من علمائنا من يطلق اسم "أمة الاستجابة" على الأمة الإسلامية الذين استجابوا لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وصدقوا الرسالة، ويُطلِقُ اسم "أمة الدعوة" على سائر الخلق الذين بلغتهم الدعوة فامتنعوا عن التصديق أو لم تبلغهم من الأجيال الماضية والحاضرة والمستقبلة إلى يوم القيامة. وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم للجن والإنس كافَّةً، وجعله رحمة للعالمين الأولين والآخرين. والقرآن خطاب موجه للإنسان كيفما كان جنسُه وزمانُه ومكانُه. إن الإسلام دعوة عالميَّةٌ، وإنَّ حاملي الرسالةِ طلائعُ الحقِّ لا ينتهي واجبُهم بإقامة دولة القرآن في دار الإسلام الموروثة، بل تبدأ بعد قيامها رحلةُ تبليغ الرسالة للعالمين. تتمكن الطليعةُ المجاهدة من إمامة أمة الاستجابة وتُجَنِّدُها، وتقودُها، وتربيها، وترفعها إلى كرامتها الآدمية، وتحررُها فكرا ومعاشا، وتُحييها بحياة المشاركة في تدبير أمرها، تآمُراً بالمعروف وتناهيا عن المنكر، وشورى، وتنفيذا. بعدئذ تنهض الأمة المسلمة كلها وقد توحدت، لإمامة المستضعفين في الأرض، وهم بنو الإنسان، من كان منهم يعيش في بلاد الاستكبار أو في دار الإذلال والاستعمار والإفقار.
يقاتل الإسلامُ الظلمَ، ويقاتل الفسادَ في الأرض والاستكبار. في الأرض قُوىً عنيدةٌ عنيفةٌ عدوانيةٌ لا مفرَّ من أن يواجهَها الإسلام ويَكْسِرَها لأنها تحادُّ الله ورسوله. لا بد من الجهاد حتى لا تكون فتنة ويكونَ الدينُ كله لله. لا يعني هذا أنَّ الإسلامَ يتقدم إلى الإنسانية المعذَّبة ليُهْدِيَ إليها استعمارا مكانَ استعمار، ولا يعني أنَّ الإنسانية يحمل كل فرد منها وِزْرَ الأعمال الشيطانية التي يمارسها النظامُ الجاهليُّ المستكبرُ في الأرض. إنَّ عطاء الإسلام للإنسانية في ماضِي تاريخنا كان عطاءً خيِّراً، رغمَ ما صاحب تاريخنا من اضطراب داخلي نتيجة لتسلط الحكام وفساد الشورى. وإنَّ عطاء الإسلام بعد نهوضنا من كبوتنا إن شاء مولانا القوي العزيز سيكون بحول الله وقوته الخير العميم الذي تحِنُّ إليه نفوس البشر. سيكون هدفُنا الدَّعوِيُّ إبلاغَ الإنسان أينما كان بلاغَ التوحيد، وبلاغَ الأخُوَّةِ بين البشر، وبلاغَ السلام في العالم، وبلاغَ العدل والإحسان.
مكانُ دولة القرآن في المجتمع الدوليِّ مكانُ قيادة المستضعفين، لنأخُذْ الحقَّ أولا من دول الاستكبار للعالم الجائع المفقَّر المستعمرَ المستنـزف. ثم نُشع دعوة الإسلام، وينتصر نموذجه السلوكي الاقتصادي الحضاري حتى يصبح قبلةَ أنظارِ الإنسانية أينما كانت. فيقبل الناس يدخلون في دين الله أفواجا من تحت الأنظمة الطاغية في الأرض حتى تعمَّ القومةُ أرجاءها إن شاء الله.