أين تلك الشهامةُ، وذلك التوثبُ، وتلك الرغبةُ في الاستشهاد في سبيل الله، وذلك الإيمان الذي بعث الله به من قبائل العرب الخاملة المتفرقة المتحاربة خير أمة أخرجت للناس؟ أصبحنا أمة متفرجة مستهلكة قاعدة. غيرُنا يكتب الرواية، ويُرَتِّبُ المسرح، ويمثل الأدوار. غيرنا ينتج ويبيع، ويشترط، ويرتهن ما شاء من حريتنا، وكرامتنا، وخيرات بلادنا، ومصيرنا. ونحن نقبلُ، ونُمْضِي العقودَ، وندفع الثمن أضعافا، ونتوسل لكرم الأمم وسخائها أن تطعمنا وتتصدق علينا. غيرُنا يحرك السياسة العالمية، والدبلوماسية الدولية، والاقتصاد، والحرب والسلم، وتوازن العالم، وصناعة السلاح، ونحن يُخطَبُ فينا على الجماهير المهيَّجَةِ، ويُكذَب علينا، وتُسَلَّم أرض فلسطين للعدو خلف ظهرنا، وتُمْضَى المُؤامرات، ويُصنع سلام الأذلاء.
مهمة دعوة القرآن ودولة القرآن أن تغير كل هذا البؤس الأسود، والموت الأصفر، بسعادة الجهاد، وحياة الهجرة المتحركة ظاهرا وباطنا نحو موعود الله. الدنيا غِلابٌ فلا نامت أعينُ الجبناء الدنيا حركة وتجديد ونشاط دائب، فلا أمِنَ الخاملون الدنيا منافسة اقتصادية تكنولوجية، فلا عاش الجهَلَةُ العالَة المتكفِّفون! الدنيا صِراع وحيلة ومدافعة بالتي هي أحسن تارة والتي هي أخشنُ إن اقتضى الحال،فلا كانالحالمون المثاليون العاجزون المستقبل للكتل البشرية الكثيرة العدد، المنظمة الدولة، الموحدة الاقتصاد، المسلحة بالعلم والصناعة، وبالنَّاب والمِخْلَبِ والذَّرة، فقاتل الله التمزق والغثائية والوهْنَ، وتطفل الصنائع على موائد السادة الدنيا دار الكسب والاختبار والعبور لدار البقاء، فحيى الله أهل الإيمان، أهل الهجرة والجهاد