إعزازاً للدين، فهو كصرفه إلى المؤلفة قلوبهم، ولأنه يدفعه إلى الأسير لفك رقبته، فأشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدين".
أسرى المسلمين في عصرنا الحاضر: وعند الاطلاع على ملفات أسرى المسلمين في زمننا الحاضر نجدها ملفات تحزن النفوس وتشعرنا بالذل والمهانة، وبخاصة في بلاد المسلمين المحتلة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال ومعسكرات غوانتانامو في كوبا وغيرهما.
وبحسب إحصائيات حديثة فإن الأسرى في فلسطين لدى اليهود يزيد على 8000 أسير، وأما الأسيرات فيبلغ أكثر من 120 أسيرة إضافة إلى 350 طفل قاصر. علاوة على الأطفال الرُّضَّع الذي يُحبسون أسرى مع أمهاتهم، وقد توالى عدد الأسيرات في سجون اليهود حتى جاوز الآلاف منذ بدء محنة فلسطين واحتلالها، والله حسبنا ونعم الوكيل.
فكاك الأسرى من أعظم مآثر النبلاء: في عصور أمة الإسلام كان فكاك الأسرى من أولى اهتمامات المسلمين، فكان المقدم في ذلك هم النبلاء والعظماء.
ففي زمن الصحابة والتابعين كان لهم من المآثر في هذا ما هو مسطر في تراجم قادتهم.
ومن ذلك ما كان مع عبدالله بن حذافة رضي الله عنه عندما أسرته الروم في زمن عمر بن الخطاب فأرادوه على الكفر فأبي، فقال له ملك الروم: قَبِّل رأسي وأطلقك. قال: لا. قال: قَبِّل رأسي وأطلقك ومن معك من المسلمين، فقَبَّل رأسه فأطلق معه ثمانون أسيراً فقدم بهم على عمر، فقال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبدالله، وأنا أبدأ ففعلوا.
كان افتكاك الأسرى من اهتمام علماء الأمة كما هو مرقوم في مصنفاتهم، ومنها الرسالة الحافلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والتي كتبها لملك قبرص في شأن الأسرى، وهي الرسالة القبرصية وفيها من الحكم والعبر ما هو جدير بالتأمل.
وفي دول الإسلام المتلاحقة كانت قضية الأسرى محور اهتمامهم وعنايتهم.
ومن مآثر العظماء في ذلك: ما كان من الملك ألْب أرسلان السلطان الكبير والملك العادل عضد الدولة، أبو شجاع، التركماني الغزي، من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم، كانت له ملحمة عظمى مع الروم، فلما رأى عددهم مائتي ألف والمسلمون خمسة عشر ألفاً عرض عليهم الهدنة فأبى قائدهم الملك أرمانوس، فلجأ المسلمون إلى الله وطلبوا عونه فنصرهم، وأُسِرَ ملك الروم، وأُحْضِرَ بين يدي السلطان، فضربه بالمِقْرَعة وقال: ألم أسألك الهدنة؟! قال: لا توبِّخ وافعل ما تريد . قال: ما كنت تفعل لو أَسَرْتَنِي؟ قال: أفعل القبيح. قال: فما تظن بي؟. قال: تقتلني، أو تُشَهِّرُنِي في بلادك، والثالثة بعيدة: أن تعفو وتأخذ الأموال. قال: ما عزمت على غيرها. ففَكَّ نفسه بألف ألف دينار، وخمس مائة ألف دينار، وبكل أسير في مملكته.
ومن ذلك مآثر الإمام عبدالرحمن الداخل أمير المؤمنين بالأندلس، حيث أرصد مالاً في فداء الأسارى في أيامه، فلم يوجد ببلاد الأندلس أسير يُفْدَى.
ومن مآثر النبلاء في شأن الأسرى ما كان من الملك المنصور محمد بن عبد الله بن أبي عامر أحد ملوك المسلمين بالأندلس، وكان من رجال الدهر رأياً وحزماً ودهاءً وشجاعةً إقداماً، ومن مفاخره: أنه قدم من غزوة فتعرَّضت له امرأةٌ عند القصر فقالت: يا منصور يفرح الناس وأبكي؟! إن ابني أسير في بلاد الروم. فثنى عنانه، وأمر الناس بغزو الجهة التي فيها ابنُها. إلى غير ذلك مما هو مسطَّر في موضعه نُبلاً وإجلالاً.
عارٌ على الأمة أن تتناسى الأسيرات: إن أسرانا جميعاً حقهم أن نسعى لإطلاقهم، ولكن الأسيرات والأطفال حقهم أوجب وأوكد، لما لهم من الحرمة الزائدة، ولما يلحقنا من العار جراء ارتهان النساء المسلمات بأيدي من خلاق لهم.
إن النفوس الأبية لا ترضى أن يُنال النساء بأقل الأذى، فكيف وهُنَّ تحت وطأة الأسر، بكل ما يعنيه ذلك المكان من الذل والإهانة وأنواع الاعتداء، ولا زالت التقارير عن الأوضاع المزرية للأسيرات في سجون اليهود تفطر الأكباد ، لما يتعرض له الأسيرات من المعاملة المهينة.
مشروع عمل لإطلاق الأسيرات: وحتى ننتقل من مرحلة الخطب والمقالات إلى مرحلة العمل والتنفيذ فإن من المتعين على الدول الإسلامية أن تعد خطة عمل لإطلاق جميع الأسيرات والأطفال عاجلاً، وأن تستثمر مقتضيات القوانين والمعاهدات الدولية ومقرراتها لتحقيق هذا المقصد الجليل.
وإن منظمة المؤتمر الإسلامي بما لها من حضور سياسي دولي وكونها جامعة للدول الإسلامية من المتعين عليها أن تجعل إطلاق الأسيرات والأطفال وإخراجهم من السجون اليهودية أحد أولوياتها، وأن تخصص لجنة للتخطيط والمتابعة حتى يتحقق هذا المطلب المهم، عبر مؤتمرات دولية تعقدها، وعبر مخاطبة ومطالبة المنظمات الدولية الحقوقية والسياسية للضغط على الحكومة اليهودية وتجريمها حتى تطلق الأسيرات والأطفال. ومن بعدهم آلاف الأسرى.
الصندوق المالي للأسيرات والدور المنتظر للأغنياء: وحيث إن هذا العمل لا بد له من نفقات مالية فتحتاج منظمة المؤتمر الإسلامي أن تنشأ صندوقاً مالياً خاصاً بالأسرى والأسيرات من أهل الإسلام، بحيث ينفق منه على تكاليف هذه اللجنة، ويجعل من مصارف الصندوق دعم العوائل التي فقدت معيلها بسبب الأسر. وأن تدعو المسلمين لتمويل هذا الصندوق وبخاصة الأغنياء منهم، وأجزم أن النبلاء من أغنياء المسلمين لن يترددوا لحظة واحدة في توفير المال اللازم لهذه اللجنة حتى تنجز مهمتها.
كما أن الأغنياء ورجال الأعمال وإلى حين قيام مثل هذه اللجنة وصندوقها المالي واجبٌ عليهم أن يقدموا للأسيرات وعوائلهن ما تبرأ به ذممهم عبر الهيئات الإغاثية التي يصل نشاطها إلى الأراضي المحتلة.
وأذكر هنا بأعظم مراثي الشعر:
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم *** قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ ماذا التقاُطع في الإسلام بينكمُ *** وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ ألا نفوسٌ أبيَّاتٌ لها هممٌ *** أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ يا ربَّ أمٍّ وطفلٍ حيلَ بينهما *** كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ وطفلةٍ مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت *** كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً *** والعينُ باكيةٌ والقلبُ حيرانُ لمثل هذا يذوب القلبُ من كَمَدٍ *** إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
| |
|