تتميز الشريعة الإسلامية بوصفها وضعا إلهيا بالأساس بخصوصية الشمولية والإحاطة بكل شؤون الإنسان الدينية والدنيوية، وقد مثل هذه الشريعة في حياة المسلمين فقه إسلامي انبنى على الكتاب والسنة، وما استنبط منهما ، وما أنتجه النظر الفقهي وإعمال أصول اجتهادية متعددة اهتمت بضبط الاجتهاد وفق روح القرآن والسنة ومقاصدهما، متوخية تحقيق المصلحة في كل ما استجد من أقضية تحدث للناس بقدر ما يحدث من تطور وتحول اجتماعيين.
وقد توافر للتشريع الإسلامي من الإمكانات الاجتهادية والحلول العملية لقضايا الإنسان ما جعل مؤتمر القانون المقارن المنعقد بلاهاي سنة 1936 يخرج بقراره الذي ينص على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع العام، وأنها حية قابلة للتطور، وأنها شرع قائم بذاته ليس مأخوذا من غيره.
وقد كان ميزة هذا التشريع انسجامه الكامل مع وعي الإنسان المسلم، وتجذره في ضمير الأمة التي نظرت إليه بالاحترام وبالإذعان الذي جعل الالتزام به مؤسسا على مفهوم طاعة صاحب الشرع والرضا بمضمونه أكثر مما هو مؤسس على التخوف من الوقوع تحت طائلة العقاب في حال المخالفة.
وعبر تاريخ التشريع الإسلامي الذي يرتد إلى بدايات نزول الوحي فإن هذا التشريع ظل تشريعا مجتمعيا حيا وناميا يؤثر في الحياة بتوجيهه لها ويتأثر هو أيضا بمستجدات الحياة وبأعراف الناس حتى تقرر أنه لا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأحوال والنيات والعوائد.
وقد أكسب الفقه الإسلامي ما له من مرونة وقدرة على الحسم في كل المستجدات والنوازل وفرة الأصول التي انبنى عليها، وهي أصول كثيرة ومتنوعة، وقد كان من ميزة المذهب المالكي اعتماده على أكبر عدد من تلك الأصول الفقهية التي ليست إلا إمكانات تشريعية عملية للحسم في القضايا الطارئة، وأضاف فقهاؤه إلى رصيده جملة وافرة من الكليات هي قواعده التي تتجاوز الخمس مائة قاعدة فقهية صالحة لأن تؤطر أكثر من قضية، وبهذا ضمن الفقه لنفسه حيويته وقدرته على ضبط حركة المجتمع.
ولقد كانت فكرة تقنين الفقه الإسلامي التي حفز عليها انضباط العمل القضائي عند شعوب أخرى لمدونات قانونية وحدت الأحكام وضيقت مساحة الاختلاف القضائي، ووجدت الفكرة جذورها في أعمال علمية أنجزها العلماء المسلمون من قبيل تسمية بعض الكتب بالقوانين الفقهية وما ضبط به بعضهم أصول الأقضية وإجراءات التقاضي من مثل تبصرة ابن فرحون، وما جمعه ابن عاصم في تحفة الحكام.
وقد أنتجت حركة التقنين في المرحلة الأخيرة جملة مدونات تشريعية مثلت خطوة منهجية قيمة على طريق إبراز الفقه بمظهر قانوني يحافظ على جوهر الفقه ويقرب المادة الفقهية للمتعاملين في المجال القضائي.
وقد كان أبرز تلك المدونات مجلة الأحكام العدلية التي اشتملت على 16 كتابا موزعة على 1851 مادة. ثم أعقبتها مدونة مرشد الحيران لمحمد قدري باشا وكلاهما مأخوذ من الفقه الحنفي ثم مدونة مجلة الأحكام الشرعية لأحمد بن عبد الله القاري ومادتها من الفقه الحنبلي، وصدرت بعد ذلك مدونات أخرى عامة ومقتصرة على بعض مجالات القانون في الكثير من البلاد الإسلامية.
وقد بذل الاجتهاد القضائي بالمغرب الوسع في وضع مدونات منظمة لكل المجالات القضائية، وأوحى تعدد مصادر استقائها ببروز فكرة ثنائية الشريعة والقانون.
وحيث إن المملكة المغربية هي دولة إسلامية كما يعرفها تصدير الدستور المغربي وأن دين الدولة هو الإسلام كما ينص عليه الفصل السادس من الدستور وحيث إن شرعية الحكم تستند إلى إمارة المومنين التي يكل إليها الدستور في فصله التاسع حماية الدين.
فإن المغرب معني بانسجام قوانينه مع المرجعية الإسلامية .
ولذا فالمطلوب من السادة العلماء إبراز مدى تمثيل القوانين المغربية للتشريع الإسلامي على مستوى كل النصوص القانونية التي قامت على نفس الأسس والمبادئ التي قام عليها التشريع الإسلامي والتي تتلخص في تحقيق العدالة والمساواة في كل ما تحققت فيه المماثلة والحرية في مجالات التفكير والتعبير والتصرف الراشد والشورى المتمثلة في المؤسسات التمثيلية والنيابية والاستشارية ولم تصادم حكما ثابتا من أحكام الشريعة الإسلامية معلوما منها بالضرورة.