قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل اللهُ داء، إلا أنزل له شفاء) أخرجه البخاري.
ملخص: كتاب إبلاغ الفهامة بفوائد الحجامة
بقلم:
أبي عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائري.
مقدمة الطبعة الأولى
إنّ الحمدَ لله، نحمَدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنا، ومِن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي لـه.
وأشهـدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
[[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ]] [آل عمران 102].
[[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً]] [النساء:1].
[[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً]] [الأحزاب:70-71].
أما بعد(2).
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
فهذا جزءٌ لطيفٌ خفيفٌ في صفةِ الحجامةِ، وبعضِ أحكامِها وفوائدها النافعة، أقدِّمُه للقرّاء الكرام راجياً من الله تعالى أن يستفيدوا منه علماً نافعاً، وعملاً صالحاً.
وهذا الجزءُ اللطيفُ الذي أقدِّمه للقرّاء الفضلاء لا يتعارض والطّبّ الحديث، ولا يجوز أن يتبادر إلى الأذهان السليمةِ أنّ التداويَ بالحجامة أمرٌ بدائيٌ وقديمٌ، ولا يسايرُ الطّب الحديث، ولا يرجى منه فائدة، فمن ظن هذا وُسِم بالجهل، وسقط مِن زمرة أهلِ المعرفة والدراية، وأدخل نفسَه ومنهجَه حُفر الرّيب والجهل والعياذ بالله، والواجبُ على العالم، ومن مَنَّ اللهُ عليه بشيء من العلم إرشادَه إلى الهُدى حتى يستنير بالوحي الذي جاء به النّبي صلى الله عليه وسلم فيكمُل بذلك عقلُه، وتصفى روحُه، ويرقى في سُلم العلم والهداية، ويخرج من حقل الجهل والغِوايّة.
والناظرُ في جزئي هذا وفّقه اللهُ تبارك وتعالى إلى كل خير، يُدرك أنَّ الإسلامَ الحنيفَ جاء للحفاظ على عنصر الإنسان، ووقايته من كل شرّ وحَبَنٍ وأُنان، سواءٌ كان الشرُ داخلياً أو خارجياً، عضوياً أو نفسياً، وبعبارة موجزةٍ، فالإسلامُ دينُ الحياةِ والطُمأنينة، فمن رغب عن هذا الدّين القويم، وما فيه من الهدى والحقّ المبين، فقد رغب عن الحياة الحقيقية، والسّعادة السرمدية، وإن زعم هذا الراغب عن الوحي أنه حيٌ يتنفس، أو وُصِف بالحياة الظاهرة، فالمعرض عن الإسلام الحنيف الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ميت، وإنْ صعد إلى القمر، أو شرب الشاي على زحل.
وقد سمَّيْتُ هذا الجزء الموجز بعون الله القدير: "إبلاغ الفهامة بفوائد الحجامة"، فمن وجد فيه بغيته وحاجته فليحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، ولا ينسانا من صالح دعائه، فما أحوجنا إلى الدعاء في هذا الزمن العصيب الذي كثرت فيه الفتن والافتراءات.
وأخيراً أسأل الله العلي القديرأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يثبتنا على المنهج أهل الحديث والأثر قولا وعملا، وأن يرزقنا الصِّدق والإخلاص في الأمور كلها، وأن يقينا شرّ أهل الأهواء وأهل الفتن، إنّه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.
وكَتبَه:ُ
أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الأثري الجزائري.
في مدينة أبوظبي منطقة المرور دولة الإمارات العربية المتحدة.
تــوضيــحٌ.
1- لقد اخترتُ أيسرَ العبارات وأسهلَها؛ حتى يتسنى لكلّ قارئ فهم الجزء و الاستفادة منه، كما قال الحسنُ بنُ إسحاق اليمني النحوي.
لعمرُك ما اللحن من شيمتي...... ولا أنا من الخطأ ألحن.
ولكني قد عرفت الأنــام......فخاطبت كلا بما يحسن.
2- نهجتُ الاختصارَ دون إخلال، لأنَّ الإيضاح الزائد عن الحاجة يفضي إلى الملل والركاكة.
3- لقد أعدتُ النظرَ في الطَّبعة السابقةِ لهذا الجزء، والتي كانت من نصيب دار الإمام مالك بالجزائر، وخاصة في مراجعة الأحاديث التي بنيتُ عليها أحكامي، لأنني حين كتبتُ هذا الجزء قديماً اعتمدتُ على صَحَاحِ العلاّمة المحدث ناصر الدين الألباني للأحاديث - رحمه الله- وفي ذلك الوقت كنت أعدُّ نفسي مقلداً للشيخ - رحمه الله - ولم يكن لي رأيٌ مع رأيه في باب تصحيح وتضعيف الأحاديث، ولكن بعد ما توسعتُ قليلاً في دراسة هذا العلم، واتسعت دائرتي في معرفة علم العلل، ومنهج المتقدمين في التصحيح والتضعيف، عزمتُ على تتبع طُرُق الحديثِ بنفسي، والنّظر في رجاله، وماذا قال أئمَّةُ الصُّنْعة من المتقدمين فيه، فإن اطمأن قلبي إلى حُكم الشيخ العلاّمة محمد ناصر الدين الألباني أبقيته وحمدتُ الله على ذلك، وإن اتضح لي غيرُ ذلك دونت ما توصلت إليه، بالنظر في كتب أهل العلم مع الملامسة لأوراقها والشَّمِ لرائحتها، على غِرار ما يصنعه بعضُ المحققين في هذا الزمان، فإن جلّ أعمالهم إلاّ مَنْ رحم الرحمن -وقليل ما هم- عن طريق الموسوعات المبرمجة في جهاز الحاسوب، فتراهم يخرِّجون الحديث من مائة مصدر أو أكثر، ثم يسوِّدون بها حواشي الكتب، دون النظر: هل هذا الحديث معلول أم محفوظ، أو منكر أم معروف مما هو مبينٌ عند علماء العلل، وكان الأليق بهذا الصنف أن يكتب على ظهر الكتاب حقّقه وخرّج أحاديثه جهازُ الحاسوب، ولهذا تجد هذا الصنف من المحققين فارغاً من العلم والضبط، وإذا تكلم ظهرت عليه سمات العوام، فتأتي لتقارن بين كتبه المتناثرة والمظلمة الحواشي، وبين ذاته التي أمامك، وإذا بك تفاجأ بالمغايرة ويصعبُ عليك الجمع بين الحاشية المظلمة والذات القائمة، لأنك تجد الكُتبَ والأجزاء في وادٍ، والـمُحققَ في وادٍ آخر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولهذا لا بركة في كتبهم وأعمالهم -إلا من رحم ربي- لأنّها خرجت من جهاز جامد ولم تخرج من عقل متوقد يعيش للدعوة السلفية بروحه ومادَّته، فأنا العبد الفقير أفضِّلُ الطالب الذي يُخرِّج الحديث من عشرة مصادر مع العلم والإتقان والدِّراية، على طالبٍ آخر خرّج الحديث من طُرق شتى عن طريق الأقراص المدمجة، مع خواء في الفهم، وعجز في النقد، فاللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، وجنبنا سوق التُّجار بتراث السلف الكرام، إنك ولي ذلك والقـادر عليـه، والتوفيـق من عنـد الله- جل وعز-.
ومنهج الجِدّ والتدقيق في التحقيق تعلمناه من علاّمة الشام، وحسَنة الأيام محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- وجعل الجنّة مثواه.
وبالمناسبة دعونا نتكلم في هذه المقدمة بإيجاز شديد عن بعض أنصاف المتعالمين الذين كانوا في غياهب الجهل غارقين، وكان الواحد منهم لا يفرق بين حديث أخرجه البخاري في صحيحه وحديث أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، فإنّ هذا الصنف من الناس قد تغذّى من كتب الشيخ العلاّمة محمد ناصر الدين الألباني المديدة والعديدة؛ كالسلسلتين الذهبيتين، والإرواء، وهم يعترفون بهذا، كالمدعو محمود سعيد ممدوح المصري، ولكن بعد ما استوى عودُهم على عِوج وتفتحت عقولُهم على مرج قلبوا ظهر المجن للعلاّمة الألباني رحمه الله ونَسُوا أن يمتثلوا قول الله تعالى [[هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ]] [الرحمن:60].
فإنّك يا طالب الحق والهداية ترى بعض الكتّاب والمحققين لتراث السلف كالمصري المشار إليه سالفا والإردبي ومن كان على طريقتهما وسكيكتهما، وبعض المنتمين إلى مدارسَ متنوعةٍ من كوثرية هالكة، أوغُمارية في الضلال غارقة، أوحدادية غالية، ومنهم العياذ بالله من جمع بين الأوصاف الثلاثة؛ ساعين وجاهدين في نسف جهود هذا المحدِّث الكبير والفقيه الرزين، بشتى وسائل الدّس والتدليس، والتزوير والغشِّ والكذب والتلويس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن أراد أن يقف بنفسه على طعانات الكوثريين والغماريين المكشوفة والمسمومة في العلاّمة الألباني، ويرى العجب بعينيه، ويجمع قاموساً في التدليس والبتر والغش؛ فليرجع إلى ما خلَّفه المسمى محمود سعيد ممدوح المصري، وضَمنه كتابه «التعريف بأوهام من قسَّم السُّنن إلى صحيح وضعيف»، فإنه سيجد ما يُندى له الجبين، ويشين وجهَ مَنْ سطر التخريف بالشمال أو اليمين.
ثم نقول لهذا المصري، صاحبِ التخريف! والذي باع ذمته لأهل الأهواء بدراهم معدودات (وهذا الرجل عينة من ميئات العينات): هَبْ جدلا أننا لا نوافق الشيخ الألباني إلى ما ذهب إليه من تقسيم السّنن إلى صحيح وضعيف، ونرى خدمة السّنن بجمع نُسخها المخطوطة، ورواياتها المتعددة والمفرقة في مكتبات العالم، ثم نقابل بينها، وندقق ونحقق ونخرج نسخة دقيقة محققة كما قال صنوه محمد عبد الله آل شاكر الذي نقل المدعو محمود سعيد ممدوح كلامه في كتابه "التخريف" (1/32)، فهل هذه المخالفة تبيح لك الكذب والتّدليس، وإسقاط الشيخ ورميه بالجهل، بل والسّعي إلى التّعريف به للناس وكأنّه كاتب مغمور جاء على حين غفلة من أدغال إفريقيا، وألّف الصّحيحة والضّعيفة واختصر البخاري، وخدم السنن, وأخرج عشرات الكتب الماتعة والنافعة، التي لو اجتمع صاحب التخريف وشيعته التي تؤزّه أزًّا على أن يأتوا بمثلها، لا يأتون بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
يا لها من مهزلة مكشوفة تضحك من غرائبها الثكلى.
إن خدمة السُنن مع ذكر الأسانيد هو الذي فضّله الأوائل دون جعجة صاحب التخريف! هداه الله وطهر قلبه من الشُّبه.
قال الهيثمي في موارد الضمآن: «...وأردت أن أذكر الصحابي فقط وأُسقِط السّند اعتمادا على تصحيحه، فأشار عليّ سيدي الإمام أبو زرعة ابن سيد الإمام العلاّمة شيخ الإسلام أبي الفضل عبد الرحيم بن العراقي بأن أذكر الحديث بسنده لأن فيه أحاديث تكلّم فيها بعض الحفاظ، فرأيت أن ذلك هو الصواب».
وعلّق العلاّمة الألباني رحمه الله على كلام الهيثمي في صحيح الموارد (1/90) قائلا: «قلت: وأصوبُ منه أن يتكلّم على السّند أيضا تصحيحا وتضعيفا، إلا أن هِمّة أكثر القراء تضعف ولا تنشط لقراءة الأحاديث بسندها، ولذلك جريت على اختصار أسانيد كتب السنّة، وبخاصة السنن الأربعة منها، مع تقديم خلاصة موجزة عن تلك الأسانيد من صحة وضعف، لأنها هي الغاية من الأسانيد ودراستها، وأنفع لعامة القرّاء من طبع السنّة بأسانيدها فقط، دون بيان مراتبها...».
قلت: و بيان درجة كل حديث من الضَعف والصّحة اعتماداً على منهج علماء الحديث في نقد الرجال وتوثيقهم هو الذي تميّز به العلامةُ الألباني عن غيره من المعاصرين ممن يدعي معرفة علم الحديث كهذا المصري الآبق، وحسن السقّاف المارق، وبهذه الطريقة يرى العلامة الألباني تقريب سنة النبي صلى الله عليه وسلم موثقة ومحققة ومنقحة، حتى يُجنِّب القراء من الوقوع في الوعيد الشديد الوارد في صحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النّار»، فإنّ هذا الاختلاف في وجهات النظر مع العلاّمة الألباني رحمه الله لا يسوِّغ الظلمَ والتدليسَ والكذبَ، ورميَ الشيخ الألباني رحمه الله بكل رذيلة ونقيصة والعياذ بالله من سخطه، وعجيب أمر المصري وقومه فإنهم يكتبون ويؤصلون: إنّ اختلاف الأمة رحمة، فلما كان الشأن يخص العلامة الألباني صار عند القوم غمة!، فما أقبح الهوى فإنه بوابة الذل والردى.
ولكني أقول لهذا الرجل:
-يكفي العلاّمة الألباني رحمه الله شرفا أنه كان سلفياً على الجادة كما شهد له بذلك الكبار من أهل العلم والمعرفة.
-وأنّه رَحِمَه اللهُ خدم الإسلام خدمة عظيمة تعجز عن إنجازها مراكز متضافرة.
- وأنه رحمه الله قام بنشر وتحقيق كتب العقائد السلفية؛ كالإيمان لابن تيمية، ومختصر العلو للذهبي، وكتاب القائد إلى تصحيح العقائد للمعلمي، وكتاب الطحاوية، وتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، وغيرها كثير من الكتب العظيمة التي تخدم العقيدة التي كان عليها السلف الكرام، وما قام المصري البقباق بـمحاربة العلاّمة الألباني إلا لأن الشيخ رحمه الله نشر المعتقد الصحيح في أوساط المسلمين، وكشف عوار غلاة الصُوفية وضلالات الكوثريين والغماريين، والقبوريين، فثقلت على المصري المساجلة العقدية لأنها تكشف عوْر منهجه القبوري المنحرف، فجاء وتستر بعلم الحديث، ليشكك -عامله الله بما يستحق- في منهج هذا الإمام بأسلوب خبيث يتنزه عنه كلُ ذي سجية من البرية، وهو أسلوب سلكه الكوثري، ومن بعده أبو غدة ومعه وبعده محمد عوامة؛ وهي سلسلة طويلة يصعب حصرها في هذا الجزء الموجز، والله المستعان.
ولكن ماذا عساني أن أقول في حقّ رجل في القرن العشرين باع ذمته بقروش معدودة ليصد عن سبيل الله ويحارب الصالحين من عباد الله، والله المستعان.
-ويكفي كذلك علاّمة الشام أبا عبد الرحمن أنه نذر نفسه لكسر أقلام أهل البدع، ومن أبرزهم عبد الفتاح أبو غدة الصورة المصغرة للكوثري الهالك، ومحمد الغزالي المصري المعتزلي، وحسان عبد المنان الهدام للسنة، ومحمد سعيد رمضان البوطي المنحرف عن الصراط، والحاقد على أهل الحقّ وغيرهم كثير.
-ويكفيه فخرا وشرفا رحمه الله أنّه أعاد اسم السلفية مع إخوانه العلماء إلى أذهان الشباب المتحير مع بيان أصولها، والذبّ عن حياضها بعد ما كادت تسطو عليهم الأفكارُ المبتورة واليتيمة، كفكر الإخوان، والتبليغ، والخوارج ومن سبح في حوضهم، وارتوى من مائهم الآجن.
فالعلامة الألباني رحمه الله وجعل الجنة مثواه يُعدّ مجدداً في هذا الزمان، وهو من كبار المجتهدين فمن أراد أن ينقده فلينقده بحلمٍ وعلمٍ وأناة وصدقٍ، دون جرحٍ أو خدش أو إساءة، وإلا وُسِم الناقد للشيخ بأنه معادٍ للمنهج السلفي، وإن تظاهر بالتخريج والتحقيق، فالكوثري الهالك كان شيئاً في أعين بعض النّاس، وهو مطلع بحقٍ كما وصفه بعضُ معاصريه، ولكن حين نصب العداء لأئمة السنة، وصار يغمز فيهم ويلمزهم ويرميهم بكل نقيصة، قيّض اللهُ تبارك وتعالى للدفاع عن أهل الحديث أسدَ السنة في زمانه وهو العلاّمة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، فتصدى للكوثري بالعلم، فما إنْ صدرت كتبُ المعلمي وانتشرت ردودُه، حتى طاشت صحفُ الكوثري في الهواء وظهر زيفُها للناس أجمعين، واتضح بعد ذلك لعقلاء الجن والإنس أن الكوثري مؤوِّلٌ لصفات ربّ العالمين، غارقٌ في الضلالة إلى حبل الوتين، فمن دافع -بعد بيان المعلمي المتين- عن الكوثري الأرعن وحارب الألباني التِقْن فهو حتماً معادٍ للمنهج السلفي الحق، الذي كان عليه أهل القرون الثلاثة المفضلة، ومناصر لمنهج جهمٍ وأتباعه الغاوين، أهل الفُرقة والضلالة، والبدعة والشقاوة.
ولا أريد الإطالة في هذه المقدمة الموجزة، وإن كان لديّ كثير من الحقائق عن القوم تحتاج إلى كشف ونشر، ولعل الله يقيض من أبناء الأمة من يقوم بهذا العمل، وما ذُكرى فيه عبرة لكل عاقل.
إنّ العلاّمة الألباني رحمه الله وجعل الجنة مثواه أحسبه من أولياء الله الصالحين والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا، فمن حاربه من أجل إسقاطه، وتشويه دعوته فلينتظر حرباً من رب العالمين، ولا يجني الجاني إلا على نفسه، وعلى نفسها جنت براقش، والحمد لله رب العالمين(3).
إهــداء.
إلى سكان الأماكن الحارة أهدي هذا الجزء المُيَسر، وأخص بالذكر جنوب دولة الجزائر الأبية وبالخصوص أهالي ولاية ورقلة الطيبين والمضيافين، ودُوَّل الخليج، وبالأخص دولة الإمارات العربية المتحدة صانها الله وأهلها من كل شر، لأنني بتواجدي بها أحسست بحاجة أهالي هذا البلد الطيب والكريم إلى جزء في أحكام الحجامة، يبصرهم بأحكام ومنافع الطب النبوي، ويقيهم شرّ وتلبيسات المحتالين والمتشبعين بما لم يُعطوا، رُوّاد الغش والتزوير كالمصري المشار إليه سالفا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد ما تكلم أنّ النية والقصد هما من أعمال القلب، وأنّه لابد في المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم من اعتبار النية والقصد: (ومن هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما احتجم وأمر بالحجامة، وقال في الحديث الصحيح: (شفاء أمتي في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار وما أحبّ أن أكتوي)، كان معلوما أن المقصود بالحجامة إخراج الدم الزائد الذي يضر البدن، فهذا هو المقصود، وخصّ الحجامة لأن البلاد الحارة يخرج الدم فيها إلى سطح البدن فيخرج بالحجامة، فلهذا كانت الحجامة في الحجاز ونحوه من البلاد الحارة يحصل بها مقصود استفراغ الدم، وأما البلاد الباردة فالدم يغور فيها إلى العروق فيحتاجون إلى قطع العروق بالفصاد، وهذا أمر معروف بالحس والتجربة، فإنّه في زمان البرد تسخن الأجواف وتبرد الظواهر، لأن شبيه الشيء منجذب إليه، فإذا برد الهواء برد ما يلاقيه من الأبدان والأرض، فيهرب الحرّ الذي فيها من البرد المضاد له إلى الأجواف فيسخن باطن الأرض، وأجواف الحيوان، ويأوي الحيوان إلى الأكنان الدافئة، ولقوة الحرارة في باطن الإنسان يأكل في الشتاء، وفي البلاد الباردة أكثر مما يأكل في الصيف، وفي البلاد الحارة، لأن الحرارة تطبخ الطعام وتصرفه، ويكون الماء النابع في الشتاء سخنا لسخونة جوف الأرض، والدم سخنٌ؛ فيكون في جوف العروق لا في سطح الجلد، فلو احتجم لم ينفعه ذلك بل قد يضره، وفي الصيف والبلاد الحارة تسخن الظواهر فتكون البواطن باردة فلا ينهضم الطعام فيها كما ينهضم في الشتاء، ويكون الماء النابع باردا لبرودة باطن الأرض، وتظهر الحيوانات إلى البراري لسخونة الهواء، فهؤلاء قد لا ينفعهم الفصاد؛ بل قد يضرهم، والحجامة أنفع لهم، وقوله: (شفاء أمتي) إشارة إلى من كان حينئذ من أمته وهم كانوا بالحجاز)(4).
وقال ابن القيم(5) رحمه الله: «فالبلاد الحارّة، والأزمنة الحارّة، والأمزجة الحارّة، التي دّم أصحابها في غاية النضج؛ الحجامة فيها أنفع من الفصد بكثير».
وقال كذلك -رحمه الله-: «وقد نصّ الأطباء أنّ البلاد الحارّة الحجامة فيها أنفع وأفضل من الفصد..».
وقال كذلك رحمه الله: (وقولـه صلى الله عليه وسلم: «وخير ما تداويتم به الحجامة»، إشارة إلى بلاد الحجاز والبلاد الحارة، لأنّ دماءهم رقيقةٌ، وهي أميل إلى ظاهر أبدانهم؛ لجذب الحرارة الخارجة لـها إلى سطح الجسد واجتماعها في نواحي الجلد، ولأن مسام أبدانهم واسعة وقواهم متخلخلة، ففي الفصد لهم خطر، والحجامة تفرُّق اتصالي إرادي يتبعه استفراغ كلي من العروق، وخاصة العروق التي لا تفصد كثيراً...».
فالله أسأل أن يحمي بلاد المسلمين من جميع الأمراض، وأن يرزق أهلها العلم النافع والعمل الصالح، إنّه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.
مــــــدخـــل(6).
الحجامة (Cupping):
لغة: تعني المصّ.
وفي الاصطلاح: تعني إخراج الدّم من الجسم بشرط الجلد.
والحجامة من الوسائل القديمة التي كانت تستخدم لعلاج الأمراض على مختلف أنواعها، أما في العصر الحديث فتدخل الحجامة في الطب الطبيعي، أو الطب البديل، الذي أُنشئت له في أنحاء متفرقة من العالم عيادات متخصصة، أخذ روادها يتزايدون يوماً بعد يوم، وبخاصة بعد اكتشاف الأضرار الخطيرة لكثير من الأدوية الكيميائية، وتحوّل كثير من الأطباء عن الأدوية المصنعة إلى العلاج الطبيعي.
إذاً: الحجامـة تدخل ضمـن الطبّ البديـل باصطلاح الطّب الحديث Alternative Medicine، وهذا النوع من الطّب يعتمد على وسائل في العلاج تختلف عن الوسائل المتبعة في الطب التقليدي الذي يُدرَّسُ في الجامعات، ومن أنواع هذا الطب على سبيل المثال لا الحصر:
- طبّ الأعشاب (Herbal Remedies) .
- الطبّ الطبيعي (Physio Therapy).
-الطب الصيني؛ المعروف باسم الوخز بالإبر Acupuncture)).
- والتنويم الإيحائي (Hypnotism).
- والعلاج بالتأمل (Meditation).
وغير ذلك من ضروب الطبّ البديل، التي أخذ مبتدعوه ومؤيدوه يتزايدون يوماً بعد يوم، ولاسيما بعد اكتشاف المزيد من الأمراض التي تصنَّف تحت عنوان: الأمراض الغامضة أو مجهولة السبب: (Idiopathic Disease) وبعد تفشي الآثار الضَّارة ( (Side Effect لكثير من الأدوية الحديثة.
ومن الجدير التنبيه عليه في هذا المدخل؛ أنّ مُمَارِس الحجامة عليه أن يتحلّى بالخبرة (Experience) الكافية؛ حتى يتسنى لـه ممارسة مهنته على أحسن وجه، وأكمل حال، وكما يجب عليه أن يقوِّيّ معرفته بتشريح الأعضاء، والعروق، والعضل، والشرايين، وأن يحيط علما بتركيبها وكنهها؛ لئلا يقع المبضع في عرقٍ غير مقصود، أو في عضلةٍ أو شريان فيؤدي إلى زمانة (Chronicity) العضو، وهلاك المحجوم.
وأخيرا فالنّاظر في هذا الجزء المختصر يدرك بصدقٍ وعلم فائدةَ الحجامة، التي أدرجتها ضمن الطب البديل (وهي من الطبّ النبوي أصالة)، وأن هذا النوع من العلاج النبوي كافٍ إن شاء الله في إزالة بعض الأمراض المستعصية، التي ما زادتها الأدوية الكيميائية إلا تعقيداً واستعصاء، ويستحسن أن يكون في كلِّ دولة فرعٌ للحجامة ضمن المراكز الطبية للعلاج الطبيعي، يشرف عليه أطباء وطبيبات متقنون، عندهم إلمامٌ بأحكام الحجامة، وجملةٍ من منافعها؛ فإن هذا العمل يغذي المراكز المعتنية بالطب البديل، ويقطع السبيل في أوجه من يتلاعب بالطب النبوي الشريف لابتزاز أموال الناس.
والله أسأل أن يُطهر المجتمعات الإسلامية من جميع الأمراض النفسية والبدنية، وأن يرزق المسلمين العافية والحياة السعيدة، إنّه ولي ذلك والقادر عليه.
باب:
الحجامة تعريفها وأنواعها.
تعريفها لغة: (الحجم: المص، والحَجّام: المصاص، والمِحجمة والمِحجم بكسرهما: ما يحجم به)(7).
اصطلاحا(8): (الحجامة تستخرج الدم من نواحي الجلد،... وهي تفرُّقٌ اتصاليٌ إراديٌ يتبعه استفراغ كلّي من العروق)(9).
قلت: وفي تعريف القدماء للحجامة ردٌّ واضح على ما ادعاه بعض الأطباء من سوريا في فيلم مُسجّل على أقراص مدمجة، وأنها لا تكون إلا على الظهر، معللين الأمر بأشياء قاصرة وبعيدة عن الاقناع، ومن تتبع أقوالهم في القرص السابق يدرك أنهم بعيدون عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، والله الهادي إلى الصواب.
أنواعـُها:
الحجامة على ضربين: حجامة جافة، وحجامة رطبة (وتسمى المبزغة).
والحجامة الجافة: هي أن يُسخَّن الهواءُ بداخل الكأس فيتمدد بالحرارة، وعند ملامسته للجلد يبرد الهواء وينكمش ويقل حجمُه، فيُحدِث بذلك فراغاً داخل الكأس، فيجذب الجلد إلى داخل الكأس وبه كمية من الدم، وهذا النوع من الحجامة يستعمل لتخفيف الآلام من العضلات، وإخراج الأخلاط الهوائية المجتمعة تحت الجلد، وهي نافعة جداً لآلام الظهر والمفاصل(10).
والحجامة الرطبة: وهي تزيد على الحجامة الجافة بإحداث جروح سطحية
على الجلد بالمشرط، وهي المقصودة من هذا الطّرح الميسر، وهي التي كانت معروفة في الزمن الأول، وفيها وردت النصوص النبوية.
باب:
فضلُـها والترغيبُ في المداواة بها
عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «إنّ أمثلَ ما تداويتم به الحجامة والقُسط البحري»(11).
قال الحافظ في "الفتح " (10/187 ط.دار الفيحاء): «وقد اشتمل هذا الحديث على مشروعيّة الحجامة و التّرغيب في المداواة بها، ولا سيّما لمن احتاج إليها»اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنْ كان في شيءٍ ممّا تداوون به خير، فالحجامة»(12).
قال أبو الحسن الحنفي رحمه الله المعروف بالسّندي (م 1138) في حاشيته على "سنن ابن ماجه" (4/107ط. دار المعرفة): (إن كان في الشّيء..الخ): التّعليق بهذا الشّرط ليس للشّك بل للتحقيق، والتحقيق أن وجود الخير في شيء من الأدوية فمن المحقق الذي لا يمكن فيه الشّك، فالتّعليق به يوجب المعلق به بلا ريب، كأن يقال: في أحد من العالم خيرك إن كان ففيك ونحو ذلك)اهـ.
وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشـّفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كيّة بنار، وأنا أنهى أمّتي عن الكي»(13).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: إنِّي سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الدّاء، و ما أحب أن أكتوي»(14).
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (إنّما أمرهم صلى الله عليه وسلم بالحجامة حَضًا مِنه لهم بذلك على ما فيه نفعُهم، وصلاحُ أجسامهم، ودفع ما يخاف من غائلة الدّم على أبدانهم إذا كثر وتبيّغ، لا على وجه إلزام فرض ذلك لهم، فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن معنى أمره صلى الله عليه وسلم أمته بإخراج ذلك من أبدانهم، إنما هو ندب منه لهم إلى استعمال ذلك، في الحين الذي إخراجه صلاح لأبدانهم»(15).
وقال شيخُ الإسلام رحمه الله: «والتّداوي بالحجامة جائز بالسّنة المتواترة، وباتفاق العلماء»(16).
باب:
نصيحةُ المريض بـها.
عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: جاءنا جابر بن عبد الله في أهلنا، ورجل يشتكي خُرّاجا به أو جِراحا، فقال:ما تشتكي؟ قال: خُراج بي شقّ عليّ، فقـال: يا غلام ائتني بحجّـامٍ، فقـال له: ما تصنع بالحجـّام يا أبا عبد الله؟ قال: أُريد أن أُعلِّق فيه مِحجماً، قال: والله إنّ الذّباب ليُصيبني أو يصيبني الثّوبُ فيؤذيني، ويشُق عليَّ، فلماّ رأى تبرّمه من ذلك قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة حجم، أو شربة من عسل، أو لذعة بنار»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أحبُّ أن أكتوي»، قال: فجاء بحجّام فشرطه؛ فذهب عنه ما يجده(17).
وفي رواية عند الشّيخين(18): أنّ جابر بن عبد الله عـاد المقنّع(19) ثمّ قال: لا أبرح حتى يحتجم؛ فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ فيه شفاء».
فهذه نصيحةُ من صحابيّ جليل، لتابعيٍّ عليل، لعلمه رضي الله عنه أنّ الحجامة شفاءٌ من كل داء، فالواقف على هذا الأثر يستحسن في حقه أن يسلك مسلك الصحابي جابر رضي الله عنه؛ فينصح ويأمر كل من يزوره وهو عليل بالحجامة، ولا يُفارقه حتى يحتجم إن تيسّر؛ وإن تضمّر المريض من الحجامة وتبرم، ذُكِّر بفضلها وفوائدها، وهي مجموعة في هذا الجزء الميسر، والله ولي التّوفيق.
باب:
وصية الملائكة لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم بالحجامة.
عن ابن عبّاس مرفوعاً قال: «ما مررت بملأ من الملائكة ليلة أُسري بي، إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد»(20).
إن حديث ابن عباس الحسن بمجموع طرقه من أعظم الأدلة الشرعية على نجاعة الحجامة، وأنّها دواء ربانيّ؛ نصحت به الملائكة الكرام أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ففوائدها صعبة الحصر والعدّ، ولهذا قد تظهر بعضُ حِكمها وأثارها للأطبّاء والمتخصصين، ولكن ما خفي من أسرارها ومنافعها أكثر وأعظم؛ وهذا كلّّه لتظهر ربوبية الله سبحانه وتعالى النافذة في خلقه، وأن الخلقَ إنسَهم وجنَّهم أجمعين محتاجون إلى بارئهم وخالقهم سبحانه وتعالى. فمن احتجم مفتقرا ومتضرعا إلى الله جلّ وعزّ سائلا منه العفو والعافية، والصحة والسّلامة، فما تكاد المحاجمُ تبارح كاهلَه، أو موضعا من جسده إلا وهو يشعر بالتحسن والعافية، وذهاب الداء بإذن الله الواحد الأحد، ومن توكل على الله فهو حسبه، قال تعالى: [[وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا]].
باب:
الحجامة تقي المريض من تبيُّغ الدّم.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا هاج بأحدكم الدّمُ فليحتجم، فإنّ الدّم إذا تبيّغ بصحابه يقتله»(21).
التبيّغ في اللُّغة: الزيادة والثوران، ونقول: باغ يبيغُ: هلك، وتبيّغ عليه الدم: هاج و غلب(22).
فتبيّغ الدّم بمعنى زيادتُه و تهيّجُه و ثورانُه؛ المؤدي إلى الهلاك غالبـاً، وقـد أطلق عليـه مؤلّفــوا القامـوس الطبي كلمــة: Hypeshemie.
وهو أكثر ما يحدث في ارتفاع التوتر الشِرياني، المؤدي إلى فرط في الكريات الحمر، وهذا التوتر يسبب أمراضاً عدة منها: التضيّقات الرئوية، وتصلب الشِرْيان الرئوي، وسلّ الطحال، وغيرها كثير مما ذكره الأطباء، وللوقاية من هذه العلل الُمردية؛ يندب إلى استعمال الحجامة لردي عداوة الدّم، ودفع صولته الهالكة، وبغيه على باقي الأعضاء، و الله هو الشافي، قال تعالى مخبرا عن نبيه إبراهيم: [[وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ]].
بـاب:
الحجامة من خير دواءٍ يتداوى به النَّاس.
عن سمُرة بن جندب قال:كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فدعا الحجام، فعلّقَ عليه محاجم قرون، ثم شَرَطهُ بشفرة، فدخل عليه أَعرابي من بني فَزارة فقال: يا رسول الله ما هذا يقطع جِلدك؟ قال: «هذا الحجم» قال:وما الحجم؟ قال: «من خـير دواء يتداوى به الناس»(23).
باب:
تسمية الحجامة أمّ مُغيث (أو المنقذة).
عن ابن عمر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان يحتجم هذا الحجم في مُقَدَّمِ رأسه، ويسميه أُمَّ مغيث»(23).
إنّ الحجامة منقذة بمشيئة الله ربّ العالمين من أمراض عِدة؛ المعلومةِ والمجهولةِ السّبب، وقد تكون هذه الأمراض سبباً في هلاك المريض وإتلافه، ويأتي في فصلٍ خاص ذكر بعض الأمراض التي ظهر لنا أن الحجامة تنفع في علاجها، وإلاّ الذي خفي علينا وعلى الأطباء المتخصصين شيء لا يُحصر، الله أسأل أن ينفعنا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
باب:
بعض أوصاف الحجّام.
أولاً: أن يكون رفيقًا، وعالماً بمواضع الحجامة، ودارساً لبعض فنون الطِّب.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تطببّ ولم يعلم منه طب فهو ضامن»(24).
قـال ابنُ مُفلح المقدسي رحمه الله (م 763) في "الآداب الشرعيـة" (2/439): (والطبيب يتناول لغة: مَنْ يُطِبُّ الآدمي والحيوان، ويتنـاول غيرهمـا أيضاً، كمـا يتناول الطبـائعَي، والكحاّل، والجرائحِي أنواعه، والحاقن، والكواء)اهـ .
قلت: والحجام داخل في جملة الجرائحيين.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من تطبّب)، ولم يقل من طبّ، لأن لفظ التفعل يدل على تكلف الشيء، والدخول فيه بكلفة، وأنه ليس من أهله.
ومن هذا النّص فليحذر الذين يباشرون مهمة الحجامة وهم ليسوا من أهلها، جريًا وراء الشّهرة أو جمع المال، فإنّ أرواح الناس ليست لعبة، وجلودهم ليست بصلاً من استهل ناطقاً قشّره، فالحذر الحذر، ومن كان جاهلا بفنّ الحجامة فليتنحى عن الطريق ويعطي القوس باريها.
والحجّام الحاذق: هو من يراعي نوع المرض، وسببه، وقوة المريض هل تقاوم المرض، وسِنّ المريض، وبلده، وعادته، وما يليق بالوقت الحاضر من فصول السّنة، وحالُ الهواء وقت المَرض، ولا يستفرغ الخلط قبل نضجه، وغير ذلك كثير من النصائح التي يأتي ذكرها في بابها.
ثانياً: أن يكون من المحارم بالنسبة للنساء، أو غلاماً لم يحتلم، عالما بشيء من فنّ الحجامة:
عن جابر رضي الله عنه أنّ أم سلمة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة أن يحجمها، قال: «حسبت أنّه كان أخاها من الرضاعة، أو غلاماً لم يحتلم»(25).
مسألة.
أما إذ عُدم المحرم، واحتاجت المرأة إلى الحجامة، جاز للأجنبي الخبير بالحجامة مداواتها، وذلك بستر سائر الجسم، وشق ثقب في الموضع الذي يريد علاجها فيه.
عن قتادة قال: (قلت لجابر بن زيد: المرأة ينكسر منها الفخذ أو الذراع، أجبِّره؟) قال: (نعم)(26).
وعن أبي خُثَيم المكي عن عطاء في المرأة تنكسر، قال: (لا بأس أن يجبّرها الرجل)(27).
قال القاضي:(يجوز للطبيب أن ينظر من المرأة إلى العورة عند الحاجة إليها، نص عليه في رواية المروزي وحرب والأثرم، وكذلك يجوز للمرأة والرجل أن ينظرا إلى عورة الرجل عند الضرورة، نص عليه في رواية حرب والمروذي)(27).
باب:
الأيام التي تُستحب فيها الحجامة، والحجامة في الوِتر من النِّصف الثاني من الشهر القمري والحكمة من ذلك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من احتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، كان شفاء من كُلّ داء»(29).
عن أنس قال: «كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحتجمون لوتر من الشهر»(30).
وقال أنس بن سيرين: حدثني رُفَيَع أبو العالية الرياحي قال: «كانوا يستحبون الحجامة لِوتر من الشهر»(31).
وقال سليم بن أخضر البصري: «كان عبد الله بن عون يوصي بعض أصحابه أن يحتجم لسبع عشرة، وتِسع عشرة، وإحدى وعشرين»(32).
وقال عبد الله بن عون: «كان محمد بن سرين يحُب أن يحتجم الرجل لسبع عشرة»(33).
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: «وأما ندبَهُ أمُتَّه إلى الاحتجام في حال انتقاص الهلال من تناهي تمامه، دون حين استهلاله وبدء نمائه، فَلأَنّ ثورانَ كل ثائر، وتحركَ كُلَّ علة مكروهة؛ فإنّما يكون فيما يقال من حين استهلال الهلال إلى حين تناهي تمامه وانتهاء نمائه، فإذا تناهى نماؤه، وتم تمامه، استقر حينئذٍ كل ذلك وسكن، فَكَرِهَ صلى الله عليه وسلم لهم الاحتجام في الوقت المخوفة غائلته، وندبهم إلى ذلك في الحال التي الأغلب منه السّلامة، إلاّ أن يتبيّغ الدم ببعضهم في الوقت المكروه لهم الحجامة، إذا كان الأغلب من تركها السلامة، فيتقدم على الحجامة حينئذٍ...»(34).
وقال صاحب "القانون": «ويؤمر باستعمال الحجامة، لا في أوّل الشهر؛ لأنّ الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت، ولا في آخره؛ لأنّها تكون قد نقصت، بل في وسط الشهر، حين تكون الأخلاطُ هائجةً بالغة في تزايدها؛ لتزايد النور في جرم القمر»(35).
قال الموفق البغدادي: «وذلك أن الأخلاط في أول الشهر تهيج، وفي آخره تسكن، فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه»(36).
قال العلاّمة السّلفي ابن قيّم الجوزية -رحمه الله-: «وتستحب في وسط الشهر، وبعد وسطه، وبالجملة في الربع الثالث من أرباع الشهر؛ لأنّ الدم في أول الشهر لم يكن قد هاج وتبيّغ، وفي آخره يكون قد سكن، وأما في وسطه وبُعيَده فيكون في نهاية التزايد»(37).
قلت وبالله التوفيق: لقد أثبتت التجاربُ العلمية الحديثة أن هناك علاقة بين الدم وجرم القمر حين يكون بدرًا، كما أشار إلى ذلك صاحب "القانون"، وبَيّنَ أصحابُ التجارب العلمية أن الجرائمَ والشهواتِ الغريزية تتزايد حين يكون جرم القمر بدراً بشكل ملموس، ومن هذه المقدمة العلمية التجريبية ندرك الحكمة من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حين رأى القمر: «استعيذي بالله من شرّ هذا، فإنّ هذا الغاسق إذا وقب»(38) ، وحثّ الأمة على صيام ثلاثة أيام من كُلّ شهر، حتى يعدِّل الصائم شهوته ويُضعف قوة هيجان الدم، ويقطع المجاري على الشيطان، ومن طغى وبغى عليه الدم وخشي على نفسه من الهلاك هرع إلى الحجامة، فإنّها دواء من كل داء، كما جاء في النصوص السالفة، فاللهم صلى وسلم وأنعم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين، الذي دلّ أمته على الحجامة فوقاهم شرا عظيما.
الهامش:
(2) طُبع الجزءُ قديما، وأظنّهُ في سنة 1993 ميلادية من طرف دار الإمام مالك في الجزائر الغراء، وقد انتفع به خلقٌ كثير من المسلمين ممن كان يجهل التداوي بالحجامة، أو يظنها علاجا شعبيا انتشر في الأسواق وروّج له العوام، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ولما كنتُ مقيما بدولة الإمارات العربية المتحدة لفت انتباهي انتشار الحجامة بين المسلمين، وتصدُّرُ بعض المحبين للخير للعلاج بها، ولكن أوقفني أمرٌ؛ أنّ القائمين على ممارسة الحجامة عندّهم جهل بأحكامها، وليس بين أيديهم جزء يعودون إليه عند الحاجة، فاستعنت بالله على إعادة طبع الجزء من جديد مع بعض المراجعات والتصحيحات وكان ذلك بتوفيق الله ومَنِّه، وقد قامت مكتبة الفرقان الإماراتية بعجمان على طبع الجزء، وتمّ الأمر في سنة 1423هجرية الموافق لسنة 2002 ميلادية، إلا أن مكتبة الفرقان أساءت إلى المؤلِف من وَجهين:
أولا: أنها لم تخرج الجزء في الحُلّة التي تليق به، مما دفع الدكتور محمد موسى نصر صاحب جزء "منهج السلامة" إلى نقدنا بالباطل من هذا الجانب كما سيأتي بيانه.
وثانيا: أنها أخلّت في دفع الحقوق إلى المؤلِف، ونقضت ميثاقها معه؛ في هذا الجزء وأجزاء أخرى، وانحازت إلى الغلاة من أمثال فوزي البحريني الجاهل، وصاحب الأكاذيب والوشايات بالباطل، والذين كان سببا في لحاق الأذى بكثير من الأبرياء وعلى رأسهم مُؤلِف هذا الجزء، عامله الله بما يستحق، وأظن أنّ انحيازها إلى الغلاة عاد عليها بالضرر والله المستعان والعاصم من ألسنة أهل البهتان.
(3) أنصح طلاب العلم الفضلاء بقراءة ما ألف الكاتب عمرو عبد المنعم سليم المصري في الردِّ على المدعو محمود سعيد ممدوح المصري وهما كتابان جيدان على العموم: أولهما: (براءة الذمة بنصرة السنة-الدفاع السني عن الألباني والجواب عن شبه صاحب التعريف-) والثاني: (هدم المنارة لمن صحح أحاديث التوسل والزيارة)، وكِلا الكتابين من إصدار دار الضياء، وكذلك ما كتبه طارق عوض الله المصري في طليعة صيانة الحديث وأهله مِن تَعدي محمود سعيد وجهله، وكتابه الآخر: ردع الجاني، والله الهادي إلى الصواب، والعاصم من نهش أهل الضلال.
(4) انظر مجموع الفتاوى(17/486)، (25/257).
(5) الزَّاد [4/54-55 مؤسسة الرسالة].
(6) راجع "الموسوعة الطبية" للدكتور / أحمد محمد كنعان.
(7) القاموس المحيط" (4/93).
(8) لا يقال اصطلاحاً إلا فيما لم يتلق بنص، أما ما وَرَدَ تلقيه بنص فيقال: تعريفه شرعاً، أو حقيقته الشرعية، انظر "معجم المناهي اللفظية" (ص117) لبكر أبي زيد.
(9) الزاد" (4/53-55)، ومن تعريف ابن قيم الجوزية ندرك أن الحجامة من أقوى الأسباب التي تقوِّي المناعة عند الإنسان.
(10) لقد ظهر في العصر الحديث بعض الأجهزة، منها ما يشتغل بالكهرباء، ومنها ما هو يدوي، تقوم بسحب الهواء من الجلد بكيفية جيدة، وهي متوفرة في الأسواق.
(11) صحيح: أخرجه البخاري(برقم 5696 باب: الحجامة من الدّاء).
(12) إسناده حسن من أجل محمد بن عمرو بن علقمة، أخرجه أبو داود (برقم 3853، كتاب الطب، باب: في الأمر بالحجامة). انظر الأصل.
(13) صحيح: أخرجه البخاري برقم(5680).
(14) صحيح: أخرجه البخاري في "صحيحة" (برقـم5682)، ومسلم (برقـم 5707) كتاب الطب،
باب: لكل داء دواء، واستحباب التداوي).
(15) تهذيب الآثار(1/518 مسند ابن عباس).
(16) مجموع الفتاوى (30/194).
(17) أخرجه مسلم، (برقم5707)، انظر "الجمع بين الصحيحين" لعبد الحق الإشبيلي (3/368 برقم3844).
(18) البخاري (برقم 5697)، ومسلم (برقم5706).
(19) قال الحافظ: (هو ابن سنان تابعي، لا أعرفه إلا في هذا الحديث).
(20) حسن بمجموع طُرقه: أخرجه الترمذي ( برقـم2053)، وابن ماجـه (برقم 3477)، وأحمد (1/354)، وغيرهم انظر الأصل.
(21) إسناده حسن: أخرجه ابن جرير في "تهذيب الآثار" (779 مسند ابن عباس)، و رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير محمد بن عبد العزيز العُمري الرملي ابن الواسطي، قال فيه أبو زرعة: ليس بالقوي، و قال أبو حاتم: كان عنده غرائب، و لم يكن عندهم بالمحمود، وهو إلى الضعف ما هو، و قال البزار: لم يكن بالحافـظ. و لهذا فهـو ضعيف يعتبر به، انظر الأصل.
(22) القاموس المحيط" (3/107 ط دار الجليل).
(23) حسن: أخرجه الإمام النسائي في "الكبرى" (برقم 7552) كتاب الطب)، وكما في "تحفة الأشراف" (3/595 برقم 4611) نسخة بشار عواد )، و الحاكم(4/332 برقم 7548 نسخة الشيخ مقبل بن هادي)، انظر الأصل.
(24) أخرجـه التمام في الفوائـد (3/243باب موضع الحجامة-الروض البسام-) والطّبراني في "الأوسط" (8/16 برقم 7817 ط. الحرمين)، انظر الأصل.
(25) أخرجه أبـو داوود (برقم 4576 كتـاب الدِيـّات-باب: فيمن تطبّب بغـير علم)، وابن ماجه (برقم 3466)، والنّسائي (8/422 برقم 4845، 4846 كتاب القسامة)، والدارقطني في "السنن" (4/215 برقم 42،43 كتاب في الأقضية والأحكـام وغــير ذلك)، والحـاكـم في "المستـدرك" (4/336 برقم 7564 كتـاب الطِّـب ط.الوادعي)، والبيهقي في "السُنن" (8/242 برقم1653 باب:ما جاء فيمن تطبَّب بغير علم فأصاب نفساً فما دونها)، وابن عدي في "الكامل" (5/115)، من طريق الوليد بن مسلم، عن ابن جريج، عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده.
قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرِّجاه. انظر أصل الكتاب.
(26) أخرجه مسلم في صحيحه (7/414 برقم 5708 كتاب الطب: باب لكل داء دواء، واستحباب التداوي)، انظر الأصل.
(27) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في" المصنف" (5/467 كتاب الطب، في الرجل يجبر المرأة من الكسر أو الشيء)، انظــر "شرح السنـة" البغـوي (12/252).
(28) إسناده حسن، أخرجــه ابــن أبي شيـــبة في "المصنف" (5/467) وأبو خثيم، قال عنه الحافظ في "تعجيل المنفعة" ( 2/447 برقم 1263): (هذا تصحيف، وإنما هو ابن خُثيم، وهو عبد الله بن عثمان بن خُثيم).
(29) الآداب الشرعية" لابن مفلح ( 2/429 ط. الرسالة).
(30) حسن: أخرجه أبو داود في السنن ( برقم 3857، كتاب الطب: باب متى تُستحب الحجامة)، وعنـده أتـمّ، انظر الأصل
(31)صحيح: أخرجه بن جرير في "تهذيب الآثار" (1/520 برقم 821 مسند ابن عباس).
(32) إسناده صحيح أخرجه ابن جرير في" تهذيب الآثار" (1/520 برقم 522).
(33) إسناده صحيح أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار (1/520 برقم 523).
(34) إسناده صحيح أخرجه ابن جرير في "تهذيب الآثار" (1/521).
(35) "تهذيب الآثار" ( 1/519 مسند بن عباس ).
(36) القانون" (1/212)، انظر "الزاد" (4/54 ).
(37) راجع "الفتح" (10/150) للحافظ ابن حجر العسقلاني.
(38) " الطب النبوي" ( ص 54 ).
(39) إسناده حسـن: أخرجه الترمذي (برقم3366)، انظر الأصل.
ملخص إبلاغ الفهامة بفوائد الحجامة (الجزء الثاني).
باب:
قِلّة منفعة الحجامة في أوّل الشهر.
عن السري بن يحي قال: سمعت محمد بن سرين يقول لغلام أراد أن يحتجم في أول الشهر: «لا تحتجم في أوّل الشهر؛ فإنّ الحجامة في أوّل الشهر لا تنفع»(1).
قلت:أي أنّها قليلة النفع بالمقارنة ما إذا كان القمرُ بدرا، ولكن من احتاج للتداوي بالحجامة لعلة دافعة كالوثء، أو السّم أو السّحر فلا يتوانى بالأخذ بهذا الطب النبوي الشريف في أي وقت كان، لأن تأخير الدواء عن إزالة العلة في مثل هذه الحالة قد يؤدي إلى انتشار الداء، ووصوله إلى القلب، ومنه يكون هلاك عضوٍ، أو خروج نفسٍ والله المستعان، ومنه تعالى نسأل الوقاية والأمان.
باب:
مواضع الحجامة من البدن
.
1- في وسط الرأس:
عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه قال: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم بلحي جمل من طريق مكة وهو محرم في وسط رأسه»(2).
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم من شقيقة كانت به وهو محرم»(3).
2- على الأخدعين والكاهل:
عن أنس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في الأخدعين، وعلى الكاهل»(4).
غريب الأثر:
الأخدع: عرق في المحجمتين، وهو شعبة من الوريد.
الكاهل: العارك، أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق، وهو الثلث الأعلى، وفيه ست فقر، أو ما بين الكتفين، أو موصل العنق في الصلب.
3- على الهامة وبين الكتفين:
عن ثابت بن ثوبان عن أبي كبشة الأنماري؛ أنه حدّثه أن النبيّ كان يحتجم على هامته، وبين كتفيه، ويقول: «من أهراق منه هذه الدماء، فلا يـضره أن لا يتـداوى بشيءٍ لشيء»(5).
غريب الأثر:الهامة: أعلى الرأس، أو وسطه، وجمعه هام.
أهراق: أراق وصبّ.
4- في اليافوخ:
عن أبي هريرة: أنّ أبا هند حجّم النبيّ صلى الله عليه وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا بني بَيَّاضة، أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه»، وقال: «إن كان في شيء ممّا تُداوون به خير فالحجامة»(6).
5- على ظهر القدم:
عن أنس رضي الله عنه: «أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم احتجــم وهو مُحـرم على ظهر قدمـه [بملل] من وجع (في رواية النسائي في "الكبرى": من وَثْء) كان به»(7).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم من وثءٍ كان بظهره أو بوركه»(8).
قال أبو بكر بن خزيمة رحمه الله: (في خبر ابن عباس وابن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على رأسه؛ من وجع وجده في رأسه، فدلّ خبر حميد عن أنس أنه احتجم على ظهر القدم، وإنما كانت للوثء الذي بظهره أو بوركه، لأن في خبر حميد عن أنس أن إحدى الحجامتين كان من وجع وجده في رأسه، وفي خبر جابر أن إحداهما كان من وثء كان بظهره أو بوركه...).
قاعدة.
الحجامة على حسب ما تقتضيه الحاجة.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (..فالحق على كلّ محتجم أن يحْجُم من جسده أَحْرَى أماكنه بسوق النفع بحجمه إيّاه إليه، ودفع الضرّ عنه، فاحتجامه صلى الله عليه وسلم في أخدعيه وبين كتفيه في بعض أحايينه، غير موجب علينا إحالة احتجامه على هامته ونقرته وغير ذلك من سائر أماكن جسده في حال أخرى، وإذا كانت أماكن الحاجة إلى ذلك من أجساد بني آدم مختلفة لاختلاف عللهم فيها.
وقد ذُكِر عن المقدَّمين في العلم بعلاج أدواء الأجسام، أن حجامة الأخدعين نفعها للعارض من الأدواء في الصدر، والرِّئة، والكبد، لأنّها تجذب الدم منها، وأن الحجامة على النقرة للعارض من الأدواء في العينين، والعنق، والرأس، والظهر، وأن الحجامة على الكاهل نفعها من الأدواء العارضة في الجسد كلّه، وأن الحجامة على الهامة فوق القِحْف نفعها من السّدر(9)، وقروح الفخذ، واحتباس الطمث.
فإذا كانت منافع الحجامة لاختلاف أماكنها من أجساد بني آدم مختلفة على ما وصفتُ، فمعلوم أنّ اختلاف حجم النبي صلى الله عليه وسلم من جسده ما حجم، كان على قدر اختلاف أسباب الحاجة إليه، فحجم مرة أو مرارا الأخدعين والكاهل، ومرة أعلى هامته وبين كتفيه، ومرة الأخدعين دون غيرهما، وليس حَجْمُه بعض ذلك دون بعض، في الحال التي حَجَمَهُ فيه، بدافع صحَّة الخبر عنه، حجمه مرة أخرى موضعا غيره من جسده، إذ كان فعله ما كان يفعلُ من ذلك التماس نفعه، ونفيَ الأذى عن نفسه)(10).
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: (فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه احتجم في عدّة أماكن من قفاه، بحسب ما اقتضاه الحال في ذلك، واحتجم في غير القفا بحسب ما دعت إليه حاجته)(11).
قلت: والحجّام الخبير هو الذي يحدد الموطن الذي يصلح لتعليق المحاجم فيه، وعلاقة الموضع بالداء المراد إزالته بإذن الله، فمعرفة التركيبة الجسمانية للإنسان، وعلاقة الأعضاء بعضها ببعض، من العلوم المهمة التي يجب أن يدركها الحجّام الذي يريد نفع النّاس، والله ولي التوفيق.
باب:
منافع الحجامة بإذن الله تعالى
.
أولاً: تزيل الصُّداع من الرأس:
عن سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلا قال: «احتجم»، ولا وجعاً في رجليه إلا قال: «أخضبهما بالحنّاء»(12).
وعلى تحسين العلامة الألباني رحمه الله تعالى لحديث سلمى؛ فإنّ الحجامة نافعة في إزالة الصداع، الذي يعاني منه كثير من الناس في هذا الزمان.
أسباب الصّداع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء أعرابي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل أخذتك أم مِلْدَم؟» قال: وما أم مِلْدَم؟ قال صلى الله عليه وسلم: «حرّ ما بين الجلد واللحم» قال: لا، قال: «فهل صُدعت؟» قال: وما الصُّداع؟ قال: «ريح تعترض في الرأس تضرب بالعروق»، قال: لا، فلما قام قال صلى الله عليه وسلم: «من سّره أن ينظر إلى رجل من أهل النار» أي فلينظر)(13).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وأسباب الصّداع كثيرة جداً:
-ما يكون عن ورم في المعدة، أو في عروقها، أو ريح غليظة فيها، أو لامتلائها.
-ومنها ما يكون من الحركة العنيفة، كالجماع، والقيء، والاستفراغ، أو السّهر، أو كثرة الكلام.
-ومنها ما يحدث من الأعراض النفسانية، كالهمّ، والغمّ، والحزن، والجوع، والحمى.
-ومنها ما يحدث عن حادث في الرأس؛ كضربة تصيبه، أو ورم في صفاق
الدماغ، أو حمل شيء ثقيل يضغط الرأس، أو تسخينه بلبس شيء خارج
عن الاعتدال، أو تبريده بملاقاة الهواء، أو الماء في البرد)(14).
قلت: إنّ أسباب الصداع كثيرة جداً، ومبسوطة في كتب الطب؛ والحاصل أن كل شيء رطب إذا حمى، طلب مكاناً أوسع من مكانه الذي كان فيه، فإذا عرض هذا البخار في الرأس كله بحيث لا يمكنه التفشي والتخلل، وجال في الرأس سبّب الصُداع وألام حادة.
ثانيا: تُزيل الشقيقة من الرأس:
عن ابن عباس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه؛ من شقيقة كانت به»(15).
معنى الشقيقة: وجع يأخذ في أحد جانبي الرأس، أو في مقدمته، وتختص بالموضع من الرأس، وذكر أهل الطب أنها من الأمراض المزمنة.
سببها: أبخرة مرتفعة، أو أخلاط حارة، أو باردة ترتفع إلى الدماغ، فإن لم تجد منفذاً أحدثت الصّداع، فإن مالت إلى أحد شقي الرأس أحدثت الشقيقة، وإن مَلكت قِمة الرأس أحدثت داء البيضـة، وعـلامة الشقيقــة ضربـان الشرايين، وإذا ضُبطــت بالعصائب سكن الوجع بإذن الله، وأنجع دواء ينفع من داء الشقيقة هي الحجامة بإذن الواحد الأحد.
ثالثا ً: تنفع من الخُراج:
عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: جاءنا جابر بن عبد الله في أهلنا، ورجل يشتكي خرُاجـاً؛ فقـال: «ما تشتكي؟» قـال: «خُـراج قد شق عليّ»، فقال: «ياغـلام ائتني بحجّـامٍ»، فقـال لـه: «ما تصنع بالحجام يا أبا عبد الله؟» قال: «أريد أن أعلق فيه محجماً»، قال: «والله إن الذباب ليصيبني أو يصيبني الثوب فيؤذيني ويشق عليّ»، فلما رأى تبرُّمه من ذلك قال: «إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة من عسل،أو لذعة بنار» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أحب أن أكتوي»، قال:فجـاء بالـحجام فشرطه فذهب عنه ما يجده»(16).
والخُراج: هو التهاب أيّ جزء من أجزاء الجسم، مع تكوُّن مادة صديدية بداخله، وأهم علاج له فتحه وإخراج هذه المادة المؤذية، ويكون ذلك بالحجامة وهذا أنفع لحديث جابر رضي الله عنه.
رابعاً: تنفع من الوثء:
عن أنس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم على ظهر قدمه بملل من وَثْءٍ كان به»(17).
الوثْء: الوثاءة وصم يصيب اللحم لا يبلغ العظم، أو توجع في العظم بلا كسر، أو هو الفك، والحجامة نافعة لهذه الحالات، إذا وضعت بحكمة في الأيام المفضلة المذكورة آنفاً، ومن كان يمارس الرياضة كثيرا كلاعبي كرة القدم فإن الحجامة نافعة لهم من الوثء.
خامساً: تنفع في حفظ ارتفاع التوتر الشريانـي:
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم، فإن الدّم إذا تبيَّغ بصاحبة يقتله»(18).
سادساً: تزيل آثار السُّم بإذن الله تعالى:
عن ابن عباس: «أنّ امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاةً مسمومة؛ فأرسل إليها؛ فقال: «ما حملك على ما صنعت؟»، قالت: أحببت-أو أردت- إن كنت نبيا فإن الله سيطلعك عليه، وإن لم تكن نبياً أريحُ الناس منك! قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وَجَدَ من ذلك شيئا احتجم، قال: فسافر مرةً فلما أحْرَمَ، وجد من ذلك شيئاً فاحتجم»(19).
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: (معالجة السّمّ تكون بالاستفراغات، وبالأدوية التي تعارض فعل السُّمّ وتبطله، إما بكيفياتها، وإما بخواصها، فمن عدم الدواء، فليبادر إلى الاستفراغ الكلي، وأنفعه الحجامة، ولا سيما إذا كان البلد حاراً والزمان حاراً، فإن القوّة السّمّية تسري في الدم، فتنبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب فيكون الهلاك، فالدم هو المنفذ الموصل للسّم إلى القلب والأعضاء، فإذا بادر المسموم وأخرج الدم؛ خرجت معه تلك الكيفية السمّية التي خالطتهُ، فإن كان استفراغاً تاماً لم يضره السّمّ، بل إما أن يذهب، وإما أن يضعف فتقوى عليه الطبيعة، فتبطل فعله، أو تضعفه، ولما احتجم النبي صلى الله عليه وسلم، احتجم في الكاهل، وهو أقرب المواضع التي يمكن فيها الحجامة إلى القلب، فخرجت المادة السمّية مع الدّم لا خروجاً كلياً، بل بقي أثرها مع ضعفه لما يريد الله سبحانه من تكميل مراتب الفضل كلّها، فلمّا أراد الله إكرامه بالشهادة ظهر تأثير ذلك الأثر الكامن من السّمّ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وظهر سرُّ قوله تعالى لأعدائه من اليهود ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون َ﴾ [البقرة: من الآية87]، فجاء بلفظ كذبتم بالماضي، الذي قـد وقـع منـه وتحقق، وجاء بلفظ: ﴿تَقْتُلُون﴾ بالمستقـبل الذي يتوقعونه وينتظرونه، والله أعلم)(20).
باب
منافع أخرى للحجامة.
سابعاً: تنفع في إزالة السّحر بإذن الله:
قال ابن قيّم الجوزية رحمه الله بعد ما ذكر النوع الأول للعلاج من السّحر، وهو استخراجه وإبطاله: (والنوع الثاني: الاستفراغ في المـحل الذي يصل إليه السّحر، فإن للسحر تأثيرا في الطبيعة، وهيجان أخلاقها، وتشويش مزاجها، فإذا ظهر أثره في عضو، وأمكن استفراغ المادة الرديئة من ذلك العضو نفع جدا.
وقد ذكر أبو عبيد في كتاب "غريب الحديث" له بإسناده، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم على رأسه بقرن حين طُبَّ)(21) ، قال أبو عبيـد: معنى طُبَّ أي:سُحِر، وقد أشكل هذا على من قلَّ علمُه، وقال: ما للحجامة والسّحر، وما الرابطة بين هذا الداء، وهذا الدواء؟، ولو وجدَ هذا القائلُ أبقراط، أو ابن سينا، أوغيرهما قد نصّ على هذا العلاج لتلقاه بالقبول والتسليم، وقال: قد نصّ عليه من لا يشك في معرفته وفضلـه!. فاعلم أن مادّة السِّحر الذي أصيب به صلى الله عليه وسلم انتهت إلى رأسه، إلى إحدى قواه التي فيه، بحيث كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله، وهذا تصرف من السّاحر في الطبيعة والمادة الدموية، بحيث غلبت تلك المادة على البطن المقدم منه، فغيرت مزاجه عن طبيعته الأصلية.
والسّحر هو مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة، وانفعال القوى الطبيعية عنها، وهو أشدّ ما يكون من السّحر، ولا سيّما في الموضع الذي انتهي السّحر إليه، واستعمال الحجامة على ذلك المكان الذي تضررت أفعاله بالسّحر من أنفع المعالجة؛ إذا استعملت على القانون الذي ينبغي..)(22).
ثامنا: تزيد في العقل وفي الحفظ:
عن نافع قال: قال لي ابن عمر: يا نافع قد تبيّغ بي الدّم، فلتمس لي حجّاما واجعله رفيقا إن استطعت، ولا تجعله شيخا كبيرا، ولا صبيا صغيرا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحجامة على الريق أمثل، وفيها شفاء وبركة، وتزيد في الحفظ وفي العقل، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد تحريا(23) واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنّه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب صلى الله عليه وسلم من البلاء، وضربه بالبلاء يوم الأربعاء، فإنه لا يبدوا جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو(24) ليلة الأربعاء»(25).
ثامناً: منافع مجملة ذكرها ابن القيم وعلماء الطبّ.
1- تنقي سطح البدن أكثر من الفصد.
2- الحجامة على الكاهل، تنفع من وجع المنكب والحلق.
3- الحجامة على الأخدعين، تنفع من أمراض الرأس، وأجزائه كالوجه، والأسنان، والأذنين، والعينين، والأنف، والحلق إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدم أو فساده، أو عنهما جميعاً.
4- تنفع من جحظ العين، والنتوء العارض فيها وكثير من أمراضها، ومن ثقل الحاجبين والجفن، وتنفع من جربه.
5- والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان، والوجه والحلقوم، إذا استعملت في وقتها، وتنقي الرأس والفكين.
6- والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن، وهو عرق عظيـم عند الكعب، وتنفع من قروح الفخذين والساقين.
7- وتنفع من انقطاع الطمث عند النساء.
8- وتنفع من الحكة العارضة في الأنثيين.
9- والحجامة في أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ، وجربه وبثوره، ومن النقرس، والبواسير، والفيل، وحكة الظهر.
فــائدة عظيمة.
الحجامة نافعة للأمراض النفسية.
إنّ الحجامة دواء رباني، إذا ما أُحسن استعمالها باختيار الأحوال والأمكنة المناسبة، وهي نافعة إن شاء الله من أمراض عدة، عجز الطبّ الحديث عن علاجها، ولعلي محدثُ القارئ بأمر قد يظنُّ أن الحجامة لا تنفع فيه، أو أنه ضرب من الخيال، وهي الأمراض النفسية، فقد أثبتت التجارب الصحيحة أن الحجامة مذهبة للقلق والاكتئاب، الذي يشعر به من فسد مزاجه، وقلست نفسه.
قال ابن القيم في الطب النبوي (ص27): (فإن طبَ النبي صلى الله عليه وسلم متيقنٌ قطعي، إلهي صادر عن الوحي، ومشكاة النبوة، وكمال العقل، وطِبَ غيره أكثرُه حدس، وظنون، وتجارب، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول، واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان).
ولا ينبئك مثل خبير، والله هو الشافي وعليه التكلان.
توضيحات مهمة:
-1 يستحسن توقيعها بعد الحمام، إلا فيمن دمه غليظ فعليه أن يستحم، ثم يستجم ساعة ثم يحتجم.
-2 يجب أن تكون أدوات الحجامة مطهرة ومعقمة؛ حتى لا تنتقل العدوى بإذن الله من شخص إلى آخر؛ ولهذا أنصح عامة الناس باجتناب حجامي الأسواق؛ لعدم توفر هذا الشرط فيهم، إلا من رحم ربي، وقليل ما هم.
3- يستحسن توقيعها قبل الزوال بساعتين أو ثلاث، إلا من احتاج إليها بشدة؛ ففي أي وقت فعلها صَلُح.
4-لا يقوم بالحجامة على الهامة إلا من يحسنها، لأنها منطقةٌ حساسةٌ جداً.
قال معمر: احتجمت فذهب عقلي حتى كنت أُلقن فاتحة الكتاب في الصلاة، وكان احتجم على هامته.
5- عدم الإكثار منها لكبار السّن إلا من احتاج إليها.
أخرج الطبري(26) بسند صحيح عن ابن سرين قال: (إذا بلغ الرجل أربعين لم يحتجم).
قال ابن جرير في معناه: (وذلك أن ابن آدم بعد بلوغه أربعين سنة، في انتقاص من عمره، وإخلال من قوى جسمه، والدم أحد المعاني التي بها قوام بدنه، وتمام حياته، إذا كان معتدلا فيه قدرة، وفي أخذ الليالي والأيام من قوى بدن ابن آدم ومنّته، وإنقاصها من جسمه غناء له عن معونتها عليه، بما يزيده وهنا على وهن، يرد به إلى العطب والتلف، إلاّ أن يتبيّغ به الدم حتى يكون الأغلب من أمره خوف الضُّرّ بترك إخراجه، ورجاء الصلاح ببزغه، فيحق عليه حينئذ إخراجه والعمل بما ندبه إلى العمل به نبيُّه صلى الله عليه وسلم).
قال الحافظ بن حجر معقباً على كلام ابن سرين: (وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه، وعلى من لم يعتد به)(27).
6- تكره عند الأطباء الحجامة على الشبع؛ فإنها ربما أورثت سُدَداً وأمراضا رديئة، لا سيما إذا كان الغذاء رديئا غليظا؛ ولهذا يفضل أهل الصنعة أن تكون الحجامة على الريق فهي أمثل وأنفع.
الهامش:
(1) أخرجه مسدد كما في "المطالب العالية" (11/250 برقم 2515 ) للحافظ بن حجر، و"إتحاف الخيرة المهرة" ( 4/441 برقم 3902 ) للبوصيْري، وقال عنه في "المختصر": (رجاله ثقات).
(1) أخرجه البخاري (برقم 5698، كتاب الطب باب: الحجامة على الرأس)، انظر الأصل.
(3) أخرجه البخاري (برقم 5701)، انظر الأصل.
(4) الصواب فيه الإرسال، وأنّه من قول قتادة كما سبق بيانه، إلا أنّه يشهد لـه حديث عبــد الله بن عباس مرفوعاً (احتجـم النبي صلى الله عليه وسلم في الأخدعـين وبين الكتفين)، أخرجـه الترمذي في "الشمائل" (برقم 362)، وأحمـد (2090)، والطـبري في "الكبير" (برقم 12584)، من طريق سفيان الثوري عن جابر عن عامر عن ابن عباس به، وجابر هو ابن يزيد الجعفي؛ ضعيف رافضي. انظر "المختلف فيهم" لابن شاهين ص (22- 23).
(5) أخرجه أبو داود (4/320 برقــم 3855 ط. محمـد عـوامة)، انظر الأصل.
(6) صحيح: أخرجه أبو داود (3/28 برقم 2095)، انظر الأصل.
(7) أخرجه أبو داود (كتاب المناسك، باب: في المحرم يحتجم برقم 1833) والترمذي في "الشمائل" (باب: ما جاء في حجامة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم 365)، والنسائي في "الكبرى" (2/377 برقم 3832 كتاب الحج، باب: حجامة المحرم على ظهر القدم)، انظر الأصل.
(8) صحيح: أخـرجــه أبـو داود (برقـم 3859) والنسائـي في الكــبرى (2/236 برقم 3234) و(4/377 برقم 7597)، وأحمد (3/305- 357-382)، انظر الأصل.
(9) هو الدوار الذي يقارنه تحيّر البصر، كالذي يعرض لراكب البحر.
(10) تهذيب الآثار للطبري(1/523 مسند ابن عباس).
(11) الزّاد (4/94).
(12) إسناده ضعيف؛ لاضطرابه، واختلف فيه على عبد الرحمن بن أبي الموال، أخرجه أحمد (6/462)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/411) والطبري في "تهذيب الآثار" (مسند ابن عباس برقم 810)، والحاكـم (4/328 برقم 7535 ط. مقبل)، والبيهقي في "السنن" (9/570 برقم 19528)، من طريق أبي عامر عبد الملك بن عمرو العَقَدي. انظر الأصل.
(13) إسناد حسن: أخرجه البخاري في الأدب المفرد (برقم495) والنسائي في الكبرى (برقم449) والبزار (778- كشف الأستار) والحاكم (1/491 برقم1289 مقبل) وأحمد (2/332) والبيهقي في الشعب (برقم9907) من طريق محمد بن علقمة الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. انظر الأصل.
(14) انظر "الفتح" (10/153)، و"الزاد" (4/86).
(15) صحيح: قد مرّ تخريجه.
(16) صحيح: أخرجه مسلم وقد مضى.
(17) مر تخريجه مفصلاً.
(18) مرّ تخريجه.
(19) حسن: أخرجه الإمام أحمد (1/305) وابن سعد في "الطبقات" (2/179- ذكر ما سُمّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ط. الخانجي) من طريق عبّاد بن العوّام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس. انظر أصل الكتاب.
(20) "الزاد" (4/123ط. الرسالة).
(21) غريب الحديث" (2/43 ط. دار الكتاب)، وقد مرّ أثرُ عبد الرحمن، والصواب فيه الإرسال.
(22) زاد المعاد" (4/125 – 126).
(23) هكذا في نسخة ابن ماجه للشيخ علي بن حسن الحلبي طبعة مكتبة المعارف، وجاء في نسخة خليل مأمون شِيحا "كذبـا".
(24) في نسخة خليل مأمون شيحا "و".
(25) انظر أصل الكتاب.
(26) تهذيب الآثار (1/517 رقم820 مسند ابن عباس)
(27) انظر "الفتح" (10/151)، قلت : وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وقد تجاوز سن الأربعين، فقول ابن سرين محمول على من ضَعُفَ جسده، إلى حد أنه لا يستطيع استعمالها. وإلاّ مما هو معروف عند أهل الاختصاص أنه قد يحتجم المريض وقد جاوز سنُه التسعين، وقد وضح ذلك كله ابن جرير.