التدين المناسباتي

ظاهرة التدين المناسباتي

أبو الوليد إبراهيم أيت باخة
لقد اضحت هذه الظاهرة تنخر في أوساط كثير من الناس ، وبخاصة الأثرياء منهم وذوي المروءات ، بل إن هذه الظاهرة أقصد التدين في المناسبات أصبحت موضة يتباهى بها الكثيرون ، على أنها رمز للحضارة والجمع بين الأصالة و المعاصرة كما يقولون ، فنجد أن الإسلام أو التدين عند هؤلاء لا يعدو أن يكون مجرد نزوات تعتري الإنسان من حين لآخر ، ثم سرعان ما تختفي ...وفي أغلب الأحيان ، وإليكم أهم هذه المناسبات التي يطل فيها هؤلاء الزهاد برؤوسهم :
يوم الجمعة : هذا اليوم المبارك حوله أصحاب التدين المناسباتي إلى ما يشبه يوم السبت والأحد عند اليهود والنصارى من حيث تخصيصه بالعبادة ، فترى أحد هؤلاء يوم الجمعة قد لبس جلبابه الأبيض وقبعته الحمراء ، حاملا في يده مسبحة وسجادة ..متجها إلى المسجد في تأنق منقطع النظير ....وفي بقية الأيام يتوارى عن الأنظار كما توارى الجمعة بين الأيام
شهر رمضان : فيه يحرص هؤلاء على القيام بجميع طقوس هذا الشهر ، سواء ما كان منها من صميم الدين وما ألصق به من بدع وخرافات .. حلوى وأكلات.. تراويح وصلوات ..إنفاق وصدقات .. ولو تراهم في ليلة السابع والعشرين حيث الإحتفالات والأمداح ، والترانيم والأصداح ....وكل هذا محسوب على التدين ..ثم يشيعون رمضان يوم العيد ، فيصلون عليه في المصلى صلاة الجنازة أقصد صلاة العيد ، بعدها يرجعون هم والأموال ، وتبقى هنالك الأعمال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { يتبع الميت ثلاثة، فيرجعاثنان، ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله }. متفق عليه
الأعياد : إذ يتقلبون بين صلة للأرحام ..وزيارة للأقارب والإخوان ..وأناقة في الزي والهندام ...ثم هم في الصفوف الأولى من صلاة العيد يزاحمون أهل الإخلاص و التوحيد ...ولك أن تراهم عند ذبح الأضحية يبلغ بهم الحرص أنهم يأتون على اليابس والأخضر من البدع والخرافات ، فيجمعونها في سلة واحدة على أنها من التدين ...فإذا مرت هذه المناسبة فلن تملأ بهم عينك مرة أخرى .
وانظر إليهم عند الجنازة ، لترى أحدهم في تذلل وخضوع ، وإخباث وخشوع ، مطأطأ الرأس ، كسير النفس ، لا يسمع في بيته إلا القرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار ، وقد يطلق لحيته حزنا على مصابه ، أما النساء فلا ترى إلا مشدودة عليها ثيابها ، كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية ، وهن من وقت قريب في نياحة ولطم ، وصياح ومنكرات ، لكنه التدين المناسباتي ..
وانظر إلى أصحاب بعض المحلات التجارية ، لا يبدؤون يومهم إلا على القرآن الكريم يستفتحون به البركة والتوفيق ـ كما زعموا ـ فلا يسمع في الصباح الباكر إلا القرآن يتلى من هنا وهناك ، وبعد أن تلامس الشمس صفحة الأرض بنورها ، تلامس معها الأغاني الآذان بأنغامها والله المستعان ..
وانظر إليهم عند حلول المصائب يصدق عليهم قول الحق تعالى : ( هو الذي يسيركم في البر والبحر , حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف , وجاءهم الموج من كل مكان , وظنوا أنهم أحيط بهم , دعوا الله مخلصين له الدين:لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين . فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق )
هكذا يفعل أهل التدين المناسباتي ، في حين أن حقيقة التدين هو أن تأخذ الدين ـ ولا أقصد غير الإسلام ـ أن تأخذه بجميعه كمنهج حياة متكامل ، يحكمك في كل آن وحين ، في حركاتك وسكناتك ، في ليلك ونهارك ، في منشطك ومكرهك ، في غناك وفقرك ، في كل أمر من أمورك ، قال الله عز وجل : (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )ـ الأنعام :162 ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : {اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن}أما التدين المناسباتي فالله عز وجل يقول فيه : ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) سورة آل عمران 72، ويقول فيه رسوله صلى الله عليه وسلم : (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلمفتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مسلماً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)والحمد لله رب العالمين

اللهم اهدنا واهد جميع امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم