حادثة امتهان الدانمرك لصورة الرسول صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
حادثة امتهان الدانمرك لصورة الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول السائل : الإخوة في الدانمرك يطلبون نصيحةً للمسلمين المقيمين في الدانمرك خاصَّةً والدول الإسكندنافية وفي أوروبا عامَّة حول التعامل مع من قاموا بتشويه صورة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم واتهموه بأنَّه مصدر الإرهاب عليهم من الله ما يستحقون من المقت والغضب ؟
الجواب : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، وسلَّم تسليماً كثيرا ، وبعد :
فإنَّه لايخفى على كلِّ من له إلمامٌ بالشرع المحمدي من المسلمين علو مقام النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ورفعة مكانته ؛ فهو الذي أنزل الله عليه القرآن ، وجعله مهيمناً على جميع الكتب قبله ،
وختم برسالته جميع الرسالات ، وأعطاه ما لم يعط أحداً قبله من الأنبياء ، فهو صاحب المقام المحمود ؛ وهي الشفاعة العظمى في فصل القضاء ؛ وهي التي يعتذر عنها جميع أولي العزم من الرسل ، ويقوم بها صلوات ربي وسلامه عليه ؛ وهو صاحب الحوض المورود الذي ترده أمَّتـه وهو صاحب اللواء المعقود الذي تحشر تحته جميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ؛ وهو الذي يستفتح باب الجنة ، وله خصائص لانطيل بذكرها ، فقد نهى الله عزَّ وجل عباده أن يقدموا أحداً عليه أو يتقدموا بين يديه ، ونهاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته ، وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض ، وأخبر أنَّ ذلك موجبٌ لإحباط أعمالهم ، فقال جلَّ من قائل : بسم الله الرحمن الرحيم : (( يا أيها الذين آمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله ، واتقوا الله إنَّ سميعٌ عليم * يا أيها الذين آمنوا لاترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولاتجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لاتشعـرون )) [ الحجرات : 1 – 2 ] وإنَّ الواجب على كل مسلم أن يعظِّم الرسول حقَّ التعظيم ، ويجلَّه حقَّ الإجـلال ويوقره حقَّ التوقير ؛ إذ أنَّه لايدخل الجنة أحدٌ إلاَّ من طريقه ، ولايقبل من أحدٍ عملٌ إلاَّ بعد الإيمان به قال الله تعالى : (( يا أيها النبي إنَّا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا * وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا * وبشر المؤمنين بأنَّ لهم من الله فضلاً كبيرا * ولاتطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهـم وتوكل على الله وكفى بالله وكيـلا )) [ الأحزاب : 45 – 48 ]
ثمن الجنة طاعته واتباعه ؛ قال الله تعالى : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفورٌ رحيم )) [ آل عمران : 31 ] وقال سبحانه وتعالى : (( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما )) [ النساء : 69 – 70 ] .
أمَّا نصيحة المسلمين الذين يكونون في بلاد الكفار ؛ فإنَّ الواجب عليهم أن ينكروا عمل هؤلاء الكفار المعتدين الظالمين بالطرق الشرعية ويكتبوا احتجاجاً على هذه الدولة ، وعلى الشركة التي نشرت الكاركتير ، ويكثروا من إرسال الإحتجاجات ، فكلُّ جماعة يكتبون إحتجاجاً ، ويبرقوا برقية استنكارٍ لرئيس الدولة التي وقع فيها هذا المنكر ، ويرسلون صورةً من الإحتجاج ، وصورةً من برقية الإستنكار سواءً كان ذلك في نفس الدولة أو في دول غيرها من دول الكفر كما أنَّ الواجب على الدول الإسلامية أن ترسل كلُّ دولةٍ احتجاجاً مفصَّلاً تبيِّن فيه براءة الإسلام من هذا الفكر الغالي ، ومعه برقية استنكار ، وتسحب سفيرها في تلك الدولة التي تبنت هـذا العمل وتطرد سفير تلك البلد من دولتها .
أمَّا الأقليات المسلمة الذين يسكنون في الدول الإسكندنافية أو في دول أوروبا ؛ فهم يكتفون بالإحتجاج وبرقية الإستنكار ، ويلزمون الهدوء ، ويلتزمون الصبر مع ما يظهرون من الغضب عل ذلك حتى لايكون في ذلك للسفهاء في تلك الدول على المسلمين مدخلٌ يؤذونهم به ، والله سبحانه وتعالى قد قال لرسوله صلى الله عليه وسلم معلماً له ولأمته في سورة الأنعام : (( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره وإمَّا ينسينَّك الشيطان فلاتقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين * وما على الذين يتقون من حسابهم من شيءٍ ولكن ذكرى لعلَّهم يتقون )) [ الأنعام : 68 – 69 ] قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره تيسـير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان لهذه الآية في ج2 / 198- 199 : " أي وقد تبيَّن لكم فيما أنزل عليكم حكمه الشرعي عند حضور مجالس الكفر والمعاصي : (( أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها )) أي يستهان بها ، وذلك أنَّ الواجب على كلِّ مكلَّفٍ في آيات الله الإيمان بها وتعظيمها ، وإجلالها ، وتفخيمها ، وهذا المقصود بإنزالها ؛ وهو الذي خلق الخلق لأجله ، فضد الإيمان الكفر بها ، وضد تعظيمها الإستهزاء بها ، واحتقارها ، ويدخل في ذلك مجادلة الكفار ، والمنافقين لإبطال آيات الله ونصر كفرهم .
وكذلك المبتدعة على اختلاف أنواعهم ، فإنَّ احتجاجهم على باطلهم يتضمن الإستهانة بآيات الله لأنَّها لاتدل إلاَّ على الحق ، ولاتستلزم إلاَّ صدقاً ؛ بل وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه ، وتقتحم حدوده التي حدَّها لعباده ومنتهى هذا النَّهي عن القعود معهم (( حتى يخوضوا في حديث غيره )) أي غير الكفر بآيات الله والإستهزاء بها (( إنَّكم إذاً )) أي إن قعدتم معهم في الحال المذكورة (( مثلهم )) لأنَّكم رضيتم بكفرهم ، واستهزائهم ، والراضي بالمعصية كالفاعل لها ، والحاصل أنَّ من حضر مجلساً يعصى الله فيه ؛ فإنَّه يتعيَّن عليه الإنكار عليهم مع القدرة أو القيام مع عدمها " اهـ .
وأقول يتضح من هذه الآيات أنَّ الواجب أن ينكروا الاستهزاء بالنبي الكريم بالطريقة التي ذكرتها ، ويكفي ذلك في إظهار غضبهم من هذا العمل المشئوم .
مع العلم أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلم قد أخبر أنَّه : (( سيكون في آخر الزمان أقوماٌ حدثاء الأسنـان سفهاء الأحلام ؛ يقولون من قول خير البرية ؛ يقرأون القرآن لايجاوز حناجرهـم يمرقون من الدين مروق السهم من الرميـة ؛ لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد )) وفي رواية : (( قتل ثمود )) وفي رواية : (( طوبى لمن قتلهم أو قتلوه )) وقال عنهم : (( كلاب النَّار )) فهذه أقواله في الإرهابيين ؛ حذَّر منهم أشدَّ التحذير ، ونفَّر منهم أشدَّ التنفير فكيف يقال أنَّه إرهابي ؛ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالرسالة الحقَّة ؛ التي تحمل في طيَّاتها الحقَّ والعدل ، والأمن والإيمان ، والراحة والطمأنينة ؛ ليعبد العباد فيها ربهم بغير منغِّصٍ ، ولامكـدِّرٍ فمن زعم أنَّ الإرهاب مصدره من الرسالة المحمدية ، فهو ظالمٌ معتدي ، وجاهلٌ غاية الجهل ، فعلى المسلمين أن يتقـوا الله وأن يعملوا بما يحسِّن السمعة الإسلامية ؛ وهو الذي أمر الله به رسوله ، ومن فعل خـلاف ذلك فإنَّه قد أساء إلى الإسلام ، وتسبَّب في إساءة أعداءه إليه ، وما ذاك إلاَّ نتيجة الجهل بشريعته ، فصلوات الله وسلامه على نبيِّ الهدى ؛ الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة ، وعلى آله وصحبه ، وسلَّم تسليماً كثيرا .
كتبها
أحمد بن يحيى النَّجمي
12 / 1 / 1427 هـ