الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين. نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
تدور في هذه الأيام عبارات نسمعها ونقرؤها في وسائل الإعلام حول إصلاح الخطاب الديني. ولا ندري ماذا يقصد بها ؟!!
- هل يقصد بها تغيير نصوص الكتاب والسنة التي تأمرنا بجهاد الكفار والمنافقين وبغضهم ومعاداتهم إذا لم يقبلوا هدى الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وتأمرنا بالقيام بالدعوة إلى الله والدخول في دينه وترك الكفر والشرك والبدع وتأمرنا بالتقيد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
- هل معنى إصلاح الخطاب الديني أن نترك هذه المهمات العظيمة تحت شعار: حرية الرأي وعدم كره الآخر والرأي الآخر وحرية العقيدة كما يقولون، وكما قاله من قبلهم للنبي صلى الله عليه وسلم: (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) وقال تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً}.و قال تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}. ولو كانت هذه المقالة تصدر من اليهود والنصارى وحدهم لم نستغربها منهم لأنهم حرفوا كتابهم وبدلوا وغيروا فيه ولكن الغريب والعجيب أن تصدر هذه المقالة من بعض كتابنا وتنشر في بعض صحفنا. وقد تعقد لها ندوات ومؤتمرات تأثراً بمقالة الكفار وتنفيذاً لها.
أما إن كان المراد بإصلاح الخطاب الديني تغيير الغلط الذي يحل من بعض المسلمين في أسلوب الدعوة إلى الله وفي الاعتداء على الناس والغدر في العهد والأمان مع الكفار اللذين يكونان بين المسلمين والكفار فهذا الأسلوب ليس هو الخطاب الديني لأن الله يقول: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ويقول لموسى وهارون عليهما السلام في مخاطبتهما لفرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} ويقول جل وعلا: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} فالذي يخالف هذا التوجه الإلهي في أسلوبه مع الناس لا يسمى خطابه هذا الخطاب الديني. وإنما هذا خطابه هو، وإنما الخطاب الديني وضع الأمور في مواضعها وتسمية الأشياء بأسمائها والتمييز بين أولياء الله وأعداء الله وإنزال الناس منازلهم وتسمية المسلم مسلماً والمنافق منافقاً والكافر كافراً والعاصي عاصياً أو فاسقاً والتعامل مع كلٍّ بما يليق به من غير ظلم ولا عدوان ولا غُلُوٍّ ويجب تقسيم الكفار إلى محارب ومعاهد ومستأمن وإعطاء كلٍّ حكمه الشرعي من غير محاباة لأحد ولا تنازل عن شيء من أحكام الدين طاعة للكفار والمنافقين قال تعالى: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ،وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} أي إلاّ يكن المؤمنون بعضهم أولياء بعض، والكفار بعضهم أولياء بعض فتوالوا المؤمنين وتعادوا الكافرين فإنها ستحصل الفتنة في الدين فلا يميز بين المؤمن والكافر وبين الكفر والإيمان وحينئذ تختلط الأمور وتفسد الأحوال ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.