أبو عبد الله مشرف ملتقى الطلبة الباحثين
عدد المساهمات : 405 نقاط : 61406 تاريخ التسجيل : 04/04/2008 العمر : 38
| موضوع: مفهوم المخالفة الثلاثاء سبتمبر 29, 2009 3:04 pm | |
| المبحث الأول : تعريف مفهوم المخالفة وبيان حكمه. المطلب الأول : تعريف مفهوم المخالفة يقصد بمفهوم المخالفة عند الأصوليين كما عرفه الشوكاني :"هو حيث المسكوت عنه مخالفا للمذكور في الحكم إثباتا ونفيا،فيثبت للمسكوت عنه نقيض حكم المنطوق به."[1] فمفهوم المخالفة إذن هو: دلالة اللفظ على ثبوت حكم المسكوت عنه مخالفا لما دل عليه المنطوق"وحتى يتضح التعريف نورد المثال التالي:قال الله تعالى :"{قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يَطعمه إلاّ أن يكون ميتَة أو دما مسفوحا}[2] "منطوق الآية يفيد تحريم الدم المسفوح،وأما تحريم الدم غير المسفوح فهو مفهوم مخالف لمنطوقه،ولا دلالة لهذه الآية عليه،بل يعرف بالإباحة الأصلة أو بأي دليل شرعي مثل قوله صلى الله عليه وسلم:" أحلت لكم ميتتان و دمان: أما الميتتان فالسمك والجراد،وأما الدمان فالكبد والطحال"[3]المطلب الثاني : حكم المفهوم المخالف اختلف الأصوليون في الاحتجاج بمفهوم المخالفة على قولين[4] هما:القول الأول : يرى مفهوم المخالفة حجة في الشريعة الإسلامية،ومسلكا من مسالك دلالة النصوص على الأحكام،فالألفاظ كما تدل بمفهومها الموافق تدل أيضا بمفهومه المخالف.واستدل القائلون بهذا الرأي – وهم الجمهور- بأدلة أظهرها ما يلي : الدليل الأول: أن العرب حينما تقيد الحكم بوصف أو شرط أو تحدده بعدد أو غاية،فإنها تقصد إلى إثبات هذا الحكم حيث وجد هذا الحكم ونفيه حيث عدم.ولذلك استشكل عمر رضي الله عنه تعالى قصر الصحابة للصلاة في السفر مع الأمن،فسأل رسول الله صلى اله عليه وسلم :ما بالنا نقصر الصلاة في الأمن؟ فقال صلى الله عله وسلم :" صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته."[5] وكأن عمر رضي الله عنه فهم من قوله تعالى:{وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا }[6] أنهم إذا أمنوا فتنة الكفار لم يقصروا. الدليل الثاني:" إن الذي يتفق مع المنطق البياني السليم أن القيد من وصف أو عدد أو شرط أو غاية...لا يمكن أن يوجد عبثا،و إنما يكون ذكره لسبب وحكمة،ولا شك أن هذه الحكمة لا تعدو أن تكون إثبات الحكم متى وجد هذا القيد،وإثبات نقيضه متى لم يوجد"[7]القول الثاني: يرى أصحاب هذا الرأي وهم الحنفية أن مفهوم المخالفة ليس حجة ولا مسلكا يتوسل به إلى معرفة الأحكام و المعاني التي تنطوي علها النصوص الشرعية،فإن القول بانتفاء حكم المنطوق عن المسكوت في نص من النصوص،يلجأ فيه إلى دليل أخر كالعدم الأصلي أو البراءة الأصلية لا إلى المفهوم المخالف،إذ لا يدل على الأحكام.وردوا على الجمهور بأدلة أظهرها اثنان : الدليل الأول : أنه ليس مطردا في الاستعمال العربي أن تقييد الحكم بوصف أو شرط أو تحديده بعدد أو غاية،يفيد إثبات الحكم حيث وجد ذلك القيد ونفيه حيث لم يوجد،بل يحتمل الأمر هذا وذاك.وإذا كان الأمر كذلك،فلا يكون المفهوم المخالف حجة قطعية في النص الشرعي،لأنه لا يكون حجة بمجرد الاحتمال. الدليل الثاني:قالوا بأن ما استدل به الجمهور من أن القيد في القرآن لا يوجد عبثا بل لحكمة ليس على إطلاقه،ذلك أن كثيرا من النصوص الشرعية التي دلت على أحكام وقيدت بقيود لم ينتفي حكمها حيث انتفى القيد،بل ثبت حكم المنطوق للمسكوت عنه مع ثبوت القيد.فمثلا الربيبة تحرم على زوج أمها إذا كانت في حجره،وإذا لم تكن في حجره أيضا مع أن القرآن قيد التحريم بهذا الوصف في قوله تعالى :"وربائبكم اللاتي في حجوركم"[8] والراجح في هذا والله أعلم أن مفهوم المخالفة حجة قطعية يتسل به إلى معرفة الأحكام،فهو طريق من طرق دلالة اللفظ على الأحكام،لكن لا يفيد ذلك إلا بشروط،نذكر ملخصها فيما يلي[9] :أولا :ألا يكون المذكور خرج مخرج الغالب فقوله تعالى مثلا :"وربائبكم اللاتي في حجوركم" لا يدل على حل الربيبة التي ليست في الحجر لزوج أمها،لأن الغالب في الربائب أنهن يكن في بيوت أزواج أمهاتهن.ثانيا : ألا يكون المذكور قصد به الامتنان كما في قوله :"لتأكل منه لحما طريا"[10]،أو التفخيم :" كما في قوله صلى الله عليه وسلم :"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تحد".فلا دلالة في الآية على منع أكل ما ليس بطري،لأنها خرجت مخرج الامتنان،كما أنه لا مفهوم للتقييد بالإيمان في الحديث،إذ القصد منه تفخيم الأمر وتعظيمه.رابعا:أن يكون المذكور مستقلا،فلو ذكر على وجه التبعية لشيء أخر،فلا مفهوم له كما في قوله تعالى :"ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد"فلا مفهوم للمساجد،لأن الاعتكاف لا يحصل فيها،فالمعتكف ممنوع من المباشرة مطلقا.خامسا:ألا يكون الحكم المراد تعديته للمسكوت عنه متوصلا إليه بدليل أخر،فإذا وجد دليل خاص بالمسكوت عنه لا يصار إلى مفهوم المخالفة ولا يلتفت إليه.و مثاله قوله تعالى:{وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا}.فقد ثبت بدليل خاص جواز القصر مع الأمن،وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم – الذي سبق ذكره- :" صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته"،فمفهوم المخالفة في مثل هذا الحال يكون الاحتجاج به تأكيدا للحكم لا تأسيسا له،فهو هنا من باب تضافر الأدلة والحجج ليس إلا.المبحث الثاني : أنواع مفهوم المخالفة وتطبيقاتها من القرآن يختلف مفهوم المخالفة تبعا لاختلاف القيد الذي قيد به الحكم الثابت للمنطوق في النص الشرعي،ويمكن حصر هذه القيود في الأنواع التالية:[11] أولا مفهوم الصفة:وهو دلالة اللفظ المقيد بصفة على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت الذي انتفت عنه هذه الصفة.ومن شواهده:** قوله تعالى:{ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}.[12]فالآية تدل بمفهومها المخالف على حرمة الزواج بالإماء الكافرات،والقيد الذي دل على هذا هو قيد الإيمان في قوله:"من فتياتكم المؤمنات"فخرج به الكافرات.**قوله:{يا أيها الّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}[13]"فمفهوم التعبير بـ "فاسق" أن غير الفاسق لا يجب التثبت في خبره،ومعنى هذا أنه يجب قبول خبر الواحد العدل"[14]ثانيا : مفهوم الشرط وهو دلالة اللفظ المقيد بشرط على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه لانتفاء ذلك الشرط عنه. ومن أمثلته :** قوله عز وجل:{وإن كن أولاتِ حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن }[15]فالمفهوم المخالف في هذه الآية يقضي بعدم وجوب الإنفاق على غير الحوامل،والذي دل على هذا المعنى هو الشرط "إن"،فانتفى الحكم الذي هو وجوب النفقة بانتفاء الشرط الذي هو الحمل.** قوله تعالى :{وآتوا النساء صدُقاتهنّ نِحلة فإن طِبْن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هَنيئا مّريئا}[16].فالشرط هنا هو رضا الزوجة وطيبتها،مفهومه المخالف أنه إذا لم تطب نفسها،فليس للزوج أن يأخذ منها شيئا.ثالثا : مفهوم الغاية وهو دلالة النص على ثبوت حكم المنطوق للمسكوت عنه مخالفا له بقيد الغاية بـ "إلى" أو "حتى". ** مثال الغاية بالحرف "إلى" قوله تعالى :{ ثمّ أتموا الصيام إلى الّليل}[17] فوجوب الصيام حاصل في النهار فحسب دون الليل بمنطوق الآية،أما عدم وجوبه في الليل فثابت بمفهوم المخالفة،فمنتهى فرض الصيام هو دخول وقت الليل،والذي أفاد هذا المعنى قيد الغاية بـ "إلى".** ومثال الغاية بالحرف "حتى" قوله تعالى:{فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتّى تنكح زَوجا غيره}[18]مفهوم الآية المخالف لمنطوقها أن المطلقة إذا نكحت زوجا أخر- وهذا هو الغاية- حلت لزوجها الأول بعد أن كانت حراما عليه قبل أن تنكح زوجها الثاني كما هو منطوق الآية.خامسا :العدد ويقصد به "دلالة النص الذي قيد الحكم فيه بعدد مخصوص على ثبوت حكم المسكوت عنه مخالفا لحكم المنطوق لانتفاء ذلك القيد."[19] من أمثلته :** قوله تعالى:{الزّانية والزّاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة }[20] دلت الآية بالمفهوم المخالف المقيد بعدد على عدم جواز الاقتصار على ما دون المائة جلدة،كما دلت أيضا على المنع من الزيادة على المائة،لأن تقييد العدد بمائة يفيد وجوب التزامها.**قوله تعالى:{فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة}[21] فتقييد الحكم بالعدد عشرة يفيد عدم الزيادة أو النقصان منه،فلا تبرأ ذمة المكلف إلا بصيام عشرة أيام كاملة.سادسا : مفهوم العلة وهو تعليق الحكم بالعلة فمتى انتفت العلة في المسكوت عنه انتفى عنه الحكم الثابت للمنطوق لوجود تلك العلة فيه.من أمثلته:** قوله عز وجل:{يا أَيها الّذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}[22]فعلة تحريم الخمر هي الإسكار،مفهومه المخالف أن ما لم تتوفر فيه علة الإسكار يجوز شربه وتناوله لانتفاء تلك العلة عنه.** قوله تعالى:{وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النكاح فإِن آنستم منهم رشدا فَادفعوا إليهم أموالهم}[23].تدل هذه الآية بمنطوقها على أن من لم يبلغ الحلم من اليتامى فإنه تثبت الولاية و الحَجر على ماله،وعلة الحجر الصغر بالإجماع،ويستفاد بمفهوم المخالفة أن الراشد الذي بلغ النكاح كامل الأهلية والتصرف في ماله،لا يحجر عليه.خاتــمـة : يمكن القول أن دلالة المفهوم بنوعيه الموافق و المخالف مسلك من مسالك التعرف على الأحكام واستنباط المعاني التي تنطوي عليها النصوص الشرعية كتابا وسنة، فهو دليل قطعي تقوم به الحجة كما ذهب إلى ذلك جمهور الأصوليين على خلاف الحنفية،ذلك أنه لو أبطلنا كل مسلك أو دليل من الأدلة الشرعية بمجرد طروء الاستثناء عليه وعدم اطرداه،لأبطلنا جميع الأدلة والمسالك الاستدلالية،ولما أبقينا واحدا منها،إذ ما من دليل أصلي كان أو فرعي إلا و يرد عليه الاستثناء،فدلالة المفهوم طريق من طرق التوصل إلى الأحكام الشرعية،وهي قاعدة أصولية لا تقل أهمية عن القواعد الأصولية و اللغوية الأخرى في تفهم النصوص واستنباط ما تحويه من أحكام وفقه،فلا مندوحة للمجتهد والمفسر والفقيه إذن عن الأخذ به والتوسل به في عملية التفسير والاستنباط من النصوص الشرعية.وتزداد أهمية هذه القاعدة وهذا المسلك إذا علمنا أن كثيرا من فقهاء[24] ورجال القانون يدعون إلى اعتماد هذه القواعد والمسالك والدلالات في تفسير النصوص القانونية والوضعية،بل مطلق النصوص والأقوال والعقود والكلام حتى الجاري على ألسنة الناس منه.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين [1] إرشاد الفحول 2/56[2] الأنعام 145.[3] علم أصول الفقه 2/57[4] إرشاد الفحول 2/57[5] رواه أحمد و أصحاب الكتب الستة إلا البخاري.[6] النساء101 [7] تفسير النصوص في الفقه الإسلامي ص 671 بتصرف يسير.[8] النساء 23[9] إرشاد الفحول 2/60[10] النحل 14[11] إرشاد الفحول 2/61[12] النساء 25[13] الحجرات 6 [14] مباحث في علوم القرآن ص 245 [15] الطلاق من الآية 6[16] النساء 4[17] البقرة من الآية 187[18] البقرة من الآية 230[19] تفسير النصوص في الفقه الإسلامي ص 617[20] النور من الآية 2 [21] البقرة من الآية 196[22] المائدة 90[23] النساء من الآية 6[24] علم أصول الفقه ص 145 | |
|
احمد اهند ابو حمزة عضو جديد
عدد المساهمات : 9 نقاط : 55399 تاريخ التسجيل : 25/09/2009 العمر : 46
| موضوع: رد: مفهوم المخالفة الأربعاء سبتمبر 30, 2009 5:25 pm | |
| السلام عليكم جزاك الله خير على الموضوع المفيد | |
|
ابن العميد عضو جديد
عدد المساهمات : 29 نقاط : 55675 تاريخ التسجيل : 31/08/2009
| موضوع: رد: مفهوم المخالفة الخميس أكتوبر 01, 2009 7:18 am | |
| موضوع جد مفيد جزاك الله خيرا | |
|
أبو عبد الله مشرف ملتقى الطلبة الباحثين
عدد المساهمات : 405 نقاط : 61406 تاريخ التسجيل : 04/04/2008 العمر : 38
| موضوع: رد: مفهوم المخالفة الخميس أكتوبر 01, 2009 2:42 pm | |
| | |
|