لا شك أن الفتن التي توالت على المسلمين بسبب قبض العلماء ، وقلة الدعاة المصلحين ، وانتشار الشرك ومظاهره في الأمة ، وظهور البدع التي شوهت جمال هذا الدين ، والإلحاد بكل صوره، وفساد مناهج التعليم بمختلف مستوياته وبُعد الناس عن كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وتجند وسائل الإعلام لنشر الفساد والتشجيع على الرذيلة ، كل ذلك جعل بعض المخلصين الغيورين على هذا الدين يفكرون في وسائل للإصلاح والتغيير انطلاقا من نصوص القرآن والسنة التي تحض على العلم وتبليغه والدعوة إلى الله والنصيحة للأمة ، قال الله تعالى: ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )
[1] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم: « من سلك طريقاً يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة و إن الملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإنه يستغفر للعالم من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورَّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر »
[2] وعن معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين »
[3] وقال الله تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
[4] وعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة، ثلاثا، قلنا : لمن؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم »
[5] .
* تأسيس الجمعية : وممن حمل همّ هذا الهدف الأسمى فضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي - حفظه الله- الذي اتخذ بيته منطلقا لهذه الدعوة المباركة ، فلقيت القبول عند الناس وهذا الأمر شجع الشيخ وجعله يؤسس الجمعية برفقة ثلة من المخلصين سنة 1396 هـ/1976م التي أخذت في فتح مقرّاتها (دور القرآن) الدار تلو الدار حتى زادت على العشرة في مدينة مراكش وحدها وكانت لها اليد الطولى في الإشراف و الحض على تأسيس ما يقارب ستين داراً في مختلف مدن وقرى المغرب .
* أهداف الجمعية : وكان للجمعية أهداف كبيرة سعت إلى تحقيقها يمكن إجمالها فيما يلي :
1- العناية بكتاب الله تعالى حفظاً وترتيلاً وتفسيراً .
2- العناية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ متونها وفهمها ونشرها بين الناس .
3- التعريف بالسلف الصالح ودراسة سيرهم وأخبارهم والتأكيد على ضرورة الاقتداء بهم .
4- نشر عقيدة التوحيد وتنقيتها مما علق بها من المخالفات والانحرافات .
5- تربية الأمة عل التحلي بمكارم الأخلاق والتخلي عن مساوئها .
6- الاهتمام باللغة العربية والعناية بها ونشر علومها والرفع من مكانتها .
7- جمع شمل الأمة على الحق والبعد عن الفرقة والتحذير منها .
* المنهج العلمي للجمعية : إذا تقرر ما سبق فلابد من رصد منهاج علمي متكامل يخدم الأهداف المرسومة لهذه الدعوة المباركة التي هي امتداد لدعوة النبوة والرسالة . وهذا المنهج ينبني على ما يلي :
- القرآن وعلومه: فهو أول ما أولته الجمعية عنايتها بالاهتمام بحفظه وتجويده وتفسيره وبيان غريبه والدعوة إلى العمل به وتبليغه .
- السنة وعلومها: ويتجلى ذلك في دراسة مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل للتمييز بين صحيح السنن وسقيمها ، ودراسة مناهج المحدثين ومؤلفاتهم ودراسة الفقه وأصوله والاهتمام بالتربية والآداب والسلوك والأخلاق الحميدة وبيان السيرة النبوية الصحيحة .
- اللغة وعلومها: ويتجلى ذلك في دراسة النحو والصرف والبلاغة والعروض والأدب العربي وفن الخطابة وغير ذلك .
*
الآثار الحميدة لهذه الدعوة المباركة : 1- تخرج الأفواج من حفظة القرآن الكريم واهتمام الناس بتصحيح التلاوة وتجويد القرآن وترتيله بالطريقة الصحيحة .
2- ظهور ثلة من المعتنين والمهتمين بعلم القراءات وتوجيهها وتخصصهم في ذلك .
3- انصراف همم الناس إلى الفهم الصحيح لكتاب الله بالاعتماد على المصادر التي اعتنت بأصول التفسير السلفي .
4- تطبيق مقتضيات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بامتثال أوامرها واجتناب نواهيها والوقوف عند حدودها .
5- نشر المصاحف المقروءة و المصاحف المرتلة المسجلة على مختلف وسائل النشر الحديثة وبثها في الناس لتيسير تلاوة القرآن وحفظه واختيار المقرئين المجيدين لذلك، ونشر الكتاب والشريط الإسلاميين .
6- إقبال الناس على العلم واقتناء مصادره وحضور مجالسه .
7- إقبال الناس على طلبة العلم وتنصيبهم أئمة للمساجد لجودة تلاوتهم وتفانيهم في إرشادهم وتعليمهم وحسن توجيههم .
8- تعلق الناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم على طلب الدليل .
9- الاهتمام بتوثيق النصوص النبوية والآثار السلفية وتمييز صحيح ذلك من سقيمه .
10- إقلاع الكثير من الناس عن مظاهر الشرك والشعوذة وإقبالهم على تعلم العقيدة الصحيحة .
11- الرد على سائر الطوائف الضالة والمناهج المنحرفة وبيان البدع الباطلة والآراء الفاسدة بكتابة المؤلفات وإقامة المحاضرات وغير ذلك .
12- تصحيح السلوك والأخلاق والمعاملات مع الفرد والجماعة .
13- تصحيح عبادات الناس ومعاملاتهم وتخليصها مما علق بها من البدع والمخالفات .
14- إقبال الشباب على السنة والتمسك بها وإقامة الصلوات وعمارة المساجد .
15- إقامة السنة في المناسبات كالعقائق والولائم والمآثم والأعياد وتربية الناس على ذلك .
16- إنشاء مراكز البحث العلمي لتكوين الدعاة إلى الله لتبصير الناس بدينهم وتبليغه بالحكمة والموعظة الحسنة .
17- تعليم مبادئ القراءة والكتابة للقاصرين عنها .
18- جمع شمل الدعاة السلفيين .
19- التزام التريث والتثبت والصبر والثبات في وقت الأزمات والفتن والمحن .
20- العناية بالمرأة لأخذ حظها من العلوم الشرعية كالرجل .
الهامش
[1] سورة التوبة 122 .
[2] أخرجه أحمد (5/196) واللفظ له وأبو داود ( 4 /57- 58 /3641) والترمذي (5/47/2682) وابن ماجه (1/87/239) وصححه ابن حبان (1/289-290/88 وقواه الحافظ في الفتح بشواهده (1/ 212 ) وصححه الألباني (صحيح الترغيب رقم:70 ) .
[3] أخرجه أحمد (4/98) و البخاري (1/217/71 ) ومسلم (2/718/1037 ) .
[4] سورة آل عمران 104 .
[5] رواه مسلم (1/74/55 ).