هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عياض اليحصبي، الإمام العلامة، يكنى أبا الفضل، ستى الدار والميلاد: أندلسى الأصل.
قال ولده محمد: كان أجدادنا في القديم بالأندلس، ثم انتقلوا إلى مدينة فاس وكان لهم استقرار بالقيروان لا أدرى قبل حلولهم بالأندلس أو بعد ذلك.
وانتقل عمرون إلى سبتة بعد سكنى فاس.
وكان القاضى أبو الفضل إمام وقته في الحديث وعلومه، عالما بالتفسير
وجميع علومه، فقيها أصوليا عالما بالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، بصيرا بالأحكام، عاقدا للشروط، بصيرا حافظ لمذهب مالك رحمه الله تعالى، شاعرا مجيدا ويا نا من علم الأدب، خطيبا بليغا صبورا حليما جميل العشرة، جوادا سمحا كثير الصدقة، دؤوبا على العمل، صلبا في الحق.
رحل إلى الأندلس سنة تسع وخمسمائة طالبا العلم، فأخذ بقرطبة عن القاضى أبى عبد الله محمد بن على بن حمدين، وأبى الحسين بن سراج، وعن أبى محمد بن عتاب وغيرهم وأجاز له أبو على الغساني، وأخذ بالمشرق عن القاضى أبى على حسين بن محمد الصدفى وغيره، وعنى بلقاء الشيوخ والأخذ عنهم، وأخذ عن أبى عبد الله المازينى: كتب إليه يستجيزه، وأجاز له الشيخ أبو بكر الطرطوشى.
ومن شيوخه.
القاضى أبو الوليد بن رشد.
قال صاحب الصلة البشكوالية: وأظنه سمع عن أبى زيد، وقد إجتمع له من الشيوخ بين من سمع منه وبين من أجاز له مائة شيخ وذكر ولده محمد منهم: أحمد بن بقى، وأحمد بن محمد بن محمد ابن مكحول، وأبو الطاهر أحمد بن محمد السلفي، والحسن بن محمد بن سكره، والقاضى أبو بكر بن العربي، والحسن بن على بن طريف، وخلف بن إبراهيم بن النحاس، ومحمد بن أحمد بن الحاج القرطبى، و عبد الله بن محمد الخشنى وغيرهم ممن يطول ذكرهم.
__________
(1) نقلت هذه الترجمة من كتاب الديباج الذهب في معرفة أعيان علماء المذهب للعلامة برهان الدين ابن فرحون المالكى.
قال صاحب الصلة: وجمع من الحديث كثيرا وله عناية كبيرة به واهتمام بجمعه وتقييده وهو من أهل التفنن في العلم واليقظة والفهم، وبعد عودته من الأندلس أجله أهل سبتة للناظرة عليه في المدونة وهو ابن ثلاثين سنة أو ينيف عنها، ثم أجلس للشورى ثم ولى قضاء بلده مدة طويلة حمدت سيرته فيها، ثم نقل إلى قضاء غرناطة في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ولم يطل أمره بها، ثم ولى قضاء سبتة ثانيا.
قال صاحب الصلة: وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه بعض ما عنده.
قال الخطيب: وبنى الزيادة الغربية في الجامع الأعظم وبنى في جانب المينا
الراتبة الشهيرة وعظم صيته.
ولما ظهر أمر الموحدين بادر إلى المسابقة بالدخول في طاعتهم ورحل إلى لقاء أميرهم بمدينة سلا، فأجزل صلته، وأوجب بره، إلى أن اضطربت أمور الموحدين عام ثلاثة وأربعين وخمسمائة فتلاشت حاله، ولحق بمراكش مشردا به عن وطنه فكانت بها وفاته.
وله التصانيف المفيدة البديعة منها كمال المعلم: في شرح صحيح مسلم، ومنها كتاب الشفا: بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم أبدع فيه كل الإبداع، وسلم له أكفاؤه كفاءته فيه ولم ينازعه أحد في الانفراد به ولا أنكروا مزية السبق إليه بل تشوفوا للوقوف عليه، وأنصفوا في الاستفادة منه، وحمله الناس عنه، وطارت نسخه شرقا وغربا، وكتاب مشارق الأنوار في تفسير غريب حديث الموطأ والبخاري ومسلم وضبط الألفاظ والتنبيه على مواضع الأوهام والتصحيفات وضبط أسماء الرجال وهو كتاب لو كتب بالذهب أو وزن بالجوهر لكان قليلا في حقه، وفيه أنشد بعضهم: مشارق أنوار تبدت بسبتة * ومن عجب كون المشارق بالغرب وكتاب التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة: جمع فيه غرائب من ضبط الألفاظ وتحرير المسائل، وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك وكتاب الإعلام بحدود قواعد الإسلام، وكتاب الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع، وكتاب بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد، وكتاب الغنيمة في شيوخه، وكتاب المعجم في شيوخ ابن سكره، وكتاب نظم البرهان على حجة جزم الأذان، وكتاب مسألة الأهل المشروط بينهم التزاور، ومما لم يكمله: المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان، وكتاب العيون الستة في أخبار سبتة، وكتاب غنية الكاتب وبغية الطالب في الصدور
والترسل، وكتاب الأجوبة المحبرة على الأسئلة المتخيرة، وكتاب أجوبة القرطبيين، وكتاب أجوبته عما نزلت في أيام قضائه من نوازل الأحكام في سفر، وكتاب سر السراة في أدب القضاة، وكتاب خطبه وكان لا يخطب إلا بإنشائه، وله شعر كثير حسن رائق فمنه قوله: يا من تحمل عنى غير مكترث * لكنه للضنى والسقم أوصى بى
تركتني مسهام القلب ذا حرق * أخا جوى وتباريح وأوصاب أراقب النجم في جنح الدجى سمرا * كأننى راصد للنجم أو صابى وله رحمة الله تعالى: الله يعلم أنى منذ لم أركم * كطائر خانه ريش الجناحين ولو قدرت ركبت الريح نحوكم * فإن بعدكم عنى جنى حينى وله من أبيات: إن البخيل بلحظه أو لفظه * أو عطفه أو رفقه لبخيل وله في خامات الزرع بينها شقائق النعمان هبت عليها أرياح: انظر إلى الزرع وخاماته * تحكى وقد ماست أمام الرياح كتيبة خضراء مهزومة * شقائق النعمان فيها جراح وله غير ذلك.
كان مولد القاضى عياض بسبتة في شهر شعبان سنة ست وتسعين وأربعمائة، وتوفى بمراكش في شهر جمادى الأخيرة وقيل في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وقيل إنه مات مسموما سمه يهودى.
ودفن رحمه الله تعالى بباب إيلان داخل المدينة.
و (عياض) بكسر العين المهملة وفتح الياء المثناة التحتية وبعد الألف ضاد معجمة و (اليحصبى) بفتح الياء المثناة التحتية وسكون الحاء المهملة وضم الصاد المهملة وفتحها وكسرها وبعدها ياء موحدة نسبة إلى يحصب بن مالك قبيلة من حمير، وسبتة مدينة مشهورة، وغرناطة: مدينة بالأندلس وهى بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة ثم نون مفتوحة بعدها ألف وبعد الألف طاء مهملة ثم هاء ويقال فيها أغرناطة بألف قبل الغين.