أدبوا أولادكم
قالت الحُكماء: مَن أَدَّب ولدَه صغيراً سُرّ به كبيراً.
وقالوا: اطْبَعِ الطِّن ما كان رَطْباً، واغْمِز العُود ما كان لَدْناً.
وقالوا: مَن أدَّب ولدَه غَمّ حاسدَه.
وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: مَن لم يَجْلِس في الصِّغر حيثُ يَكْره لم يَجْلِس في الكبر حيث يحب.
قال الشاعر:
إذا المَرءُ أَعْيَتْه المُروءةُ ناشِئاً
فَمَطْلَبها كَهْلاً عليه شديدُ
وقالوا: ما أشدَّ فِطامَ الكبير وأعسرَ رياضةَ الهرم.
قال الشاعر:
وتَرُوض عِرْسَك بعدما هَرمت
ومِن العَناء رياضةُ الهَرِم
[1]
وكتب شُرَيح رحمه الله إلى معلِّم ولده:
تَركَ الصلاةَ لأكْلُبٍ يَسعى بها
يَبْغِي الهِرَاشَ مع الغُواة الرُّجَّس
"فَليَأتيِنَّك غُدوة بصحيفة
كُتِبت له كصحيفة المُتَلمِّس"
فإذا أتَاكَ فَعَضَّه بمَلامةٍ
وعِظَتْه مَوْعِظة الأديب الكَبِّس
[2]
وقال صالح بن عبد القدّوس رحمه الله:
وإنَّ مَن أدَّبته في الصبا
كالعُود يُسقَى الماءَ في غَرْسِه
حتى تَراه مُورِقاً ناضِراً
بَعد الذي أبصرتَ من يُبْسِه
والشيخُ لا يَتْرك أخلاقَه
حتى يُوارَى في ثَرى رَمْسه
إذا ارْعوى عادَ له جَهْلهُ
كذي الضَّنَى عاد إلى نُكْسِه
ما يَبْلغ الأعداءُ من جاهل
ما يَبْلغ الجاهلُ من نَفْسهِ
وقال عمرو بن عُتبة
لمعلِّم ولده: ليكُن أوّلَ إصلاحك لولدي إصلاحُك لنفسك، فإنّ عُيونهم
مَعْقودة بعَيْنك، فالحَسن عندهم ما صَنعتَ، والقبيح عندهم ما تَركت.
علمْهم كتابَ الله ولا تُكْرههم عليه فيَملّوه، ولا تَتركهم منه فيهجروه؛
رَوِّهم من الحديث أشرفَه، ومن الشعر أعفّه، ولا تَنْقُلهم من عِلم إلى
علم حتى يُحْكِموه، فإنّ ازدحام الكلام في القَلْب مَشغلة للفهم،
وعَلِّمهم سُنَن الحكماء، وجَنِّبهم محادثة النِّساء، ولا تَتّكَل على
عُذْر منّي لك، فقد اتكلتُ على كِفاية منك.
من كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه رحمه الله باب في تأديب الصغير.