السلفيون المغاربة وموقفهم من التعصب المذهبي

محمد القريفي



أن يعادي التيار العلماني السنة والمدافعين عنها، فهذا أمر معلوم بداهة، ولكن الغريب في الأمر، أن نجد أناسا ينتسبون للإسلام ويتشدقون بمحبتهم لأهل السنة والجماعة، بل الأدهى والأنكى، بعضهم يشرف على تأطير الحقل الديني، ومع ذلك يأبون إلا أن يكشروا عن أنيابهم ويرفعوا راية الحرب القذرة على المنهج السلفي ودعاته، ويناصبونهم البغض الغير المشروع، ويكيلون لهم التهم جزافا بدون تبين أو تتبث، وينتهزون الفرصة بين الفينة والأخرى للطعن عليهم وغمزهم واستعداء السلطات عليهم، فكم من مراكز للقرآن أغلقت بتحريض منهم، وكم من داعية وخطيب تم تكميم فمه أو توقيفه بإشارة من أقطابهم، والتهمة جاهزة: أنهم يشوشون على عموم الناس في أمور دينهم لما يبثونه من أمور تخالف المذهب المالكي!! وتتعارض مع ثوابث الأمة و الخصوصية المغربية زعموا !!

لذلك ترى الواحد منهم يشغب على الدعاة إلى الكتاب والسنة، وتحرير الإتباع من أغلال التقليد، بوصفهم دعاة إلى الفتنة والتبديع والتضليل والغلو والانغلاق !! وهذا تشغيب بالباطل، وما نقموا منهم إلا أنهم يرشدون الناس لوجوب العودة إلى المنبع الصافي من الإسلام ٠

وليس بخفي ­ بعد ­ على كل مسلم عامي، فضلا عمن يدعي الانتساب لمنهج أهل السنة والجماعة، أن دعاة المنهج السلفي يجلون ويوقرون أعلام الهدى ومصابيح الدجى، كالإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم، ويثبتون إمامتهم وسلفيتهم، بل لا يكتفون بذلك حتى يقدحون ويجرحون فيمن يطعن فيهم من الروافض والعلمانيين والملاحدة وسائر أعداء التوحيد والسنة٠

السلفيون المغاربة أول المعظمين للأئمة الأربعة

وهذه الحقيقة من التقدير والتبجيل والاحترام، قد أخفيت عند أناس هم أبناء من جلدتنا ويتكلمون بألسننا، فصاروا يختلقون الأكاذيب والاتهامات عن حملة المنهج السلفي المغربي ، ولعل من أخطرها أنهم يعادون أشد العداوة مذهب الإمام مالك وأعلامه، بل جنح التطرف المذهبي ببعضهم إلى غمز ونبز الدعوة السلفية المغربية بالتعصب والإستصنام لمذهب الإمام أحمد بن حنبل، والارتباط المادي بدول البترودولار، حيث قال أحد المناضلين عن التمذهب والمذهبية{ فريد الأنصاري}:

« والسبب الرئيس في اصطباغ السلفية الدخيلة بالمذهبية الحنبلية – لدى بعضهم – إنما هو الارتباط المادي بدول الخليج ! وأنا أزعم أنه لولا البترول لما كان للحنبلية – في ثوبها الجديد – كل هذا التأثير على كثير من دول العالم الإسلامي! الشيء الذي دفع بعض الانتهازيين إلى تصدر قيادة التيار السلفي أو الانتماء إليه على الأقل، طمعا في الحصول على دعم مادي يخرجه من الفقر إلى الغنى، أو منحة دراسية بالمشرق تفتح له الآفاق، أو منصب داعية بالخارج يتقاضى عنه أجرة شهرية منهم، أو نحو هذا وذاك٠»

الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب ص:170

ولقد ذكرني نبز هذا المدعي وأشباهه الدعوة السلفية المغربية بالحنبلية والبترودولار بنبز الخرافيين والعلمانيين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى العقيدة والتوحيد قديما( بالدعوة الوهابية) وحديثا (بالإرهاب والأصولية)٠

وهكذا يلتقي أهل الأهواء على التشغيب على دعاة الحق والتنفير عنهم، ولو اختلفت الأزمان وتباعدت الأوطان ( تشابهت قلوبهم) ٠

محمد كنون المذكوري رحمه الله يشنع على أصحاب التقليد المذهبي الأعمى

وما أجمل ما قاله العلامة المغربي محمد كنون المذكوري رحمه الله (1398ﻫ) في نبد التقليد والتعصب المذهبي:" فهذه أقوالهم وأفعالهم ،وهم قادة الأمة وسادتها ،فليتأمل المنصف ذلك وليقس عليه أفعال الناس اليوم وأقوالهم من ملازمتهم لهذا التقليد الأعمى حتى ولو خالف الكتاب والسنة ،وهذا الشيء عشناه وشاهدناه،ولم نجد أيام دراستنا إلا مثل هذا التقليد ،إلى أن قيض الله تعلى لهذا الشعب المغربي النبيل أحد أبنائه البررة الإمام شيخنا وشيخ الإسلام المحدث الحافظ أبا شعيب الدكالي رحمه الله وجزاه خير ما يجازي به كل مصلح ،فقد كانت دروسه بردا وسلاما على قلوب المتنبهين والحائرين ،وجحيما على المقلدين الجامدين ،حيث حمل على البدعة والتقليد ،وندد بأصحابهما أيما تنديد ،فانتقلت من درسه عدة دروس ،اشتاقت لسماعها الكثير من النفوس ،وخفقت أعلام السنة في المدن والبوادي ،وغنى لها كل من الرائح والغادي ،وأدبرت فلول البدعة تتعثر في أثواب الخجل والوحل ،وتمت كلمة الله عز وجل ،فله على هذا الشعب الفضل العظيم ،وسيلقى جزاء ذلك عند الغفور الرحيم ،فزالت بذلك عن كثير من القلوب الغباوة ،وعن أعين الكثير الغشاوة ،فالواجب على من بيدهم مقاليد أمور المسلمين أن يسعوا لجمع كل من فيه أهلية المجتهد أو حتى نصف المجتهد على القول به فلينظروا أو يسيروا في هذا الطريق السوي بدافع الضرورة ،أو لما حدث و يحدث في جميع بلاد الإسلام من وقائع ومستحدثات "

عبد الله كنون رئيس رابطة علماء المغرب ينبد التعصب المذهبي

طبعا لا يقول ببدعة التعصب المذهبي الشيخ محمد كنون المذكوري رحمه الله فقط ، ولكن يقوله كل من يؤمن بهذا المنهج حقا ويغتبط بانتشاره وسيادته، بل قد أقر به وقاله إمام كبير من أئمة الدعوة السلفية المغربية في هذا العصر،وهو عبد الله كنون رئيس رابطة علماء المغرب وأمينها العام سابقا

"تعتبر مهمة الإفتاء مسؤولية دينية ودنيوية معا ، فالمفتي مخبر عن الله كما يقول الفقهاء ،أي عن شرعه وأحكام دينه ،وهو بمقتضى ذلك يجب أن لا يصدر فتوى إلا بعد التحري والمبالغة في تحرير المسألة والتماس الدليل الشرعي عليها ،ومن حيث إن الفتوى تتعلق بأحكام المعاملات ،كما تتعلق بأحكام العبادات ،فتمنع بها حقوق وتستباح بها حرمات ،فإن المفتي يتحمل ذلك عبئا ثقيلا من أمر الدين والدنيا .

وكانت الفتوى قبل اليوم تدور في فلك المذهب وقواعده ،وتعتمد أقوال علمائه وحاملي رايته فلا تكاد تخرج عن ذلك إلا نادرا حينما يكون الدليل الشرعي واضحا وبمتناول الجميع ،أما اليوم وبعد أن نشرت كتب السنة وشروحها وكتب الخلاف العالي والمذاهب الفقهية المتعددة ،وأصبحت متداولة بين أيدي الناس

،واطلع عليها الفقهاء وطلبة العلم على ما بها من أدلة ومدارك تخالف ما كانوا يعهدونه ويتمسكون به في بعض المسائل ،فإن المفتي الآن صار مطالبا بتخريج المسألة على مقتضى الدليل الشرعي من الكتاب والسنة وما في حكمهما ،ومقارنة المذاهب وأقوال الأئمة والترجيح بينها " .

(من مقدمة عبد الله كنون لفتاوى محمد كنون المذكوري ،نقلا عن كتاب السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب ص230)

السلفيون عموما لا يرفضون دراسة الفقه على الطريقة المذهبية

ويؤكد تلك المعاني العلمية المذكورة آنفا، فضيلة الشيخ محمد عيد عباسي في كتابه الماتع * بدعة التعصب المذهبي وأثارها الخطيرة في جمود الفكر وانحطاط المسلمين * ص63­64:

« ··· والخلاصة أننا لا نمانع في الوقت الحاضر من دراسة الفقه على الطريقة المذهبية، ولكن بشرط واحد: وهو عدم التعصب، فالتعصب المذهبي هو الذي نحاربه ونكرهه··· وبهذا يتبين لك ­ أيها القارئ الكريم - أن ما يدعيه خصومنا من أننا نحارب المذاهب ! ونطعن فيها ! ونعمل لإنشاء مذهب خامس ! وأمثال ذلك: هي ادعاءات باطلة، لأن ذلك يستلزم الإعراض عما في المذاهب من الحق والصواب، وكل ما في الأمر أننا ضد التعصب المذهبي الذي يجعل المذهب هو الأساس والأصل، ويجعل الكتاب والسنة هما التبع والفرع، فيَردٌ منهما ما خالف المذهب ! »٠



كلمة أخيرة نهديها لدعاة التعصب المذهبي، ولكل من سلم الروم والسند والهند والترك من ألسنتهم، ولم يسلم منهم إخوانهم السلفيون، أن سياسة إغلاق الأبواب وعدم الانفتاح على مختلف المذاهب السلفية،تحت ذريعة الحفاظ على ثوابت الأمة ومذهبها ، لن تجدي نفعا في زمن أمسى فيه العالم قرية صغيرة وغزت فيه الأشرطة المرئية والمسموعة كل البيوت، واخترقت القنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية كل الحدود المصطنعة، وبالتالي فالتعصب للمذهب الواحد والتقوقع في دائرته، ورفض التلاقح المعرفي مع اجتهادات المذاهب الفقهية الأخرى، أمسى أسلوبا قديما أفل نجمه وانتهى وقته وعفا الزمن عليه، وأصبح كل طالب علم مجد ينظر بعين الضحك والسخرية لكل من يصر على سجن المغاربة في إطار مذهبي ضيق٠

التهم التي تكال ضد السلفيين قديمة حديثة في نفس الوقت، تولى كبرها المتصوفة الأجلاف، والأشاعرة الأخلاف، وكلهم مجمعون على محاربة منهج الأسلاف، واليوم يحييها أرباب الطرق وعلماء المجالس العلمية، كما هو صنيع الدكتور فريد الأنصاري حفظه الله وغفر لنا وله في كتابه الأأخطاء الستة.
وقد كنت كتبت رسالة في نقض خيوط خباله سميتها : " الأخطاء الستة في رسالة الأخطاء الستة" أسأل الله أن يعجل بنشرها قريبا.

الشيخ فريد الأنصاري حفظه الله لايدعوا للتعصب المذهبي وإنما يدعوا لإعادة الاعتبار للمذهب المالكي والذي همشه كثيرا الإخوة السلفيون ردحا من الزمن...