أبو عبد الله مشرف ملتقى الطلبة الباحثين
عدد المساهمات : 405 نقاط : 61406 تاريخ التسجيل : 04/04/2008 العمر : 38
| موضوع: ثقافة المظلومية الثلاثاء سبتمبر 29, 2009 3:01 pm | |
| ثقافة المظلومية الحمد لله رب العالمين وللصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين. وبعد،فمن المعلوم من الدين بالاضطرار أن الظلم ظلمات يوم القيامة ،يهلك صاحبه ويعرضه لعذاب الله وسخطه،وأن شريعة الإسلام جاءت لتقيم العدل بين العباد وتحسم مادة الشقاق و النزاع والعداوة بينهم ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ،كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"[1] .وقال الله صلى الله عليه و سلم أيضا :" إن الله عز و جل يملي للظالم ،فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد"[2]. ومن المعلوم من الواقع بالضرورة أيضا حصول كثير من الظلم من كثير من الناس على بعضهم البعض، ولاسيما الظلم الواقع من الحكام على محكوميهم ورعاياهم ،فلا يكاد يخلو مجتلمع مسلم من هذا الظلم و الجور إلا من رحم الله وقليل ما هم ،وهذا سنة من سنن الله في الكون التي ارتضى حصولها ودوامها إلى يوم الدين ليميز الخبيث من الطيب وما ذلك على الله بعزيز. فهذان أمران اثنان :أحدهما معلوم مشهور لا ينكر من الدين،و الأخر مشاهد محسوس لا يجادل فيه في واقع الناس. غير أن ما أود لفت الانتباه إليه هو انصراف كثير من الناس الخاصة منهم ـ بل حتى العامة في كثير من الأحايين ـ إلى جعل هذا الظلم الواقع من الحكام والمسؤولين و المؤسسات و الأفراد ثقافة سائدة يتم استغلالها والتذرع بها من أجل المطالبة بالحقوق ومزيد حقوق أي حقوق.فتراهم يسخرون لبلوغ ذلك المطلب المظاهرات و الإضرابات ومقاطعة الدراسة في الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة.في الحقيقة المطالبة بالحقوق و العدل وتوفير ظروف ووسائل التحصيل العلمي والاجتهاد أمر مشروع ـ وقد يكون واجبا أحيانا متى تعلقت بها حقوق ومصالح متيقنة ـ كما أنه مطلب موضوعي،لأنه متى غاب الشرط غاب المشروط ومتى انعدم السبب انعدمت النتيجة المرضية.لكن أن يجعل المسلم كل همه المطالبة بالحقوق ، ويغالي في هذا الحق ويبالغ فيه لدرجة اعتبار نفسه ضحية ، مظلوما، منتهك الحقوق ، مستلب الكرامة،فهذا أمر غير محمود وغير معقول.ذلك أن كثيرا من هذه المطالب والحقوق التي ينادى بها ولاسيما في الساحة الجامعية،إنما ظهرت في ظل هذا الذي يسمى بـ "النظام العالمي الجديد" "والدولة المدنية الحديثة"،ولا شك أن الكثير ممن لهم دراية بهذا المجال لا يقرون لها يهذا النعت و الوصف أعنى الحق أو الصفة الحقوقية. كما أن هذا الاسم " الحق " يعتبر من أسماء الأضداد التلازمبة، أي أنه يحمل في ذاته معنيين متضادين متلازمين لا ينفك أحدهما عن الأخر ،فكل منهما يقتضي الأخر، وهذين المعننيين هما "الحق" و "الواجب" أو "الالتزام"[3]، فالحديث عن الحق حديث عن الواجب،إذ ليس تمة حق مكتسب من غير واجب والتزام يؤدى لقاءً عنه.وأغلب هؤلاء الحقوقيين ـ إن جاز هذا التعبيرـ إنما يعرفون ويدندنون حول حقوقهم ومطالبهم فحسب ،ولا يهتمون بأداء ما عليهم من واجبات لقاء هذا الذي ينادون به ويسمونه حقوقا ويهتفون بها بكرة وعشيا،فلا تكاد تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا.ولا ريب أن هذا خلل في هذه المعادلة الحقوقية!! ومن اطلع على أوضاع و اهتمامات مختلف الأحزاب والفصائل الطلابية في مختلف الجامعات المغربية ـ حتى الشرعية منها كما هو حاصل عندنا في هذه الكلية ـ يظهر له بشكل واضح غير خفي شيعوعة هذه الثقافة " ثقافة المظلومية" فيها،حيث تجد ديدن الفصائل الطلابية في تجمعاتهم وندواتهم وحلقياتهم إنما هو حديث عن الحقوق والملفات المطلبية...وتجد طالب الشريعة منذ أن يطأ بقدميه أرض هذه الكلية ينخرط في هذه الكوكبة و هذا الزخم اللامتناهي من المطالب والحقوق،فتراه تارة يهتف بأعلى صوته مرددا: "حقوقي حقوقي..."،وتارة تراه يعلق اللافتات ويلوح بأخرى ،فيصير كل همه وجل اهتمامه مطالبة بالحقوق أي حقوق.ويتناسى أنه ما أتى إلى هذه الكلية لذاك الغرض، وإنما ليطلب علما شرعيا. إن طالب العلم الشرعي لا يجعل همه هذا المطلب غير السليم ،ولا يتخذ له هذا المسلك الخطا،وإنما يتجه بقلبه وقالبه معا إلى تحصيل العلم الشرعي والصبر على ذلك.نعم إن الطالب يعاني من ضيق المعيشة و خشونة العيش وانعدام بعض ـ حتى لا نكون مجحفين ـ ظروف التحصيل العلمي،لكن كل ذلك يهون ويزول أمام فضل هذا المطلب المنشود ألا وهو تحصبل العلم و التعلم، فليصبر طالب الشريعة ولا يجزع ولا يأسف في سبيل نيل هذا الوطر وتحقيق هذا المطلب،فهونا عليك يا طالب الشريعة،وابدأ بالأهم فالأهم، والأول فالأول، فإن النعيم لا يدرك بالنعيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.[1] رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله.رقم2564[2] رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم باب تحريم الظلم .رقم 2583[3] راجع نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي و في القانون أيضا. | |
|