بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالقادر بن
محمد بن يحيى الغامدي إلى إخواني طلاب العلم, السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته وبعد ؛ فهذه وصايا مستقاه من كتاب الله وسنة نبيه الكريم – صلى
الله عليه وسلم - وكلام السلف الصالح - رحمهم الله - نفعني الله وإياكم بها
إنه خير مسؤول , طلب مني كتابتها , فأحببت نشرها لعله يعم النفع بها ؛
الوصية الأولى : أعظم وصية وخير وصية تقوى الله في السر والعلن ,
قال تعال : (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله
) [النساء:131] وتقوى الله أن تجعل بينك وبين عذاب الله وسخطه وقاية بفعل
أوامره واجتناب نواهيه .
الوصية الثانية : وهي مفرعة مما سبق , العمل
بالعلم , وليكم همتك أيها الطالب أن تتلقى العلم لتعمل به , قال ابن
المنكدر : (العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ) , وقد كان سلفنا
الصالح – رحمهم الله- يحرصون على السنن كما يحرصون على الفرائض , حتى أنكر
الإمام أحمد على طالب علم لم يقم ليلة , وقال : (سبحان الله طالب علم لا
يقوم الليل).
الوصية الثالثة : الحرص على الاستمرار على
طلب العلم ليلاً ونهاراً , وأن يكون تخرجك من الجامعة أوالمعاهد والمؤسسات
العلمية بداية للتحصيل الأعمق والأوسع , فلا يمر بك سنوات إلا وقد جردت
كثيراً من المطولات المهمة , وأن يكون الأصل في حياتك أخي الطالب هو العلم
, ولا تترك ذلك إلا لما لا بد منه ثم ترجع لأصلك , حتى تكون منهوماً في طلب
العلم , ويكون العلم لك كالماء للسمكة , وحينئذ لا يمكنك ترك الطلب ولو
بلغت من العمر عتيا ً بل ستخرج من الحياة وأنت منهوم في الطلب , وستشعر أنك
مهما تزودت من العلم فأنت في حاجة للعلم , وهذه صفة العالم الحق .
الوصية الرابعة : أن تحرص على طلب العلم
النافع , وهو كتاب الله وسنة نبيه والإدمان في قراءة كلام السلف الصالح ,
الصحابة رضوان الله عليهم , وتابعيهم بإحسان ومن سار على نهجهم , فتحرص بعد
حرصك على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على كلام الصحابه – رضوان
الله عليهم – وبعدهم على كلام مثل ابن المسيب والحسن البصري ومالك والشافعي
وأحمد وابن المبارك وابن مهدي والسفيانين والحمادين ونحو هؤلاء الأكابر ,
وتقرأ سيرهم , وتعلم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها , وتحرص
على الكتب التي سارت على نهجهم ككتب ابن عبدالبر والطبري والموفق وابن
تيمية وابن القيم وابن رجب والذهبي وابن كثير , ومجموعة مؤلفات الشيخ محمد
بن عبدالوهاب , والدرر السنية , وفتاوى الشيخ ابن إبراهيم , وهناك كتب
نافعة جداً لكن فيها ملحوظات عقدية تتنبه لها كفتح الباري وتفسير القرطبي
وشرح النووي على مسلم , وهي كتب نافعة جداً أيضاً ونحوهم كثير .
الوصية الخامسة : أن تحرص على الدعوة إلى
الله على بصيرة , وبالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن , وتسأل
دائماً أهل العلم الكبار الراسخين فيه , فلن تستغني عن العلماء إلى الموت ,
وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر , مخلصاً لله صابراً على الأذى فيه , واعلم
أنه لا بد للصادق من البلاء , فلا تأخذك في الله لومة لائم , لتكون على نهج
الأنبياء وتابعيهم بإحسان .
الوصية السادسة : الحرص على حسن الخلق وبر
الوالوالدين وصلة الرحم وطاعة ولاة الأمر في غير معصية والدعاء لهم بالصلاح
, والكف عن غيبتهم , وتعلم أن ولاة الأمر لن يصلحوا حتى نصلح نحن ما
بأنفسنا , مع نصيحتهم بالطرق السلفية الصحيحة , مع الزهد في الدنيا لألا
نضيع ديننا ونسكت على الحق من أجلها , والعفو عمن ظلم , وتكثر من ذكر الله
وتلاوة القرآن بالتدبر وخاصة في الليل , مع الاستعانة بكتب التفسير الجيدة
, وتحرص على الصوم والصدقة وسائر أبواب الخير , وكثرة التضرع لله ليلاً
ونهاراً وخاصة في أوقات الإجابة , والخشوع في الصلاة , والورع وحفظ اللسان
, وحسن الظن بالمسلمين , مع التمسك بمنهاج السلف الصالح والتعامل مع من
يخرج عنه كل بحسبه , فلا يستعمل العنف في مكان اللين , ولا اللين في مقام
الشدة , بل يتبع في كل ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح .
الوصية السابعة : الحرص على معرفة واقع
المسلمين , والحرص على تفقيههم في الدين , والحرص أولا على تحذير المسلمين
من الشرك الأكبر ونواقض الإسلام , وتعريف الناس بها , وكشف شبهات المبطلين
, والتزود من العلوم : علوم الغاية وعلوم الآلة ما يكون سلاحاً وعدة في
وجوه المفسدين والأئمة المضلين , ونشر العقيدة الصحيحة , والتعامل مع
الأعداء من اليهود والنصارى بالمنهاج النبوي , وهذا يحتاج إلى قراءة الكتب
التي تبين هذا, ككتب الفقه وكتاب " أحكام أهل الذمة" لابن القيم , و"زاد
المعاد" له , و"شرح السير الكبير " للسرخسي وغيرها , مع اتباع الدليل في
المسائل التي يختلف فيها العلماء من غير تعصب لغير الدليل . ولا يبتدأ في
دعوة الناس بشيء قبل التوحيد كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما
أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال : إِنَّكَ تَقْدَمُ على
قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إليه عِبَادَةُ
اللَّهِ , فإذا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قد فَرَضَ
عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ , فإذا فَعَلُوا
فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عليهم زَكَاةً من أَمْوَالِهِمْ
وَتُرَدُّ على فُقَرَائِهِمْ , فإذا أَطَاعُوا بها فَخُذْ منهم وَتَوَقَّ
كَرَائِمَ أَمْوَالِ الناس) رواه البخاري.
نفعني الله وإياكم بهذه الوصايا , وجعلني وإياكم من الدعاة إلى الإسلام
والسنة , وأماتنا على ذلك , ورزقنا الإخلاص في القول والعمل , وهدانا
وإياكم صراطه المستقيم طراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين , والله أعلم , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله
وصحبه أجمعين .