ترى كيف كانت مهمة العالم الداعي إلى الله واضحة لما كانت نفسه منيبة إلى الله ، ترفعه نيته الصالحة إلى حيث لا تنال منه نوازع الهوى . ويشرفه تواضعه لله ، وانبساطه غير المفتعل لعباد الله ، فلا يحتاج أن يتملق الشعب كما يفعل طلاب الرئاسة والزعامة وقناصو الأصوات الإنتخابية . الداعي إلى الله لا تمنعه الكبرياء أن يتعلم ويستفيد من العامة . فبانفتاحه ذاك تسري إليهم منه معاني الإيمان . وبالمثل يعدي إخوانه المسلمين بالأخلاق الحميدة ، والتعاون الأخوي ، والمعاشرة اللطيفة ، والوجه البشوش ، إلى النفوس البعيدة الشاردة ـ يردها إلى باب ربها .
الداعي إلى الله من ا لأمة وإليها ، شعورا صادقا ، ونمط حياة ، ومشاركة في الآمال والألام ، واختلاطا في المجالس ، والشارع ، والسوق . ما هو طفيلي سياسي يمتص دماء الأمة بالتلصص على عطفها . ما هو منافق يتراءى للناس بما يحبون . فحين يعلم المسلمون صدقه ، يصيخون إليه ، ويقبلون منه النصيحة والتعليم ، والأمر والنهي ، والزجر أيضا . في مجتمعاتنا منكرات ، وعلى رأسها السكوت والرضوخ لظلم الحكام . منكرات مزمنة راسخة تصبغ سلوك العامة ، وتسمها بالتبلد الممزوج بالشك . فما غير الداعي العالم المعلم المختلط بالأمة من يوقظ الوسنان ، وينبه الغافل ، ويحيي الميت من النفوس ، ويعلم الأمة أن دينها وقوف بين يدي العزيز العليم سبحانه ، ورفض كل ذل ، وكل منكر ، وكل عبودية لغير الله عز وجل .
الشعب المستضعف أكثر الناس شعورا بالظلم و الحيف ، وأعرف الناس بما يعانيه من التعسف ، وهضم الحقوق ، والإحتقار ، والإبتزاز . يعلم ذلك ويشعر به ، ويعانيه في جسمه ، في رزقه ، في أبناءه ، في مسكنه ومطعمه وملبسه ، في حياته اليومية .
وكل ذلك منكر ينكره الشرع ويأباه الله سبحانه وتعالى . فلئن كان العالم الداعي قبلنا يغشى الأسواق ويخالط الناس ليفقههم في أحكام البيوع وآداب السلوك وفرائض العبادات ، فإن الداعي منا يجب أن يضيف إلى ذلك ، بل أن يضيف ذلك إلى ، الإشعار بأن شريعة الله تنكر التفقير ، واحتقار الناس وظلمهم ، كما تنكر الكفر والفسوق والعصيان . يجب أن نعلم الأمة أن الإسلام قومة على الفساد والكفر والظلم والفسق ، كلها في قرن واحد . بل يجب أن نصوغ من الإستعداد الخير الذي في عامة المسلمين آداة ماضية لإبطال الباطل وتحقيق الحق .