لا أريد في هذا المقال أن أتكلم عن شخص الرئيس العراقي صدام حسين؛ وهل يسحق الوعيد الوارد في حق من ارتكب مثل ما فعل هو من الجرائم والموبقات، أو أنه تاب من ذلك توبة نصوحا، قد تُكَفّر خطاياه أو بعضها، وهل له حسنات يمكن أن تمحو ما فرط منه..، فهذا لا يعلم حقيقة أمره إلا الله سبحانه.
وحسبي أن أدعو له بالمغفرة والرحمة؛ بناء على ما ظهر مما يدل على أنه مات مسلما..، وربما تائبا.
وإنما يهمني في التعليق على خبر وفاته أن أُذَكّر الأمة بعداوة اليهود والروافض لهذا الدين، وأبين من خلال هذا الحدث تمالأ الطائفتين وتظاهرهما لحربه والسعي في إطفاء نوره..
ولئن كانت عداوة اليهود معلومة عند كل مسلم، وهو يقرأ في كتاب ربه:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}(المائدة 82).
لئن كانت هذه العداوة بينة جلية من النصوص والواقع؛ فإن كثيرا من أفراد الأمة لا يزالون غافلون عن عداوة (الروافض) التي تداني عداوة (اليهود)؛ ولا يزالون جاهلون بحقيقةٍ أضحت في الوضوح قريبة من سابقتها؛ وهي التمالأ والتكامل بين (الصهيونية العالمية) التي تسعى لهدم الإسلام من منطلق العداوة المعلنة؛ و(مذهب التشيع) الرافضي الجعفري الاثني عشري، الذي هو اليد الخفية التي تحرك معول الهدم من الداخل.
ويكفي لإثبات هذه الدعوى، أن نُذَكر بأنه لم يبق أصل من أصول الإسلام إلا سعى الرافضة لهدمه؛ فطعنوا في القرآن؛ بالقول بتحريفه ونقصه، وفي السُنة؛ بتكفير نقَلتها، وناقضوا التوحيد بوثنية ترفع أئمتهم إلى درجة الألوهية والربوبية، وعارضوا مبدأ الفضيلة والعفة بما يسمونه تمتعا..فماذا بقي من الإسلام يا ترى؟!
وهذا العدو يظهر بمظهر البطل المجاهد، حتى إذا استحكم من قلوب الناس الجاهلين بحقيقته، نقلهم إلى دين وثني ومذهب باطني لا يمتان للإسلام بصلة، ولا للإيمان برابطة، وتلك قرة أعين الصهيونية العالمية، والمجوسية الوثنية.
وقد تعددت مظاهر الجهل بحقيقة دين الرافضة؛ وكان آخرها: موقف الجماهير من مسرحية الغارة على لبنان، التي دَبرت فصولها المنظمةُ الصهيونية (ممثلة في دولة اليهود وأمريكا)من جهة، والدولة الرافضية (ممثلة في إيران وحزب اللات) من جهة أخرى.
فاستباحوا –لتحقيق تلك الدعاية- الدماء والأموال، والغاية عندهم تبرر الوسيلة، ولا أخلاق في السياسة.
وهنا ظهر الروافض بمظهر الأبطال الشجعان، وصفق لهم المُغرَّر بهم في قاعة المسرحية.
.. ويأبى الله إلا أن يكشف أمرهم؛ فإن لباس النفاق الذي تدثروا به لم يتسع لما يحملونه في قلوبهم من غل وحقد على المسلمين المعظِمين للقرآن والسنة والصحابة:
فواصلوا تقتيلهم وتشريدهم وتعذيبهم؛ وهذا دأبهم كلما سنحت لهم الفرصة، وكانت لهم الدولة؛ كما فعل قديما؛ الوزيرُ بن العلقمي ومن معه بالمسلمين وخليفتِهم المستعصم بالله:
قال الحافظ المؤرخ العماد بن كثير:
"... فلما قدم (هولاكو) وتهيَّب مِن قتل الخليفة، هوّن عليه الوزير ذلك؛ فقتلوه رفسا، وهو في (جوالق) لئلا يقع على الأرض شئ من دمه، خافوا أن يؤخذ بثأره فيما قيل لهم، فباؤوا بإثمه وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولي الحل والعقد ببلاده.
ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، وكمنوا كذلك أياما لا يظهرون، وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة، حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكذلك في المساجد والجوامع والربط، ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى، ومن التجأ إليهم، وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وطائفة من التجار أخذوا لهم أماناً، بذلوا عليه أموالا جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم.
وعادت بغدادُ بعد ما كانت آنَسَ المدنِ كلِّها، كأنها خراب ليس فيها إلا القليل من الناس، وهم في خوف وجوع وذلة وقلة.
وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل، منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعا منه أن يزيل السُنة بالكلية، وأن يُظهِر البدعةَ الرافضةَ وأن يقيم خليفةً من الفاطميين، وأن يُبيد العلماء والمُفتين، والله غالب على أمره، وقد رد كيده في نحره، وأذله بعد العزة القعساء، وجعله (حوشكاشا) للتتار بعد ما كان وزيرا للخلفاء، واكتسب إثم من قُتل ببغداد من الرجال والنساء والأطفال، فالحكم لله العلي الكبير رب الأرض والسماء...".
[البداية والنهاية (ج 13 / ص 234)].
فانظر –رعاك الله- إلى مبلغ حقد الروافض على المسلمين، ودرجة كيدهم لهم!!
..وقد استفاض عن صدام أنه كان معاديا لهذه الطائفة المشؤومة؛ وحارب دولتها بالسلاح ثمان سنين.
كما أنه جهر بعداوته للدولة الصهيونية وهددها وتوعّدها.
بل كشفَت تصريحاتٌ -صدرت بعد قتله- مستنِدةٌ إلى قرائن –وربما حُجج- مُعتبرة؛ أنه تراجع عن مبادئ (حزب البعث) الكفرية، وأعلن للأعضاء اختياره للنهج (الإسلامي) في الحكم، ووضع خطة واسعة ومرحلية لتطبيق ذلك.
فأرادت قوى الكفر العالمية أن تُوقف هذا المد المهدد للتوجه العالمي الإلحادي، الذي فرضه على واقع البشرية الأخطبوطُ الصهيوني الخانق؛ لأسباب معروفة..
فغزا العدوُّ المعلِنُ العراقَ وسلّم صداما للعدو المخفي، الذي بلغ بأفراده الحقدُ إلى درجة الهتاف باسم أحد زعمائهم، أثناء عملية الشنق؛ إغاظة لصدام!
وأسعد الناس بذلك الغزو الغاشم، والقتل الفاجر؛ اليهود والرافضة.
ثم إنني أقول: إذا كان صدام مستحقا شرعا لحد القتل؛ فإننا نستنكر الطرق والخطوات والملابسات غير الشرعية التي تم بها ذلك.
كما أننا نُدين توظيف (أمر معاقبته) لإرسال رسائل إهانة وإذلال للمسلمين.
وأهم من ذلك أننا نؤكد تحذير المسلمين من كيد الصهيونية العالمية، ومكر الروافض المجرمين؛ كيدٌ ومكرٌ تزوجا ليلدا أخطر مخطط لحرب الإسلام، والذي لن تنجو منه الأمة إلا بالرجوع إلى الله، بكل ما يستلزمه هذا الرجوع من صحة نية، وصدق عزيمة، وجِدّ واجتهاد في العمل الذي يصلح ديننا ودنيانا، فإنه:
{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران 160).
{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(الأنفال 10).
أما العلمانيون ومنافقو الأمة، فحالهم في هذه المِحن كحال ابن نوح:
{قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}(هود 43).
فاللهم هيئ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمر رشد يُعز ويُنصر فيه أهل طاعتك، ويُذَل ويَخسر فيه أهل معصيتك. ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل..